كيف سيتلقى الشارع الإيراني اصطدام بلاده بجبل العقوبات الجديدة

انهيار العملة وعودة العزلة يهددان المجتمع الإيراني، والإيرانيون يتهمون حكومتهم بالإهمال وعدم تأمين حماية كافية لمصالحهم.
الاثنين 2018/11/05
مخاوف من انهيار تام لاقتصاد البلاد

بعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي، تعيد الولايات المتحدة ابتداء من الاثنين فرض الدفعة الثانية من العقوبات التي كانت رفعتها إثر التوصّل إلى اتّفاق مع طهران عام 2015. ويعني القرار الأميركي منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية في حال قرّرت المضي قدما بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية، وستكون للحزمة الجديدة من العقوبات تداعيات وخيمة على الاقتصاد الإيراني المهدد بالانهيار، وهو ما يثير قلق الإيرانيين بما أنهم الضحية الأولى للعقوبات، ومن يدفعون ثمن سياسات إيران المزعزعة للاستقرار بالمنطقة، إذ تنتظر الإيرانيين أيام صعبة تنذر بتراجع مستوى المعيشة ومعاناة اقتصادية طويلة الأمد.

طهران – سيكون تاريخ 5 نوفمبر الجاري (الاثنين) هاما للإيرانيين بمختلف شرائحهم، مع دخول إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية وشاملة على طهران وأذرعها في العالم. والعقوبات التي دخلت حيز التنفيذ الاثنين هي الحزمة الثانية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في مايو الماضي، عقب حزمة أولى طالت عمليات تجارية ونقدية في أغسطس الماضي.

ومنذ إعلان الولايات المتحدة عقوبات على إيران واجه النظام الإيراني احتجاجات داخلية مستمرة لتذمر الإيرانيين من سياسات بلادهم الخارجية التي تدخلت في قضايا الدول المجاورة، في حين أهملت احتياجات البلد الداخلية الذي يشكو من تدهور اقتصادي أمام مخاوف من تأثيرات وخيمة على الاقتصاد مع إعادة تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات.

ويتوجس الإيرانيون من تعرضهم لمعاناة اقتصادية طويلة، الأمر الذي قد يدفع إلى اضطرابات اجتماعية جديدة نتيجة الفساد المستشري بين الطبقة الحاكمة داخليا، وبسبب عبث الإيراني بأمن المنطقة لانتهاج النظام المتشدد دورا تخريبيا قائما على زرع الفتنة والفوضى.

قلق الإيرانيين

يملك حيدر فكري (سبعون عاما) متجرا صغيرا لبيع التجهيزات الصناعية في بازار طهران منذ ما قبل الثورة الإسلامية العام 1979، لكنه يخشى للمرة الأولى على استمرار تجارته. ويقول “رفوفي فارغة، مخازني فارغة وسأضطر إلى الإغلاق قريبا. حياتي كلها هنا. لن أصمد طويلا بعد إغلاق متجري”.

ومعاناة الاقتصاد الإيراني ليست جديدة، وسبقت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الذي وقع العام 2015، ثم إعادة العمل بالعقوبات. وفاقم إعلان هذه العقوبات “المدمرة” كما وصفها ترامب، من تدهور العملة الإيرانية التي خسرت سبعين في المئة من قيمتها مقابل الدولار في عام واحد، وأجبر الشركات الأجنبية على مغادرة إيران.

حسن روحاني: لا نستطيع أن نقول لشعبنا إننا عاجزون عن فعل أي شيء بسبب الضغط الأميركي

أما إعادة العمل بالحظر النفطي اعتبارا من الاثنين فقد أغرقت البلاد في الانكماش وتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي إلى تراجع الاقتصاد العام 2019 بنسبة 3.6 في المئة. وبسبب القلق حيال الوضع الاقتصادي، اضطر فكري إلى وقف وارداته منذ أكثر من عام بعدما كان يزود زبائنه بمضخات وحفارات صناعية أوروبية منذ 47 عاما.

ويوضح لفرانس برس “تراجعت المبيعات بنسبة تسعين في المئة في الأشهر الستة الأخيرة. البازار برمته يعاني”. والواقع أن كل السلع في إيران، من الأدوية إلى قطع غيار الطائرات مرورا بزجاجات البلاستيك، مرتبطة بشبكة الاستيراد العالمية، ما يعني أن انهيار العملة وعودة العزلة يهددان كل فئات المجتمع.

ولمساعدة الإيرانيين على مواجهة التضخم المتزايد، بدأت الحكومة بتوزيع حصص غذائية على نحو نصف المواطنين.

وبالنسبة إلى الطبقة الوسطى، يبدو التأثير النفسي الأكثر إيلاما، فمع التوصل إلى الاتفاق النووي، تعاظم الأمل لدى أفرادها بإنهاء عزلة إيران على الصعيد الدولي. ويقول سام كوردييه الذي يترأس “بي جي تي ادفرتايزينغ” التي تمثل في طهران شركات غربية مثل بريتيش إيرويز أو نيسليه “لا أحد يعلم بالضبط ماذا يريد الأميركيون. لقد نفذنا كل مطالبهم لكن ذلك لم يكن كافيا”.

وتؤكد واشنطن أن العقوبات تهدف إلى وقف أنشطة إيران “المزعزعة للاستقرار” في الشرق الأوسط، لكن كثيرين في إيران يعتبرون أن هذا الأمر محاولة أميركية لتغيير النظام.

ويضيف كوردييه “يخطئ الأميركيون حين يشجعون على العنف. إذا استمر ذلك فإن جميع رجال الأعمال ممن يرغبون في الاستثمار سيرحلون”. وأجبر هذا البريطاني على صرف ستة من موظفيه الثلاثين وتقليص رواتب الآخرين فيما كان زبائنه الأجانب يغادرون الواحد تلو الآخر.

ويتابع “كنت أبكي حين أبلغتهم بذلك. هؤلاء هم الذين يدفعون ضريبة العقوبات. عدد كبير من الشبان المتعلمين يغادرون البلاد. هناك هجرة أدمغة هائلة”.

كبش فداء

يظهر الكثير من الإيرانيين كرها شديدا لإدارة ترامب، لكن عددا منهم يحمّلون حكومتهم أيضا المسؤولية ويتهمونها بعدم تأمين حماية كافية لهم. ويقول عرفان يوسفي (ثلاثون عاما) الذي افتتح مقهى جديدا ويواجه بدوره ارتفاع الأسعار وتراجع الزبائن “نعم، الأميركيون يقومون بأمور سيئة، لكنهم يحمون مصالحهم. لو حمت دولتنا مصالح إيران لما وصلنا إلى ما نحن عليه”.

إعادة العمل بالحظر النفطي تغرق البلاد في الانكماش، وتؤدي إلى تراجع الاقتصاد الإيراني عام 2019 بنسبة 3.6 في المئة

وعلى القادة الإيرانيين في هذا السياق أن يقيموا توازنا بين أمرين: عدم التراجع أمام الضغط الأميركي والالتفات إلى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشعب. وقال الرئيس حسن روحاني أمام البرلمان “نعلم جميعا أن الناس يعانون وهم تحت الضغط، ولكن لا نستطيع أن نقول لشعبنا إننا عاجزون عن فعل أي شيء بسبب الضغط الأميركي”.

وزعم الروحاني أن الأرقام المفزعة عن التضخم غير صحيحة، رغم أن البنك المركزي أقر بأن أسعار المواد الغذائية ازدادت بنسبة 46.5 في المئة منذ عام.

ورغم الصعوبات الاقتصادية، ليس هناك ما يوحي بأن الإيرانيين يرغبون في تغيير النظام. فقسم كبير من السكان لا يزال يؤيد الثورة الإسلامية بقوة ويعتقد مراقبون أنه تأييد يبدو إجباريا أمام إحكام النظام قبضته على السلطة واستخدامه القوة ضد المعارضين. لذلك بات عدد كبير من الإيرانيين يخشون من اندلاع أعمال عنف أو أن يصبحوا لعبة في أيدي القوى الأجنبية إذا بادروا إلى التظاهر، وخصوصا أنهم سبق أن تعرضوا للقمع على أيدي قوات الأمن.

وفي صفوف الشبان يسود قلق كبير من أن يتحولوا إلى “كبش فداء”. ويقول عرفان جالسا في مقهاه الجديد “أنا قلق على المستقبل. إن جيلنا يستفيق كل يوم من دون أن يعلم ماذا سيكون مصيره”.

7