كيف خرجت أفريقيا بأقل نسب وفيات من كوفيد

ساهم عامل السن والتخطيط المبكر والقدرة على التشخيص السريع للحالات في خروج القارة الأفريقية بأقل نسب وفيات من جائحة كورونا. وأشار خبراء الصحة إلى أن أداء أفريقيا خلال الجائحة كان أفضل من المتوقع بالمقارنة مع القارات الأخرى، ورغم ذلك لا يزال يتعين على القادة تعزيز بنية الرعاية الصحية التحتية للكشف عن تفشي المرض وإدارته الأفضل داخل المجتمعات.
لاغوس (نيجيريا) - عندما صُنِّف كوفيد – 19 جائحة عالمية في مارس 2020، انتشرت توقعات المجتمع الدولي المقلقة بخصوص أفريقيا: ستنهار الأنظمة الصحية في القارة التي تعاني من نقص الموارد وضعف التجهيز، وقد تشهد خسارة الملايين من الأرواح.
وحذّرت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، في أبريل 2020، من احتمال وفاة ما يصل إلى 3.3 مليون أفريقي كنتيجة مباشرة لكوفيد – 19.
وحددت منظمة الصحة العالمية أن عدد وفيات كوفيد – 19 المؤكدة في أفريقيا تجاوز 175500 بعد خمس سنوات، وهو ما يمثل 2.5 في المئة من إجمالي 7 ملايين عالميا.
وقال أويوالي توموري، الذي قاد اللجنة الاستشارية النيجيرية للاستجابة لكوفيد، “لم تستند التوقعات الأولية إلى تحليلات علمية أو أبحاث مفصّلة حول أفريقيا. أغفلنا كيفية تعامل العلماء الأفارقة مع الجمرة الخبيثة في كينيا، وإيبولا في نيجيريا، وماربورغ وجدري القردة في رواندا. فرغم المساعدة الدولية لمواجهة كوفيد، إلا أن خبرة هذه الدول كانت العامل المحدد في مواجهة هذه الأوبئة.”
وانتشرت بعض الشكوك حول دقة أرقام الإصابات والوفيات التي أبلغت عنها الدول الأفريقية.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن هذه البلدان أجرت فحوصات أقل مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة بسبب محدودية الموارد، كما أشار تقرير للبنك الدولي لسنة 2022 إلى أن كينيا قللت من عدد الوفيات المرتبطة بهذا الوباء.
الدول الأفريقية طبقت بعض أكثر عمليات الإغلاق صرامة في العالم واعتمدت على عنف الشرطة لإبقاء الناس في منازلهم
واعتبر الخبراء رغم هذا أن أداء أفريقيا كان أفضل من المتوقع، وبالمقارنة مع القارات الأخرى، حيث لم تشمل الاعتبارات التي بُنيت عليها التوقعات تجربة أفريقيا مع تفشي الأمراض السابقة، وتطبيق إجراءات إغلاق صارمة بسبب كوفيد، وكون غالبية سكانها من الشباب.
وقال توموري إن بحلول وقت ظهور كوفيد، كان أخصائيو الصحة الأفارقة قد اكتسبوا بالفعل مهارات في عمليات تفتيش الحدود، وتتبع المخالطين، وتطبيق التباعد الاجتماعي، وعزل المرضى، وإجراءات الدفن الآمنة.
صرّح موسوكا فلاح، رئيس مديرية العلوم والابتكار في المراكز الأفريقية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، بأن التخطيط المبكر والقدرة على التشخيص السريع للحالات يعدّان مفتاح التصدي للجائحة.
وكان المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد جمع بالفعل جميع وزراء الصحة في المنطقة لوضع خطة عمل قارية قبل الإبلاغ عن أول حالة في المنطقة في فبراير 2020.
قال فلاح إنهم اختاروا تدريب العلماء بإرسالهم إلى جنوب أفريقيا والسنغال بدلا من إرسال عينات الاختبار إلى الخارج، بعد اكتشاف وجود مختبرين فقط في أفريقيا قادرين على إجراء اختبارات الفايروس.
وأضاف “زعم الغرب أن أفريقيا تفتقر إلى القدرة التشخيصية، وأنه يجب إرسال العينات إلى أوروبا. لكننا رفضنا وقررنا بناء قدراتنا في الاختبار.”
متوسط أعمار الأوروبيين هو نحو 43 سنة بينما متوسط أعمار الأفارقة، على تنوعهم، هو 19 سنة
وذكر أن توقف الرحلات الجوية إلى أفريقيا صعّب الوصول إلى الإمدادات الطبية المصنعة في الخارج، فتعاونت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أفريقيا مع الخطوط الجوية الإثيوبية وبرنامج الغذاء العالمي لتوزيع مجموعات الاختبار ومعدات الوقاية في جميع أنحاء القارة.
كما حشدوا دعم منظمة الصحة العالمية، ومؤسسات خيرية مثل مؤسسة جاك ما، ومجموعة من قادة الأعمال الأفارقة للحصول على اللقاحات ومعدات الوقاية الشخصية النادرة.
وأشار فلاح إلى أن غانا بدأت بإنتاج معدات الوقاية الشخصية الخاصة بها لمعالجة النقص الحاد في مرافق الرعاية الصحية.
وقال فلاح “كان نظر الأفارقة في أنفسهم والاستجابة الحكومية المنسقة ما قلب التوقعات القاتمة بتناثر الجثث في الشوارع إلى درجة تمنعنا عن دفنها.”
قال موسى أوريندا، الذي قاد المبادرات الصحية لخدمات الإغاثة الكاثوليكية في كينيا خلال جائحة كوفيد – 19، إن عوامل أخرى لعبت دورا أيضا.
وأضاف “فرضت العديد من الدول الأفريقية قيودا أكثر صرامة من الدول الغربية. كما أن غالبية سكاننا يبقون من الشباب، ونحظى بتواصل مجتمعي قوي.”
طبقت الدول الأفريقية بعض أكثر عمليات الإغلاق صرامة في العالم. واعتمدت في بعض الأحيان، بشكل مثير للجدل، على عنف الشرطة لإبقاء الناس في منازلهم.
نُشرت قوات الأمن في كينيا، حيث تجذب الجنازات عادة المئات من الحضور، لضمان قصر التجمعات على ما لا يزيد عن 15 شخصا، وسرعة إتمام مراسم الدفن.
ونظّم أفراد إنفاذ القانون والجيش دوريات في الشوارع والمنازل في جنوب أفريقيا للحد من التجمعات الاجتماعية، واستهلاك الكحول، وحتى بيع السجائر. وتعرض المخالفون لخطر السجن.
كما سلط أوريندا الضوء على انتشار الوعي بالفايروس على نطاق واسع، حتى في المناطق الريفية، حيث أبلغ السكان عن حالات مشتبه بها لمسؤولي الصحة المحليين.

وأشار إلى أن فعالية المراقبة في المطارات الدولية لا تغني عن الحاجة إلى المزيد من الاستثمار على المستويات الإقليمية لتتبع الحالات المحتملة ومتابعتها.
كما أكد أخصائيو الصحة أن حوالي 70 في المئة من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هم أشخاص تقل أعمارهم عن 30 عاما، مما يجعلهم أقل عرضة للإصابة بالفايروس.
قال توموري، وهو أيضا باحث رئيسي في دراسات الأجسام المضادة لكوفيد في نيجيريا، إن بحثه أظهر أن عدد المصابين لم يكن كبيرا رغم انتشار الفايروس.
وأرجع ذلك إلى الاستجابات المناعية الأقوى لدى الأفراد الأصغر سنا مقارنة بالمسنين.
وأشارت دراسة نُشرت في المكتبة الوطنية للطب إلى أن الأعراض لم تتجل في حوالي ثلثي سكان أفريقيا، حيث كشفت الأبحاث عن مستويات مناعة عالية مع انخفاض أعداد الحالات الرسمية.
ويشير الخبراء إلى أن أحد أهم عوامل الخطورة بالنسبة لكوفيد – 19 هو السن، في إيطاليا مثلا حينما بدأ الوباء في قتل نحو ألف شخص يوميا كان أحد الأسباب المطروحة أن معدلات الأعمار فوق 65 سنة في إيطاليا هي تقريبا الأعلى في أوروبا، نحو 22.5 في المئة من سكانها، في المقابل من ذلك فإن تلك النسبة بالنسبة لدول أفريقيا جنوب الصحراء هي فقط نحو 3 في المئة.
كما أن متوسط أعمار الأوروبيين هو نحو 43 سنة بينما متوسط أعمار الأفارقة، على تنوعهم، هو 19 سنة، لا بد أن هذا الفارق الهائل كان ذا علاقة بأعداد الحالات الخطرة في القارة. وبجانب العمر، فإن هناك اقتراحا يمد الخطوط على استقامتها بالنسبة لعوامل الخطورة، فبعض الدول الأفريقية لا تعاني من أمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكّري بنسب كتلك التي توجد في الولايات المتحدة أو أوروبا، وكانت هناك بعض الإشارات بالفعل إلى أن أكثر المدن تضررا في جنوب أفريقيا، الدولة صاحبة أكبر عدد إصابات ووفيات في القارة، هي أكثر المدن التي توجد بها هذه الأمراض.
وفي حين تجنبت أفريقيا أسوأ نتائج كوفيد، أكد فلاح أنه لا يزال يتعين على القادة تعزيز بنية الرعاية الصحية التحتية (خاصة في المناطق الريفية) للكشف عن تفشي المرض وإدارته الأفضل داخل المجتمعات. وقال إن هذا يساعد في منع تفشي المرض محليا وتحوله إلى وباء.
وقال “يجب أن نكون قادرين على تطوير مراكز رعاية صحية أولية أقوى وأسهل وصولا ومجهزة بالأدوية والمياه وأدوات التشخيص، حتى يتمكن سكاننا من تلقي الرعاية في قراهم دون زيادة العبء على مستشفيات المدن.”