كيف أثّر تراجع التنوع البيولوجي على كل ركن في حياتنا

اختلال التوازن الإيكولوجي يهدد رفاهية الإنسان وسلامته الجسدية والنفسية.
الجمعة 2025/01/17
أنانية البشر تدمره رويدا رويدا

يسوء حال التنوع البيولوجي العالمي بسبب عوامل تشمل الصيد الجائر وتدمير النظام البيئي وتغير المناخ الناتج عن الانبعاثات البشرية، ما ستكون له تداعيات سلبية على سلة الغذاء والأدوية والخدمات وحتى رفاهية الإنسان وسلامته الجسدية والنفسية.

ريو دي جانيرو (البرازيل) - يقلل تراجع التنوع البيولوجي إنتاجية النظم الإيكولوجية كثيرا، ويقلل بالتالي سلة الطبيعة من السلع والخدمات التي نستخدمها دائما. كما أنه يزعزع استقرار النظم الإيكولوجية، ويضعف قدرتها على التعامل مع الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير، فضلا عن تلك التي يتسبب فيها الإنسان مثل التلوث وتغير المناخ.

ويُعرف التنوع البيولوجي بالتباين البيولوجي أو تنوع الحياة، وهو مصطلح يدل على تنوع أنواع الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض من حيوان ونبات وحشرات وغيرها، وتنوع الموائل البيئية التي تعيش فيها الكائنات الحية، كما يُشير إلى تنوع التطورات الديناميكية التي تحدث في الأنظمة البيئية، إضافةً إلى تنوع الجينات في الكائنات الحية.

وبالتالي فإنّ فقدان التنوع البيولوجي هو مصطلح يدل على فقدان أو انخفاض في عدد الكائنات الحية، أو الأنظمة البيئية، أو موائل معينة أو مجتمعات بيولوجية داخل الأنظمة البيئية، ولذلك يُمكن أن يحدث فقدان التنوع البيولوجي من أصغر نظام بيئي إلى أكبر محيط حيوي في العالم. ويتكون المجتمع البيولوجي من مجموعة من الكائنات الحية المتنوعة التي تعيش داخل منطقة مشتركة، وحدوث فقدان بيولوجي داخل المجتمع البيولوجي يدل على انخفاض في عدد الكائنات الحية، أو انخفاض في تنوع الجينات.

ويقول الكاتب أندريه كابيت فابيو في تقرير نشرته مؤسسة “تومسون رويترز” إن رفاهية الإنسان ترتبط بتنوع كوكبنا البيولوجي، حيث تمزج الحيتان الضخمة مياه المحيطات وتجعلها أكثر قدرة على الحفاظ على الحياة، وتساهم حيوانات التابيريات في توسيع غابات الأمازون التي تؤثر على هطول الأمطار في أميركا الجنوبية.

وكان الصيد البري والبحري أساسيين في الثقافات عبر التاريخ البشري. ولا يزالان مصدرين رئيسيين للغذاء وفرص العمل. وقال تقرير الصندوق العالمي للطبيعة إن اللحوم تمثل حوالي 80 في المئة من البروتين الحيواني الذي يستهلكه السكان في بعض المناطق الريفية في غرب أفريقيا ووسطها. وهي بذلك مهمة للاقتصاد المحلي إضافة إلى الأمن الغذائي.

♦ التنوع يشكّل أساس صحة النظم البيئية وقدرتها على تزويد البشرية بالغذاء والمياه العذبة وتحسين الصحة النفسية

كما حددت دراسة نشرتها مجلة “وايرز واتر” في 2023 أن الإنسان يستهلك حوالي 2500 نوع من أسماك المياه العذبة. وذكر تقرير أصدرته مجلة “فيش أند فيشيريز” في 2011 أن صيد الأسماك يوفر أكثر من 200 مليون وظيفة بدوام كامل على مستوى العالم. لكن تراجع التنوع البيولوجي قوّض قطاع الصيد وقلّص كميات الغذاء.

ونشرت مجلة “آي سي إي إس” للعلوم البحرية في 2021 دراسة أجراها عدد من الباحثين في كندا وألمانيا حددت أن صيد سمك البكالا (القُدّ) في شرق كندا بلغ ذروته في1968. وسجّل حينها 810 آلاف طن قبل أن ينخفض حتى يصل إلى10559 طنا في2019 بعد تراجع الثروة البحرية.

ولا يمكن استبعاد معضلة التنوع البيولوجي في هندسة النظام البيئي وتنظيمه، أي العملية التي تشكل بها الكائنات الحية الموائل. ويخلّف انقراض كائن حي واحد تأثيرات متتالية تهدد كل النظم البيئية المترابطة والمتشابكة. وذكر تقييم بحث نشرته مجلة “نيتشر إيكولوجي أند إيفولوشن” في 2024 مثلا أن الحيوانات العاشبة البرية ذات الحوافر تغير طبيعة الأرض والتربة العارية في النظم البيئية العشبية. ويؤثر هذا على المساحات التي تعبرها ويعزز التنوع البيولوجي فيها.

وكانت مجلة “ساينس” قد نشرت تقريرا في 2014 أبرزت فيه أن الحيوانات اللاحمة تساهم في إبقاء أعداد تلك العاشبة تحت السيطرة. وهي تحد بذلك من خطر تآكل التربة الناتج عن الرعي الجائر. وتمزج حيتان العنبر الماء في المحيطات، وتنقل العناصر الغذائية عبر طبقات المحيط بأجسامها الكبيرة، فتغذي النظم البيئية وتوفر أسماكا للصيادين.

لكن التقديرات تشير إلى تراجع أعداد الحيتان الكبيرة بين 66 و90 في المئة منذ انطلاق صيد الحيتان التجاري قبل ألف سنة. وقلّت لذلك مساهمتها المهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي عبر المحيطات. ويشكّل التنوع البيولوجي أساس صحة النظم البيئية وقدرتها على تزويد البشرية بخدمات النظام البيئي كالغذاء وتلقيح المحاصيل وحماية التربة والتبريد والمياه العذبة، إضافة إلى تحسين الصحة النفسية.

وذكرت الأبحاث التي نشرتها مجلة “بروسيدنجز أوف ذا رويال سوسيتي بي” التابعة للجمعية الملكية البريطانية خلال 2020 أن خمسة من أصل سبعة محاصيل شملتها الدراسات في الولايات المتحدة تفتقر بالفعل الملقحات الأساسية (مثل النحل) حتى تثمر. ويعني هذا أن وفرة الإنتاج تعتمد على تنوع الحشرات البيولوجي.

وخلص باحثون برازيليون في ورقة بحثية نشرتها مجلة “بيوتروبيكافي” في 2019 عن الأمازون أن التابيريات تنشر البذور عبر مساحات شاسعة مما يسرّع انتعاش الغابات المتضررة. وتشكل مياه الأمازون غيوما ترش الأمطار عبر أميركا الجنوبية، وتوفر مياه الشرب وتدعم الزراعة والتبريد وتعزز الحماية من حرائق الغابات.

وأكدت الأرقام التي أصدرتها الأمم المتحدة في 2024 أن تدمير المناطق الطبيعية وتغير المناخ العالمي كانا من أسباب جفاف 4.3 مليون كيلومتر مربع من الأراضي (مساحة أكبر من الهند) بين 1990 و2020. ويصبح العالم الذي يعاني الجفاف أكثر عرضة للظواهر المناخية الحادة مثل حرائق الغابات التي ضربت أميركا الجنوبية في2024 وتنتشر الآن في كاليفورنيا.

وأكد تقييم لأكثر من 2900 دراسة في 2024 أن تدهور التنوع البيولوجي يمس البشر الذين يكافحون الأمراض المعدية. وذكرت أبحاث نُشرت في 2011 ضمن مبادرة اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي أن خسارة أنواع الثدييات الصغيرة تساهم في انتشار أمراض مثل فايروس هانتا. كما تتناقل القوارض الأمراض وتزيد من خطر انتقالها إلى البشر.

وقد يسبب فايروس هانتا مشاكل صحية خطيرة مثل صعوبة التنفس والفشل الكلوي. كما يرتبط التنوع البيولوجي أيضا بالصحة النفسية ويزيد الفوائد الثقافية. وأخبر الأشخاص الذين استمعوا لأصوات الطيور باحثين بريطانيين في ورقة بحثية نُشرت خلال 2013 أنهم شعروا بالراحة وأن أحاسيس التوتر والتعب خفّت.

وكانت الطبيعة والحيوانات البرية مصدر إلهام للإنسان. وتجلت في الأعمال الفنية والموسيقى. لكن البشرية تخسر هذا الرابط بمرور الوقت. وخلصت دراسة نشرتها مجلة “فيلوزوفيك الترانساكشن أوف ذا رويال سوسيتي بي” سنة 2018 إلى أن العديد من البشر يعانون مما يسمى بـ”انقراض التجربة”، حيث يقلل تدمير الموائل والعيش في المناطق الحضرية التفاعلات مع الحياة البرية.

تُعد الأنشطة البشرية من أكبر الأسباب المؤدية إلى حدوث فقدان التنوع البيولوجي، وذلك بسبب الاستهلاك الصناعي الكبير والذي يؤثر بشكل كبير على الأنظمة الطبيعية، ومن أهم الطرق والتغييرات التي تُساهم في حماية التنوع البيولوجي: الحد من قطع الأشجار وإزالة الغابات، والحفاظ على البيئات الطبيعية، والتقليل من تصنيع البيئات الطبيعية الصناعية. والحد من استخدام وسائل النقل والحد من استهلاك الطاقة واستخدام الوسائل البديلة الصديقة للبيئة وذلك للحد من تلوث الهواء. والحد من الاحتباس الحراري ونشر الوعي من خلال نشر الأنشطة التي تُساعد في حدوث الاحتباس الحراري. واستخدام الطرق الزراعية الإيكولوجية بزراعة أصناف متنوعة، والحد من استخدام طرق الزراعة الصناعية.

7