كيسنجر رجل الدبلوماسية الأميركية الأعلى كعبا والأكثر جدلا

واشنطن - توفي وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الأربعاء، عن عمر يناهز مئة عام تاركا إرثا دبلوماسيا جدليا، حيث يصفه مؤيدوه كما منتقدوه برجل الدبلوماسية الأعلى كعبا والأكثر جدلا.
وفرض كيسنجر نفسه صورة للدبلوماسية العالمية عندما عينه الجمهوري ريتشادر نيسكون مستشارا للأمن القومي في العام 1969 ومن ثم وزيرا للخارجية وقد احتفظ بالمنصبين معا من 1973 إلى 1975 وطبع لعقود الدبلوماسية الأميركية، حتى بعدما ترك منصبه كوزير للخارجية.
وفي مؤشر على الهالة والنفوذ اللذين يتمتع بهما، كان الرجل قصير القامة وذو الصوت الخشن واللكنة الألمانية القوية، على الرغم من تقدمه في السن، حتى وقت قريب يُستشار من قبل الطبقة السياسية بأكملها ويتم استقباله من رؤساء دول ويلقي محاضرات في المؤتمرات في جميع أنحاء العالم.
لم يترك أحد تأثيرا كبيرا على السياسة الأميركية في النصف الثاني من القرن العشرين مثل المفاوض البارع الذي كان حساسا بقدر ما كان سلطويا
ولم يترك أحد تأثيرا كبيرا أو بصمته على السياسة الخارجية الأميركية في النصف الثاني من القرن العشرين مثل المفاوض البارع الذي كان حساسا بقدر ما كان سلطويا.
ويعد كيسنجر صاحب نظرية “الواقعية السياسية” الأميركية و”الصقر” الحقيقي، واحدًا من الشخصيات المعقدة التي تجذب الإعجاب أو الكراهية.
وكان للنازية تأثير عميق على الشاب اليهودي الألماني هنري هاينز كيسنجر المولود في 27 مايو 1923 في فورث في مقاطعة بافاريا، فقد اضطر للجوء إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة مع أبيه المعلم وبقية عائلته. وحصل على الجنسية الأميركية في سن العشرين، وانضم إلى وحدة مكافحة التجسس العسكرية في الجيش الأميركي الذي سافر معه إلى أوروبا كمترجم باللغة الألمانية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، عاد لاستئناف دراسته، فالتحق بجامعة هارفارد حيث حصل على شهادة في العلاقات الدولية قبل أن يقوم بالتدريس هناك ويصبح أحد مدراء الجامعة العريقة، وبدأ الرئيسان الديمقراطيان جون كينيدي وليندون جونسون في استشارة الأستاذ اللامع والطموح.
وفي ذلك الوقت، أطلق نظرية “الواقعية السياسية” الأميركية، فباشر مرحلة انفراج مع الاتحاد السوفياتي وإذابة الجليد في العلاقات مع الصين في عهد ماو تسي تونغ خلال رحلات سرية لتنظيم زيارة نيكسون التاريخية إلى بكين في العام 1972.
وكذلك، قاد في سرية تامة أيضا وبالتوازي مع قصف الجيش الأميركي لهانوي، المفاوضات مع لي دوك ثو لإنهاء حرب فيتنام.
وحاز في 1973 جائزة نوبل للسلام مناصفة مع لي دوك ثو بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن الفيتنامي رفض الجائزة التي اعتبرت الأكثر إثارة للجدل في تاريخ نوبل.
وعلى العكس من ذلك، طالب منتقدو كيسنجر لفترة طويلة بمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ونددوا بالجانب القاتم والأكثر إثارة للجدل والأقل انفتاحاً في سياسته الخارجية، وعلى وجه الخصوص ضلوعه في القصف المكثف على كمبوديا أو دعمه للرئيس الإندونيسي سوهارتو الذي أدى غزوه لتيمور الشرقية إلى مقتل 200 ألف شخص في عام 1975.
ولكن أيضا الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية في أميركا اللاتينية، وغالبا ما كان ذلك تحت قيادته المباشرة، ما شوّه صورته، بدءاً بالانقلاب الذي وقع في تشيلي العام 1973 وأوصل أوغستو بينوشي إلى السلطة بعد وفاة سلفادور أليندي. فعلى مر السنين، كشفت الوثائق الأرشيفية معالم ومدى اتساع “خطة كوندور” للقضاء على معارضي الدكتاتوريات في أميركا الجنوبية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
ورغم الحلقات القاتمة، حافظ مؤلف كتاب “النظام العالمي” عام 2014 على قدرته على التأثير.
وفي يناير 2023 دعا إلى مواصلة الدعم لأوكرانيا التي يجب، على ما كان يقول، أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).