كوكبة أقمار اصطناعية توفر الإنترنت للعالم وتحجب السماء

إيلون ماسك مؤسّس "سبايس إكس" يطمئن علماء الفضاء والفلك من التلوث الضوئي.
الأربعاء 2020/03/11
نجوم أم أقمار صناعية

التطور العلمي والتكنولوجي يسهل الحياة، فالإنترنت جعلت من العالم قرية صغيرة، والأقمار الاصطناعية ساهمت في اكتشاف الفضاء وسهلت علوم المناخ، لكن زحمتها في مدار الأرض جعلت منها خطرا بسبب حجبها للسماء بالنسبة للفلكيين، كما أن نفاياتها التي تتراكم كل يوم في الفضاء تهدد كوكبنا والبشر الذين يعيشون عليه.

واشنطن - طمأن إيلون ماسك، الاثنين، علماء الفضاء من كوكبة أقمار “ستارلينك” العملاقة التي يقول بعض الباحثين، إنها قد تؤدّي إلى إعاقة الرؤية والمراقبة في السماء، إضافة إلى ما يمكن أن تحدثه من التصادم بينها وبين النفايات الفضائية، وأشار مؤسّس “سبايس إكس” إلى أنه لن يكون لها “أي أثر على الاكتشافات الفضائية”.

و”ستارلينك” هو مشروع الأقمار الاصطناعية الذي يقوده الملياردير إيلون ماسك، حيث يعتزم وضع 12 ألف قمر اصطناعي صغير في مدار حول الأرض، من أجل توفير خدمة “واي فاي” رخيصة للعالم بأسره.

وقد أثار إطلاق 60 قمرا اصطناعيا لستارلينك في مايو الماضي الذعر بين علماء الفضاء، خصوصا بعد تشكيله شبكة من 60 نقطة مضيئة سبّبت تلوّثا بصريا أعاق رؤية السماء من التلسكوبات الفلكية.

وتزداد المخاوف من اعتزام  بعض الشركات إطلاق أنواع جديدة من المركبات الفضائية إلى المدار حول الأرض لأغراض جمالية، مثل شركة “ستارت روكيت” الروسية التي أعلنت عن اعتزامها إطلاق ما يصل إلى 300 قمر اصطناعي صغير لها أشرعة عاكسة إلى المدار المنخفض حول الأرض.

وستصطف هذه الأقمار الاصطناعية لتجسد شعارات بعض الشركات، وعندما تنعكس أشعة الشمس على هذه الأقمار ستبدو كما لو كانت نجوما وسط كوكبة سماوية. وهذا يعني أننا سنرى كوكبات العلامات التجارية لنحو ست دقائق كل ليلة كلما نظرنا إلى السماء.

وأعلنت أيضا شركة “معهد بحوث تشنغدو لنظام تكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة والعلوم الفضائية” الصينية، عن خططها الطموحة لإطلاق “قمر زائف” بحلول عام 2020.

وذكر رئيس مجلس إدارة الشركة أن هذا القمر سيعكس ضوء الشمس ليضيء مساحة تتراوح ما بين ستة أميال و50 ميلا، مؤكدا، أن هذا القمر الزائف سيكون أكثر سطوعا من القمر الحقيقي بثمانية أمثال.

حوادث الاصطدام

أضواء ساطعة
أضواء ساطعة

زحمة الأقمار الاصطناعية زادت من مخاوف الحوادث حول مدار الأرض ما جعل وكالة الفضاء الأوروبية “أي.أس.أي” تعلن في وقت سابق تجنب الاصطدام بأحد الأقمار الاصطناعية التابعة لمشروع  ستارلينك، كما بدأت تشعر بالقلق بشأن زيادة النفايات الفضائية.

وكتبت وكالة “أي.أس.أي” على موقع تويتر، “لأول مرة على الإطلاق، قامت وكالة الفضاء الدولية بـ’مناورة لتجنب الاصطدام’، لحماية أحد أقمارها الاصطناعية من الاصطدام بكوكبة ضخمة من الأقمار الاصطناعية”.

وقد سبق لسبايس إكس، أن ذكرت أن أقمارها قد برمجت لتجنب الحطام الفضائي تلقائيا.

وحددت وكالة الفضاء الأوروبية، القمر الاصطناعي المعني بأنه “ستارلينك 44” الذي يقع في مدار أقل بكثير من معظم الأقمار الاصطناعية الـ60 الأخرى، التي أرسلتها سبايس إكس في مايو الماضي.

ستارلينك مشروع يعتزم وضع 12 ألف قمر اطصناعي صغير في مدار حول الأرض لتوفير خدمة "واي فاي" رخيصة للعالم بأسره

وأوضحت الوكالة الأوروبية في عدة تغريدات، كيف كان عليها أن تُخرج قمرها الاصطناعي “أيولوس” لرصد الأرض من مدار القمر “ستارلينك 44”. وجاء في إحدى التغريدات، “قام خبراؤنا بحساب خطر الاصطدام بين هذين القمرين الاصطناعيين النشطين (أيولوس وستارلينك 44)، وتحديد الخيار الأكثر أماناً بالنسبة للقمر أيولوس، حيث وجدنا الحل الأمثل زيادة ارتفاعه والمرور عبر أقمار  ستار لينك”.

وحذرت وكالة الفضاء أيضا من أنه مع أخذ الكمية الضخمة من أقمار ستارلينك المقترحة مكانها في مدار الأرض، “ستصبح عملية تجنب الاصطدام عملية صعبة كما حدث مع أيولوس اليوم مستحيلة”.

وتوجد في الفضاء سحابة كبيرة من النفايات في مدار الأرض بسبب انتشار الأقمار العاطلة والأجزاء المفتتة للصواريخ. ووفقا لوكالة ناسا، هناك الملايين من الأجسام التي تتسبب بهذه المشكلة المدارية، حيث يمكن أن تتحرك الشظايا إلى ما يقرب من 19 ألف كلم في الساعة، أي حوالي سبعة أضعاف سرعة الرصاصة.

ويعمل مهندسو الفضاء لتطوير التقنيات والأنظمة التي يمكن أن تمنع الأعطال من أجل حماية الأقمار الاصطناعية العاملة، والبعثات الفضائية المستقبلية، والأشخاص والممتلكات على الأرض.

وفي تعليقه على الأمر قال ديفيد بالمر، وهو عالم فضاء في لوس ألاموس، إن حوالي 5 آلاف قمر اصطناعي تحمل حمولات في مدار حول كوكبنا، لكن حوالي ألفين فقط تعتبر نشطة وتتواصل مع الأرض.

حجب الرؤية

مشروع آلاف الأقمار
مشروع آلاف الأقمار

في ظل تزايد اعتمادنا على التكنولوجيا الفضائية، أصبحت السماء مكتظة بالأقمار الاصطناعية التي يطلق المئات منها سنويا، وباتت هذه الأقمار مصدر إزعاج لعلماء الفلك الذين يسبرون أغوار الكون.

قالت هنّا باينارد، عالمة فلك بالمرصد الملكي في غرينيتش بلندن، إن تأثير هذه الأقمار الاصطناعية يعادل تأثير التلوث الضوئي في المدن الذي يمنعنا من رؤية النجوم الأكثر خفوتا.

ويخشى هؤلاء أن تفسد هذه الأنوار البراقة ليلا عمليات المراقبة، من خلال التلسكوبات، مع أن أنوار كوكبة “ستارلينك” يبدو أنها آخذة بالضمور مع ارتفاع الأقمار الاصطناعية تدريجيا.

وأوضح جوناثان ماكدويل من مركز علم الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد “وجود 12 ألفا من هذه الأقمار في السماء، يعني أن المئات منها ستكون فوق خط الأفق في كل لحظة”.

وتحتاج التلسكوبات معظم الأحيان إلى فترة تركيز طويلة قد تصل إلى 15 دقيقة على سبيل المثال. وفي حال مرور العشرات لا بل المئات من الأقمار الاصطناعية في حقل التلسكوب، خلال هذه الفترة “ستكون الصورة مشوبة بخيوط مضيئة بحيث يصعب رؤية المجرات غير المرئية جدا التي نسعى إلى مراقبتها”.

وتزن أقمار “ستارلينك” الاصطناعية حوالي 227 كيلوغراما، وكانت تصدر نورا براقا بعيد إطلاقها على ارتفاع 440 كيلومترا تقريبا، وهي مسطحة ومجهزة بلوح شمسي كبير عاكس للنور. واللمعان رهن بزاوية الألواح والمدار كذلك.

وكان عالم الفلك الهولندي ماركو لانغبروك توقع حصول هذا المسار، ونجح، الجمعة الماضي، في تصوير “القطار” المستقيم للأقمار الاصطناعية المصطفة مثل جيش من الفضاء الخارجي. ومنذ ذلك الحين، يحاول علماء فلك مساء كل يوم مراقبة هذا الصف الطويل الذي يحتاج إلى أكثر من عشر دقائق، لعبور سماء باريس على سبيل المثال.

حماية السماء

Thumbnail

يقول جوناثان ماكدويل، إن الأقمار الاصطناعية ترتقي تدريجيا إلى مدارها النهائي على ارتفاع 550 كيلومترا، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع بريقها إلى النصف مبدئيا.

وأضاف عالم الفيزياء الفلكية، “لقد قلقنا كثيرا من البريق في الأيام الأولى، لكن اليوم نرى أنه لم يعد بالبريق ذاته، سيتضح الأمر في الفترة المقبلة بحسب المدار النهائي”.

في المقابل أعرب بيل كيل عالم الفلك في جامعة ألاباما عن قلقه أيضا، قائلا، “إنه إذا كانت الكوكبات الكبيرة المقبلة براقة مثل الأيام الأولى لإطلاق أقمار ستارلينك، ففي أقل من 20 عاما سيرى الناس عددا أكبر من الأقمار الاصطناعية مثل النجوم بالعين المجردة خلال جزء كبير من الليل”.

ورد إيلون ماسك عبر “تويتر” بمزيج من التعالي والاستخفاف، “لن يرى ستارلينك إلا الذين ينظرون بدقة كبيرة، وسيكون تأثيرها شبه معدوم على تطور الفلك”.

وشدد على “أن توفير الإنترنت لمليارات الأشخاص المعوزين أهم بكثير”، لكنه قال إنه طلب من فرقه خفض وضاءة الأقمار المقبلة (وهي قدرة سطح الأقمار على عكس الضوء).

وقال بيل كيل ساخرا، “هذا أمر جيد، لكن ألم يتوقف أحدهم لدقيقة ويفكر في الأمر من قبل؟”.

يضاف إلى ذلك، أن هذا الأمر سيؤثر على علماء الفلك المتخصصين في الموجات الراديوية الذين يستمعون إلى موجات خاصة بدلا من استخدام تلسكوبات بصرية، فكل قمر اصطناعي يبث على موجات مكرسة له، فيما لعلماء الفلك موجاتهم الخاصة، إلا أن الأقمار الاصطناعية تخرج أحيانا عن موجاتها على ما أفاد كيل.

وفي مدار الأرض راهنا 20 ألف جسم يزيد طوله على 10 سنتيمترات وغالبيتها مخلفات فضائية وأقمار اصطناعية وصواريخ متهالكة، وثمة حوالي 2100 قمر اصطناعي في الخدمة على ما تفيد جمعية “ساتلايت إنداستري اسوسييشن”.

ورأى بيل كيل، أن هذه الأوساط لا يمكنها أن تزيد عدد الأقمار الاصطناعية في المدار عشر مرات أو أكثر دون التفكير في التلوث المحتمل. وأكد عالم الفلك، “المسألة لا تتعلق بحماية مصالحنا المهنية، بل بحماية السماء ليلا من أجل البشرية”. وأمام إيلون ماسك مهلة، إذ يتضمن برنامج ستارلينك 12 عملية إطلاق.

إيلون ماسك يدافع

قال مؤسّس “سبايس إكس” خلال مؤتمر صحافي الاثنين في واشنطن، “أنا مقتنع بأننا لن نتسبّب بأي ضرر على الاكتشافات الفلكية. هذا ما أتوقّعه، وسنتخذ التدابير التصحيحية حتى ولو كان هناك تأثير طفيف”.

وأضاف، أنه لم يتمّ ملاحظة المشكلة إلّا عندما كانت الأقمار ترتفع في طريقها إلى المدار، واندثرت مع بلوغ الأقمار موقعها النهائي. وعلى الرغم من ذلك، قال ماسك إن شركته تعمل مع المجتمع العلمي من أجل تقليص لمعان الأقمار من خلال طلاء بعض الأجزاء بالأسود بدلاً من الأبيض. إلى ذلك، من المتوقّع وضع الكوكبة في خدمة شمال الولايات المتحدة وكندا خلال هذا العام، على أن تشمل التغطية كلّ العالم في العام 2021.

ولم يعطِ إيلون ماسك تفاصيل كثيرة عن السعر المستقبلي لهذه الخدمة، لكنها ستكون بسرعة كافية لمشاهدة الأفلام بدقة عالية وتشغيل ألعاب الفيديو من دون وجود أوقات انتظار.

وتستهدف الخدمة السوق المتخصّصة للمستخدمين الذين يعيشون في المناطق المعزولة، وهو ما لن يشكل تهديداً لشركات الاتصالات التقليدية وفقا لإيلون ماسك.

ويأمل ماسك في أن يحقّق أرباحا تتراوح بين 3 في المئة و5 في المئة في سوق الإنترنت، وهي حصّة تقدّر بنحو 30 مليار دولار في العام.

20