كورونا يوصد أبواب الكنائس في الجمعة العظيمة

شارك المسيحيون في احتفالات القداس هذا العام من وراء جدران منازلهم بسبب الحجر الصحي وحظر التجول في إطار الإجراءات الاحترازية المشددة بمختلف أنحاء العالم للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد، وهو ما أوصد أبواب الكنائس وفتح نوافذ رقمية لمتابعة الطقوس والمراسم التي أحياها عدد قليل من رجال الدين عبر المنصات الاجتماعية.
لندن - على غير العادة، وجد المسيحيون في مختلف أنحاء العالم أنفسهم يحتفلون بذكرى الجمعة العظيمة افتراضيا بعيدا عن كنائسهم وما تعودوا عليه من طقوس ودون قدّاس. قرعت أجراس الكنائس، علت أصواتها لكن ساحاتها كانت فارغة، بسبب إجراءات العزل لمواجهة انتشار فايروس كورونا المستجد.
وللمرة الأولى منذ نحو مئة عام، لم تستقبل كنيسة القيامة التي أغلقت أبوابها بسبب كورونا، الحجاج المسيحيين المحتفلين بعيد الفصح في الأراضي المقدسة حيث حاولت العائلات التعايش مع الأمر والاحتفال في منازلها وفق الإمكانيات.
ووفقا المعتقدات المسيحية، الجمعة العظيمة هي الجمعة التي تسبق عيد الفصح ويعتقد أنها اليوم الذي صُلب فيه السيد المسيح. وتحتفل الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي من الكاثوليك والبروتستانت بعيد الفصح أو عيد القيامة الأحد المقبل، بينما يحتفل المسيحيون الأرثوذكس بالعيد في 19 من الشهر الجاري.
وأغلقت السلطات الأماكن الدينية أمام الزوار، ومن بينها كنيسة القيامة التي يعتقد المسيحيون أن يسوع المسيح دفن فيها بعد أن صلبه الرومان في العام 30 أو 33 ميلادي، وهم يتوافدون عليها بعشرات الآلاف خلال العيد.
ويؤكد المؤرخ الفلسطيني جوني منصور، أن هذه هي المرة الأولى التي تغلق فيها كنيسة القيامة خلال عيد الفصح في السنوات المئة الأخيرة.
وفي الجمعة العظيمة، مشى أربعة أشخاص فقط على خطى المسيح في درب الآلام، وهو الطريق الذي يعتقد أنه سار فيه حاملا الصليب قبل أن يعدمه الرومان. وعلت أصواتهم بالتراتيل الدينية.
وحضر ستة من رجال الدين فقط القداس الذي ترأسه المدبر الرسولي المطران بييرباتيستا بيتسابالا، داخل الكنيسة، مقابل نحو 1500 شخص حضروه العام الماضي، وفقا لأمين سر البطريركية الأب إبراهيم شوملي.
وقال المطران بيتسابالا أثناء وقوفه أمام كنيسة القيامة في القدس “نحتفل بالجمعة العظيمة، ذكرى موت المسيح في ظل ظروف مختلفة تماما”.
وفي الأوقات العادية، يتتبع عشرات الآلاف من الحجاج من جميع أنحاء العالم خطوات المسيح في الأسبوع المقدس المؤدي إلى عيد الفصح. ولكن تم إيقاف الرحلات الجوية وإغلاق المواقع الدينية في الأراضي المقدسة هذه المرة، حيث تحاول السلطات منع انتشار الفايروس. ويقتصر الاحتفال هذا العام على عدد من رجال الدين أمام الكنائس.
ومنذ 5 مارس الماضي، ودور العبادة الإسلامية والمسيحية مغلقة في فلسطين، بعد الكشف عن أولى الإصابات بكورونا، في مدينة بيت لحم (جنوب).
وتعد منطقة بيت لحم بؤرة الوباء الأولى في فلسطين، نظرا لضمها أهم موقع ديني مسيحي يتردد عليه المسيحيون من حول العالم، كنيسة المهد التي شيدت على المغارة التي ولد فيها السيد المسيح.
وبدت شوارع بيت لحم خالية، ومحالها التجارية مغلقة، بعكس ما اعتادته من كثافة أعداد السياح والحجاج في مثل هذا الوقت من كل عام.
وقال أنطوان سليمان، رئيس بلدية بيت لحم، إن “مسيحيي فلسطين يحتفلون بالعيد من منازلهم، عبر إقامة الصلوات والتراتيل الدينية”. وأوضح أن “هذه المرة الأولى التي تغلق فيها الكنائس في الأعياد أمام الناس، من ضمنها كنيسة المهد”.
ومن أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والألواح الذكية بعدما تسبب انتشار كورونا في إلغاء القداديس في قسم كبير من العالم، يحتفل الكاثوليك والبروتستانت في نهاية الأسبوع بعيد الفصح، أهم الأعياد المسيحية.
وستبث كنيسة القيامة القداس لرعاياها عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، كما فعلت الأحد الماضي خلال قداس أحد الشعانين الذي بث باللغة العربية وحضره أكثر من 60 ألف شخص حول العالم معظمهم من منطقة الشرق الأوسط، بحسب شوملي.
وأوضح شوملي “حاولنا التكيف مع الوضع وتنظيم احتفالات مركزية نبثها عبر الشاشات ونخلق جوا إيجابيا داخل المنازل”. الأحد الماضي، فرغت أزقة البلدة القديمة في القدس من الناس، لكن رجلا متشبها بالمسيح، أرخى شعره وارتدى رداء أبيض وسار حافي القدمين، كسر صمت المدينة إذ شوهد يتكئ على عصا حاملا الكتاب المقدس ويصلي في ساحة كنيسة القيامة أمام أبوابها الخشبية المغلقة. وفي حارة النصارى في البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة، التي هجرت شوارعها وأزقتها وأغلقت جميع المرافق الحيوية فيها منذ أسابيع، تزين السيدة الفلسطينية سوسن بيطار زوايا منزلها للعيد.
ووصفت بيطار التي تحدثت عبر تطبيق زوم، مشاعر الحزن التي تمتلكها لعدم تمكنها من الاحتفال بالعيد مثل كل عام. وقالت إن “الأجواء غريبة وتبعث على الاكتئاب”.
والاحتفال عن بعد لم يمنع بيطار من تحضير عشر بيضات مسلوقة وماء وأصباغ بالألوان الأزرق والبرتقالي البنفسجي والأحمر، بمساعدة حفيدتها.
وفي العالم أجمع، بات الكهنة ينفذون إجراءات التباعد الاجتماعي. وفي بنما منح أسقف بركته في أحد الشعانين من مروحية.
ففي إسبانيا أوقف السكان زياحات درب الصليب وهو تقليد شعبي مترسخ في هذا البلد منذ القرن السادس عشر. وللتعويض عن ذلك تقوم بعض الأبرشيات بنشر صور الزياحات على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما في فرنسا، فإنه رغم وجود آثار للدمار على كاتدرائية نوتردام بسبب حريق تعرضت له قبل نحو عام، ووجود فجوة في السقف، وكون باريس في حالة إغلاق بسبب كورونا، إلا أن الكاتدرائية احتفلت بالجمعة العظيمة.
ونظمت الكاتدرائية احتفالا خاصا يوم الجمعة العظيمة في المناطق الداخلية المتفحمة في معلم شيّد خلال العصور الوسطى.
ويعد احتفال الجمعة العظيمة ثاني احتفال يقام في كاتدرائية نوتردام منذ ذلك الحين، بعد قداس أقيم العام الماضي في كنيسة خلفية.
وقال أوبيتيت للصحافيين هذا الأسبوع “أردنا أن نبعث برسالة أمل” خلال الموكب. وأضاف “تعدّ رسالة الأمل مهمة لمواطنينا في وقت نتأثر فيه بفايروس كورونا الذي ينشر الكرب والموت”.