كورونا يغير تقاليد المقاهي في العالم

مثلما تغيرت تقاليد العمل أثناء جائحة كورونا فصار أغلبه عن بعد تغيرت أيضا تقاليد المقاهي في مختلف دول العالم، فظهرت مقاه تعتمد على الروبوتات في تقديم الخدمات للزبائن، كما أصبحت بعض المقاهي تعتمد على ذوي الاحتياجات الخاصة في خطوة جريئة، هذا إضافة إلى مقاه مختصة لهؤلاء دون أن يغلقوا الأبواب أمام الزبائن العاديين.
بكين - قبل ظهور فايروس كورونا كان لدى العديد من البلدان في أوروبا أو أفريقيا أو أميركا أو آسيا ثقافة مقاه مزدهرة، ولكن بحلول نهاية مارس 2020، تم إغلاق العديد من تلك المقاهي أو فتحها فقط لتقديم خدمة الوجبات الجاهزة.
ومع رفع القيود، ظلت بعض المقاهي مغلقة فيما أعاد البعض فتح أبوابه على الطريق أو على الرصيف لإبقاء العملاء خارج المقهى، وسلكت مجموعة أخرى من المقاهي طرقا مبتكرة لجذب العملاء مجددا.
ففي مصر على سبيل المثال، قامت بعض المتاجر العريقة بإدخال تغييرات على نشاطها مثل زيادة إنتاج البن وإطلاق خدمة توصيله إلى المنازل، وابتكار توليفات من القهوة ذات نكهات مختلفة بدءا من نكهة الفول السوداني وحتى نكهات فواكه مثل الفراولة والمانجو لتلبية رغبات الشباب.
ونظرا إلى كون البن من أكبر المنتجات الزراعية من حيث إيرادات المبيعات في العالم، فإن صناعة القهوة والمقاهي تعد رمزا لتطور الوضع الاستهلاكي. وبعد عدة شهور من الإغلاق، فتحت مقاهي العالم أبوابها وبدأت في اتخاذ إجراءات ابتكارية عديدة لدفع صناعة الاستهلاك.
فمن حبوب البن الإثيوبية إلى الشوكولاتة البلجيكية، ومن البندق التركي إلى الماتشا اليابانية.. جذب انتباه الزائرين خلال فعاليات الدورة الثالثة من معرض الصين الدولي للواردات، "كشك قهوة روبوت" يمكنه تقديم أكثر من 60 نوعا من القهوة والمشروبات الأخرى.
فبعد تقديم الطلب بالنقر على الشاشة أو عبر الهواتف المحمولة، يبدأ "روبوت خاص" لديه ذراع آلية داخل الكشك في إعداد القهوة في حاوية شفافة. ومن عملية الطحن والتجهيز وصولا إلى إضافة رغوة الحليب أو الفواكه المجففة، لا تختلف العملية بأكملها عن قيام شخص حقيقي بها. ويستغرق الأمر 45 ثانية فقط في المتوسط حتى ينتهي "الروبوت" من إعداد كوب من القهوة وإيصاله إلى العميل.
فمن ناحية، يمكن للذراع الآلية أن تقلل الاتصال بين الناس من خلال قيام المستهلكين بطلب نوع القهوة الذي يريدونه بشكل غير متصل من خلال هواتفهم المحمولة أو مسح الرموز. ومن ناحية أخرى، فإنه في حقبة ما بعد الجائحة، أدت المتاجر الذكية غير المأهولة والمتمثلة في أكشاك القهوة الآلية إلى خفض تكاليف العمالة بشكل كبير وتقصير وقت الإعداد على مدار الـ24 ساعة وتقليل مساحة المقهى وضمان الاستمتاع بخدمة ذات جودة وبأسعار منخفضة، وعدم وجود مخاطر على الصحة والسلامة.
وشهدت مدينة دبي هذا العام افتتاح أول مقهى في دولة الإمارات يرتكز على تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل كامل. ويعتمد المقهى الذي يحمل اسم "روبو كافيه" على 3 روبوتات تقدم الخدمات للعملاء على أنغام الموسيقى وعروض الليزر. وفي اليابان، هناك مقهى مماثل اسمه "بيبر بارلر" يتميز بامتلاكه لكادر من الروبوتات مع تدخل بشري ضئيل للغاية.
يذكر أن الكثير من الدول تبذل جهودا في استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، من خلال استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى.
مفهوم الاستهلاك الذي ولدته الجائحة جعل الشباب يهتمون ببيئة الاستهلاك ومذاق القهوة ويولون صحتهم اهتماما أكثر
ورغم تأثير الجائحة، تسعى الصناعة الاستهلاكية العالمية جاهدة إلى التعافي مستخدمة في ذلك التطور التكنولوجي والمفاهيم الصحية لتلبية احتياجات الناس.
وفي بكين، افتتح مقهى "الأعشاب الصينية"، وذكر المدير الإداري لهذا المقهى أن "هذه الجائحة أعطت المستهلكين درسا، وانطلاقا من هذا الدرس، عزز المزيد من المستهلكين وعيهم بالصحة”.
وبموجب هذا المفهوم، افتتحت أكبر شركة أدوية في الصين مقهى فريدا يقدم منتجات تقوم أساسا على الأعشاب في حقبة ما بعد الجائحة. ولدى هذا المقهى عشرات الأنواع من القهوة المصنوعة من أعشاب مختلفة والتي باتت تحظى بإقبال من جانب العملاء بفضل تأثيرها الطبي ومذاقها الجميل.
وذات مرة، مزح أحد الزبائن على شبكات التواصل الاجتماعي، قائلا "في هذا المقهى، عليك أولا أن تبحث عن طبيب ليقيس نبضك، ومنه يشخص حالتك الجسدية، ثم تختار القهوة التي تناسب وضعك الصحي". وعلى الرغم من أنها مجرد مزحة، لكن المقهى في الواقع يدمج خدمات تناول الطعام والعلاج الطبي والاستشارات الصحية وبيع البضائع، حيث يقدم وجبات طازجة مثل الخبز والعسل والشاي وغيرها، بالإضافة إلى القهوة والبن المطحون.
وقال المدير الإداري لعلامة مقهى "الأعشاب الصينية" التجارية لشينخوا إنه خلال فترة الوقاية من تفشي الفايروس والسيطرة عليه، رحب المستهلكون بشاي يطلق عليه اسم "شاي الرعاية الصحية" ومنتجات صحية أخرى.
إن مفهوم الاستهلاك الجديد الذي ولّدته الجائحة، يجعل جيل الشباب من المستهلكين لا يهتم ببيئة الاستهلاك فحسب، بل أيضا بمذاق كوب القهوة، والأكثر من ذلك أنه بات أيضا يولي اهتماما كبيرا بالصحة.
ففي أحد شوارع شانغهاي تم عمل نافذة صغيرة مفتوحة في جدار إسمنتي بين المتاجر الفخمة. ويوم الثالث من ديسمبر اجتذبت ساحة صغيرة أمام تلك "النافذة" عددا كبيرا من الزبائن حيث جلسوا منتظرين طلباتهم. فبعد طلب القهوة، يخرج "مخلب دب" من داخل هذا الثقب في الحائط ليمرر القهوة إلى العميل ويربت على رأسه ويصافحه بـ”كفه” للتعبير عن الثقة والحب.
فبخلاف المقهى العادي، يقوم صانع القهوة بتوصيل القهوة من “النافذة” مرتديا قفاز مخلب دب. وفي جو الشتاء البارد بمدينة شانغهاي وخاصة بعد شهور من الإجراءات الوقائية، يُدخل “مخلب الدب” اللطيف على النفس شعورا بالسعادة.
إن هذا المقهى، المكشوف على قارعة الطريق، يُطلق عليه الناس اسم "مقهى مخلب الدب"، ويوفر فرص عمل للعديد من ذوي الاحتياجات الخاصة، من بينهم مديرة المقهى يينغ يينغ التي حصلت على جائزة تخمير القهوة في الدورة السادسة من مسابقة الصين المهنية لذوي الاحتياجات الخاصة.
"أريد أن يعرف الناس أن ذوي الاحتياجات الخاصة يمكنهم العمل بشكل ممتاز شأنهم شأن الأشخاص العاديين"، هكذا ذكرت يينغ يينغ وهي تنشر مقطعا من الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي حيث "تكلمت" مع المشاهدين بلغة الإشارة، قائلة "على الرغم من أنهم لا يستطيعون التواصل وجها لوجه مع العملاء، إلا أنهم مازالوا يعملون من خلف الحائط باجتهاد لتقديم خدمات دافئة للعملاء عبر هذه الطريقة الخاصة".