كورونا يطرد الموظفين من المكاتب للعمل من الريف

المكتب المخيم أسلوب مبتكر يستهوي أصحاب المهارات العالية.
الثلاثاء 2022/01/11
المكتب المتنقل خيار المستقبل

فرضت جائحة كورونا نمط حياة جديد يعتمد على التباعد بين الناس، فكانت بداية لأفكار جديدة في العمل الذي تخلى عن فكرة اللقاء في المكتب خاصة لذوي المهارات الفائقة، بل أصبح المكتب المخيّم خيارا للعمل عن بعد في أجواء ريفية تشبه أيام العطل وما فيها من استراحة وسكينة في الطبيعة.

والنهورست (ألمانيا) – يفتح ماركوس هيغر اللابتوب الخاص به ثم يتجه بنظره إلى السماء ليتابع سربا من الأوز البري وهو يحلّق فوق رأسه.

ويعمل هيغر مديرا للمشروعات بشركة لتكنولوجيا المعلومات ببلدية والنهورست بولاية ساكسونيا السفلى الألمانية، وصار هذا هو المكان الذي اختار العمل منه، وهو يجلس الآن مستريحا أمام عربة مجهزة للمعيشة في موقع للتخييم بمدينة أوسنابروك.

وقد زوّده رئيسه في العمل بعربة للمعيشة، في محاولة لجعل الشركة أكثر جاذبية لمن يبحثون عن وظائف، عن طريق تمكينهم من العمل عن بعد من الريف، وسط نضال محموم للبحث عن العمالة الماهرة، المتناقصة.

وتأسست الشركة قبل 30 عاما، ويقول رئيسها الحالي ديتر كلاغز إنه لم يحدث من قبل أن كانت هناك مثل هذه الصعوبة في العثور على موظفين مبتدئين، كما عليه الحال الآن.

ويضيف كلاغز “الشركات لم تعد تعثر على العمالة المطلوبة، الأمر الذي قد يدفع البعض إلى التفكير في التخلي عن نشاطه التجاري أو تغييره”.

العمل من المخيم يسمح للموظفين بالاستمتاع بالفوائد الكثيرة للهواء الطلق بعيدا عن حياة المكاتب وتوترها

وأصبح كلاغز حريصا على الحفاظ على العاملين الأقدم وظيفيا والأكثر خبرة بشركته.

وذات يوم، وبينما كان كلاغز يتجول على شاطئ بحر الشمال، خطرت بباله فكرة أن يحاول جعل شركته أكثر جاذبية وسط المنافسة الحامية، للحصول على عاملين من بين عدد محدود من المرشحين المؤهلين.

وقرر أن ينشر إعلانات تعرض على الموظفين المحتملين فرصة العمل عن بعد من مخيمات ولفترة محددة من الزمن.

وساعده زميل من رجال الأعمال في الحصول على منزل متنقل أطلق عليه اسم “المكتب المخيم”.

وجاء رد الفعل سريعا، حيث يقول كلاغز “تلقينا فجأة 50 طلبا للتوظيف، وأصبحنا لا نعلم ما الذي سنفعله بهم”.

ولم تشعر ليديا مالين، التي تعمل لدى معهد ألماني للعمل، بالدهشة عندما سمعت بقصة حملة كلاغز للتوظيف.

وتوضح مالين أن العمل من نموذج المخيم يسمح للعاملين بالاستمتاع بالفوائد الكثيرة للهواء الطلق بعيدا عن حياة المكاتب وما بها من توتر.

وتقول مالين إنه يجب على الشركات أن تتبنى أساليب مبتكرة هذه الأيام من أجل الحصول على عاملين جدد في ظل نقص العمالة الماهرة المتاحة وزيادة الطلب على مجموعات معينة من القدرات والمهارات.

وتشير إلى أن مثل هذه الأساليب المبتكرة ليست جديدة في صناعة تكنولوجيا المعلومات، حيث زاد منذ فترة الطلب مقارنة بالمعروض من الكفاءات الماهرة.

وتضيف مالين “أدت جائحة كورونا إلى تزايد الطلب على العمالة الماهرة، خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث إن شركات كثيرة صارت حريصة على التحول الرقمي”.

كما انتقل التدريب إلى شبكة الإنترنت، وأصبح من الممكن الحصول عليه في المنزل، أو عن بعد.

وتؤكد مالين أن “فرص التعلم عن طريق الإنترنت، لا يمكن ببساطة إعادتها إلى الأدراج لتحفظ فيها”.

وتعاني جميع قطاعات الاقتصاد الألماني من نقص في الأيدي العاملة الماهرة.

أكثر أريحية
أكثر أريحية

وتختلف النسب من مدينة لأخرى، غير أن نقص العمال المهرة في بعض المدن كان كبيرا، لدرجة أن النسبة بلغت 92 في المئة في مجالات يرتفع الطلب عليها.

ومن بين هذه المجالات قطاع التشييد والهندسة الكهربائية وتكنولوجيا بناء السفن، حيث تتباين التخصصات بحيث تتوقف نسبيا على الجهة الموظفة في منطقة ما.

غير أن مالين ترى أن جميع قطاعات الاقتصاد بحاجة إلى إعادة التفكير عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يتم بها طلب العاملين من الشباب وأصحاب المهارات، حيث لم تعد الأساليب القديمة تصلح.

وتقول “على سبيل المثال، يركز الأفراد في مجال الصناعة على الأجور المرتفعة، حتى خلال فترة التدريب.. ولكن المرتبات العالية وحدها لم تعد العامل الحاسم في قبول الوظيفة”.

وتوضح مالين أنه “عندما يتعلق الأمر بشكل خاص بالجيل الأصغر سنا، تكون للمرونة في العمل دور كبير، سواء من حيث ساعات العمل أو المكان الذي يعملون به”.

وتصف الحال بأنه أصبح “سوق الموظفين، مما يعني أنه بوسع الموظف أن يختار الجهة التي سيعمل فيها”.

وأدى ذلك إلى ظهور ما أصبح يعرف باسم “حرب عصابات استقطاب العاملين”، حيث تختطف الشركات العاملين المهرة من بعضها البعض، عن طريق عرض أجور أعلى، أو بإتاحة عروض خاصة مغرية، وفقا لمالين.

وهذا الاتجاه أضحى معروفا جيدا في مختلف أنحاء العالم، فنجد الشركات في الولايات المتحدة تعرض حوافز مختلفة، اعتبارا من “عطلة رعاية الحيوانات” التي تقدم للعاملين، لرعاية حيواناتهم المنزلية التي التقطوها أثناء جائحة كورونا، إلى تقديم الدروس الخاصة لأبناء الموظفين، إلى جانب تقديم حوافز لتحسين الصحة العامة والعافية للعاملين.

ويرى كلاغز أن تمكين طاقم العاملين لديه من العمل في هدوء وسكينة يعد عاملا أساسيا، وهذا هو السبب الذي دفعه للاقتناع بأن السماح لهم بالعمل من مخيم هو أمر على درجة كبيرة من الأهمية. وأعرب عن أمله في أن يؤدي هذا الأسلوب إلى دفعهم إلى المزيد من الابتكار والإبداع في عملهم.

18