كورونا يراكم ركود سوق العقارات في المغرب

قاد فايروس كورونا سوق العقارات المغربية إلى الركود حيث تباطأت مشاريع البناء والتشييد، بفعل انهيار الطلب في أعقاب التقلبات في أسعار السلع وتبعات كورونا التي فرضت العمل المنزلي ونقص التعويل على العقارات في ظل تراجع أداء قطاع البناء على المستوى العالمي.
الرباط - يشهد الطلب على العقارات التجارية، المعروضة للتأجير والشراء، في المغرب تراجعا كبيرا مدفوعا بحالة من التقلب بسبب أجواء الغموض وانعدام اليقين التي تخيّم على الوضع الصحي، وضعف خزينة المقاولات المتضررة من الأزمة.
ويقول خبراء إن أعمال البناء والمقاولات أكدت حاجتها إلى فضاءات مهنية جديدة، مع إدماج معايير محددة تتلاءم مع توازناتها المالية التي أنهكها التراجع الحاد في الأنشطة، إضافة إلى نظام العمل الذي يتراوح بين العمل الحضوري والعمل عن بعد.
وفي هذا السياق، يرى كيفن غورمان، المدير العام للموقع المتخصص في العقارات، أنه “منذ شهر مايو، بالتزامن مع نهاية الحجر الصحي، تم تسجيل انخفاض بنسبة 28 في المئة في الطلب على شراء المكاتب، وذلك بكل تأكيد بسبب أجواء عدم اليقين الاقتصادي التي كانت سائدة حينها”.
وأضاف أنه إذا كانت الشركات أكثر ترددا في ما يخص شراء فضاءات جديدة، فإن الإيجار يبدو أكثر ملاءمة لها خلال هذه الفترة، مشيرا إلى أن الطلب على إيجار مكاتب العمل ارتفع بنسبة 119 في المئة على المنصات الإلكترونية المخصصة لذلك، مما يدل على أنه “بالرغم من التحفظات الناجمة عن الظرفية الاقتصادية غير المستقرة، فإن حاجة الشركات لفضاءات جديدة تظل حقيقية”.
28
في المئة نسبة انخفاض الطلب على شراء المكاتب بسبب حالة عدم اليقين
وأوضح أن هذا الطلب يعود إلى حاجة الشركات إلى الانتقال إلى مقرات جديدة، إما لتقليص تكلفة الإيجار بسبب الأزمة، أو لإعادة تنظيم مستخدميها بعد اعتماد العمل عن بعد، وبرامج تناوب المستخدمين.
وتابع أن العرض انتعش بدوره من جديد بعد الضعف الكبير الذي تم تسجيله ما بين مارس ومايو 2020، موضحا أنه “ارتفع بنسبة 300 في المئة بالنسبة إلى المكاتب المعروضة للبيع”.
وانتعش العرض في مرحلة أخرى وبنحو 100 في المئة للمكاتب المعروضة للإيجار ما بين مايو وأكتوبر 2020، مع تسجيل نوع من الركود في أغسطس الماضي، الذي يعد شهر العطلة الصيفية، قبل استئناف العمل في سبتمبر.
وكشف مؤسس هذا الموقع المتخصص في العقار ات أنه سواء تعلق الأمر بالإيجار أو الشراء، فإن أسعار المتر المربع تتخذ نفس المنحى، حيث سجلت زيادة متوسطة بنسبة 14 في المئة بين مايو وأكتوبر 2020.
وأشار إلى أنه بالنسبة إلى المكاتب المعروضة للشراء، “فقد بلغ متوسط السعر 13.700 درهم/متر مربع، بينما بلغ متوسط السعر الخاص بالمكاتب المخصصة للإيجار 17.200 درهم/شهر”.
وبخصوص الآفاق المستقبلية لهذه السوق، قال المتخصص “إننا نتوقع أن تعمد غالبية الشركات، بعد الأزمة الصحية، إلى إعادة النظر في كلفة مقراتها، التي تعد ثاني أبرز النفقات بعد أجور المستخدمين، مع انتظار ما ستؤول إليه الأمور بسبب أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي قبل اتخاذ أي قرار بشأن الانتقال إلى مقر جديد”.
من جانبه، أكد عدنان باجدي، الخبير العقاري لدى المعهد الملكي للمساحين القانونيين بالمملكة المتحدة، التأثير السلبي للأزمة على عقارات المكاتب، وذلك بالنظر إلى أن “حجم المعاملات سجل على مدى التسعة أشهر الأولى من سنة 2020، تراجعا متوسطا تراكميا بنحو 36.5 في المئة مقارنة بسنة 2019”.
كما أشار الخبير إلى أن الطلب على تأجير فضاءات مكاتب جديدة سجل تراجعا، بالنظر إلى أن عددا كبيرا من الشركات يواجه صعوبات مالية، ويفتقد لرؤية واضحة بشأن تطور النشاط على المديين القصير والمتوسط.
ومن جهة أخرى، أكد باجدي أن الدعاوى القضائية المتعلقة بالإيجارات المهنية والتجارية سجلت ارتفاعا قويا منذ تفشي وباء كوفيد – 19، موضحا أن “التأخر في أداء الإيجار وتطبيق الغرامات الناجمة عن هذا التأخر يشكلان حاليا جزءا هاما من القضايا المعروضة على القضاء. ويؤكد هذا الوضع بوضوح الأثر السلبي الذي تشهده السوق المحلية لتأجير العقارات”.
أما بالنسبة إلى الإقبال الكبير على العمل عن بعد كحل يسهل التباعد الاجتماعي، فقد اعتبر الخبير أن “هذا النمط انتشر على نطاق واسع، لكن لا أعتقد أنه سيحل محل العمل الحضوري، الذي يظل ضروريا بالنظر إلى طبيعة بعض المهن”.
وأضاف “أن ما يعرقل العمل عن بعد هو أن جزءا كبيرا من الشركات لا يمتلك بنيات تحتية ملائمة لاعتماد تكنولوجيات الإعلام وموارد بشرية مؤهلة لذلك”.
وتوقع الخبير العقاري أن “تشهد عمليات شراء وتأجير فضاءات جديدة للمكاتب، تطورا متواضعا إن لم يكن سلبيا خلال سنة 2021”.
وأشار إلى أن “غالبية الشركات، ولاسيما الشركات متعددة الجنسيات التي تمثل جزءا كبيرا من الطلب على هذا القطاع، قد انخرطت في عملية لتقليص كلفتها العقارية، وذلك بهدف تخفيف الضغط على مواردها المالية، وكذلك استباقا لاحتمال تسجيل أداء ضعيف للاقتصاد”.
وحاولت الحكومة المغربية مساعدة القطاع على تجاوز عقباته حيث أطلقت منصة رقمية لتسهيل تمويل القطاع العقاري من خلال توفير مرونة على إسداء القروض بهدف تحفيز المستثمرين وتسهيل التعاملات الرقمية.
ويعد الاستثمار في العقار بالمغرب واحدا من أهم مصادر الدخل التي يسعى القطاع الخاص والمهنيون الحصول عليها، حيث طالب الفاعلون في القطاع مرارا بتجاوز عقبة الحصول على التمويل الكافي والخبرة في التعامل مع هذا القطاع الحيوي.
تتزايد المطالب لإنعاش قطاع العقارات بتمكين الشركات من الاستفادة بنوع من المرونة على مستوى آجال التسليم، وتشجيع المصارف على مرافقة الشركات عبر تعزيز خطوط الائتمان الخاصة بها.
وجراء الوباء أحيلت نحو 60 في المئة من الشركات العقارية إلى الإفلاس، حسب إحصائيات الفيدرالية الوطنية للبناء ما جعل القطاع يدخل في أزمة حقيقية، سواء تعلق الأمر بالعرض أو الطلب.