كنيسة القيامة حضن لطوائف المسيحية على مر العصور

القدس- كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس، هي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. بنيت فوق “الجلجلة” وهي مكان الصخرة التي يعتقد أن المسيح صلب عليها. وتعتبر “القيامة” أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي وتحتوي وفق معتقدات المسيحيين على المكان الذي دفن فيه المسيح واسمه القبر المقدس.
سميت كنيسة القيامة بهذا الاسم نسبة إلى قيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث من الأحداث التي أدت إلى موته على الصليب حسب العقيدة المسيحية. ويتقاسم الأرثوذكس الشرق والكاثوليك الأرثوذكس المشرقيون الأجزاء الهامة من الكنيسة ويقيمون فيها الصلاة كل يوم.
كنيسة القيامة من أعرق كنائس بيت المقدس استغرق العمل في بنائها أحد عشر عاما إذ بدأ عام ثلاثمئة وخمسة وعشرين وانتهى عام ثلاثمئة وستة وثلاثين للميلاد. أشرفت على بنائها الملكة “هيلانة” والدة الإمبراطور “قسطنطين” ويتردد أن هيلانة عثرت أثناء زيارتها إلى بيت المقدس على ما اعتقدت أنه خشبة الصليب الذي علق عليه السيد المسيح وأرادت بنـاء كنيسة في المكــان.
عند الباحة في مواجهة الكنيسة، نجد إلى اليمين دير مار إبراهيم للروم الأرثوذكس وقد سمي بهذا الاسم تيمنا بالتقليد المسيحي الذي يقول بأن النبي إبراهيم جاء إلى هذه الصخرة ليقدّم ابنه ذبيحة قربانا إلى الله.
ويمكن زيارة البئر العظيمة تحت تلك الدير والتي تبدو كنيسة تحت الأرض. أما إلى الأمام من دير مار إبراهيم فنجد كنيسة مار يعقوب للأرمن والقديس ميخائيل للأقباط. وإلى اليسار هناك ثلاث كنائس مكرسة للقديس يعقوب والقديس يوحنا والشهداء الأربعين.
أما في ما يخص الواجهة، فيسيطر عليها برج الأجراس الصليبي وقد تهدم الجزء العلوي منه في القرن السادس عشر واستبدل في القرن التالي بغطاء من القرميد. واستبدلت الأجراس الصليبية التي تفككت في الحروب الصليبية بأجراس أخرى وضعت في بداية القرن العشرين. وتقدم لنا الواجهة التي بناها الصليبيون مدخلان أساسيان تم سد أحدهما في أيام صلاح الدين الأيوبي.
وبالنسبة إلى المعبد المقدس، فيمكن الدخول إليه من خلال كنيسة الإفرنج في ممر الدرج الذي إلى اليمين قبل الدخول إلى الكنيسة، لنجد أنفسنا أمام معبد “سيدة الأوجاع” ويقال له أيضا كنيسة الإفرنج وهي للآباء الفرنسيسكان الذين يحتفلون فيها بالقداس الإلهي كل يوم. تحت هذه الكنيسة تقوم كنيسة أخرى مكرسة للقديسة مريم المصرية.
أما عند دخولنا بازيليك القيامة نجد إلى اليمين سلما يحملنا إلى كنيسة الجلجلة على ارتفاع خمسة أمتار عن أرض الكنيسة. وتنقسم إلى كنيستين صغيرتين. الأولى وتدعى كنيسة الصلب، نجد فيها المرحلتين العاشرة (تعرية يسوع من ثيابه) والحادية عشرة (صلب يسوع). وفوق الهيكل الذي في صدر الكنيسة نجد فسيفساء تمثل مشهد الصلب، وإلى اليمين نافذة كانت المدخل المباشر إلى “الجلجة” أيام الصليبيين، وحول هذه النافذة نجد فسيفساء تمثل ذبيحة إسحاق.
يفصل هذه الكنيسة عن كنيسة الجلجلة هيكل صغير للعذراء وعمودان ضخمان وصورة ليسوع المصلوب وعلى جانبيه القديس يوحنا والعذراء أمّه. وتحت الهيكل نجد قرصا مفتوحا يشير إلى الموقع حيث وضع صليب يسوع. وتسمح لنا الفتحة بإدخال اليد ولمس الصخرة مباشرة. ويذكر أن هذا الموقع هو المرحلة الثانية عشرة من درب الصليب.
وعن حجر الطيب، فعند النزول من كنيسة الجلجلة عن طريق الدرج المقابل نبلغ أرض الكنيسة إذ يوجد إلى اليسار، وهو حجر من الجير الأحمر مزين بالشمعدانات والمصابيح. وهذا الحجر مقام لذكرى ما ورد في إنجيل يوحنا بعد موت المسيح.
وعند متابعة السير نحو الفسيفساء الضخم الذي على الواجهة، نجد بالقرب منه سلّما صغيرا يؤدي إلى دير الأرمن حيث توجد قبّة صغيرة تغطي حجرا مستديرا هو حجر “المريمات الثلاث” الذي أقيم لذكرى المريمات اللواتي ساعدن يسوع المحتضر (حسب رواية متّى في الإنجيل). وكانت هناك كثير من النساء ينظرن عن بعد، وهنّ اللواتي تبعن يسوع من الجليل ليخدمنه، منهنّ مريم المجدلية ومريم أمّ يعقوب ويوسف، وأمّ ابني زبدى.
وكذلك عند السير إلى اليمين والمرور بين عمودين ضخمين فسوف يتم الوصول إلى قبة “القبر المقدس” الذي يعود بناؤها الأساسي إلى حقبة قسطنطين وتعرضت على مر الأجيال للعديد من أعمال الترميم، انتهى العمل من آخر تلك الأعمال عام 1997.
وبني فوق الضريح المقدس بناء مدور، وبنيت ما بين الباب والمبنى الدور باسيليكا كبيرة وخمسة أروقة بين الأعمدة مع جناح مدور بارز في ساحة متسعة، فبقي موضع الصليب منعزلا على حدة باعتباره مزارا قائما بذاته.
تمتعت كنيسة القيامة ولا تزال بأهمية استثنائية وقد وصفها الرحالة المسلمون الذين زاروا بيت المقدس ومنهم “ناصر خسروا بيك” الذي يقول: “للنصارى في بيت المقدس كنيسة لها عندهم مكانة عظيمة ويحج إليها كل سنة كثير من بلاد الروم”.