كمال الفقي مناصر عتيد لقيس سعيد مناهض عنيد للمعارضة

يساري ثوري وجد ضالته في مشروع الرئيس سعيد.
الأحد 2023/04/02
مدافع شرس عن جملة من المبادئ والثوابت الوطنية والإنسانية

من مقرها بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة، يدير كمال الفقي وزارة الداخلية التونسية بعد أن عينه الرئيس قيس سعيد على رأسها في الثامن عشر من مارس 2023 خلفا للمحامي توفيق شرف الدين الذي كان أعلن استقالته من المنصب لظروف خاصة فيما أشار البيان الرئاسي إلى إعفائه منه.

ويقول المقرّبون من الفقي إنه يبدي الكثير من الإصرار على استعادة هيبة الدولة وتجاوز حالة الانفلات التي عرفتها البلاد منذ العام 2011، وإنه كثيرا ما يؤكد على ضرورة المحافظة على التّماسك بين مختلف هياكل الوزارة.

وبعد يومين من تنصيبه، دعا خلال اجتماع عقده مع عدد من كبار المسؤولين والمديرين العامّين من مختلف الهياكل التّابعة للوزارة، إلى مزيد أنسنة العلاقة بين تلك الهياكل والمواطنين، وهو ما يمكن اعتباره رسالة طمأنة إلى الناشطين السياسيين ومختلف فئات المجتمع، لاسيما بعد أن أعربت المعارضة عن تخوّفها من أن يقود الوزير الجديد الأجهزة الأمنية إلى قمع تحركاتها المناهضة لسياسات الرئيس سعيد.

يعتبر الفقي (64 عاما) من أبرز المؤسسين و القياديين العاملين في مشروع الرئيس سعيد منذ العام 2012، ونفس الشيء بالنسبة إلى زوجته سنية الشربطي، خريجة كلية الحقوق، والتي تمثّل أحد أهم أعمدة النضال اليومي في سبيل تكريس المشروع والتعريف بأهدافه ومقوّماته من خلال رؤية فكرية وأيديولوجية تعد بتغيير واقع البلاد في اتجاه الديمقراطية المباشرة وسلطة الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية وفرض السيادة الوطنية واستقلالية القرار السياسي وتحرير الثروات من أيادي القوى المتسلطة سواء كانت داخلية أو خارجية.

بوكس

يتحدر الفقي من صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد وبوابة الجنوب، واختار منذ دراسته الثانوية النشاط في صلب اليسار التقدمي، وتعرض للكثير من المضايقات بسبب ذلك، واستمر على ذات المنهج بعد التحاقه بكلية الحقوق بتونس، حيث انضم إلى تيار الوطنيين الديمقراطيين الموحد (وطد) الذي كان يقوده الزعيم الراحل شكري بلعيد قبل اغتياله في فبراير 2013.

تخرج الفقي في كلية الحقوق بتونس سنة 1995 قانون خاص اختصاص شعبة قضائية، والتحق بوزارة المالية حيث تدرّج في السلّم الوظيفي إلى أن بلغ منصب رئيس مكتب مراقبة الأداءات برتبة كاهية مدير لإقليم تونس الكبرى التي تضم ولايات (محافظات) تونس وبن عروس ومنوبة وأريانة.

وكأغلب رفاقه في اليسار كان للفقي نشاط نقابي إلى أن انتخب كاتبا عاما لنقابة الأداءات بتونس التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل من 2011 إلى غاية 2017.

كان كثيرا ما يترك انطباعا بأنه مدافع شرس عن جملة من المبادئ والثوابت الوطنية والإنسانية التي ظهرت لاحقا في خطاب الرئيس سعيد.

برز الفقي كناشط خلال الانتفاضة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ضمن قوى «تونس الحرة» إلى جانب زوجته سنية الشربطي ورفيقيه فوزي رضا شهاب المكي المعروف باسم «رضا لينين» وفوزي الدعاس، وعدد آخر ممن تمرّدوا على منظومة اليسار التقليدي ورفضوا التنظّم في تيار الوطنيين الديمقراطيين الموحد بعد أن أصبح حزبا معترفا به رسميا من أجهزة الدولة.

وتوجّه هؤلاء لتشكيل ملامح الطريق الثالثة التي كانوا يهدفون من ورائها إلى ابتكار حلول جديدة لمشاكل البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والى تجاوز ما يعتبرونها مسارات فاشلة لأنظمة الحكم المتلاحقة منذ العام 1956 ومنها حكم الإسلاميين الذي تمّ تكريسه رسميا في العام 2011 بإرادة خارجية قبل أن تكون داخلية.

ورغم أن أغلبهم كانوا من طلبة قيس سعيد بالجامعة حيث يتولى تدريس القانون الدستوري، فإن منسوبي «تونس الحرة» أعادوا اكتشاف «الأستاذ» خلال انتفاضة 17 ديسمبر 2010/14 يناير 2011.

تقول الشربطي «الذي جعلني أنخرط في مشروع قيس سعيد هو الرؤية التي تقدم بها في القصبة، كنت في ديسمبر 2010 مع أبناء شعبي نجوب الشوارع احتجاجا ومطالبة باستحقاقات اجتماعية واقتصادية أعاقها حكم سياسي مستبد، وحينما أنصت إلى رؤية الأستاذ الرئيس انزاح ما كان على كاهلي أنا التي أعتقد في قرارة نفسي أني ثورية وأني مؤمنة بالفكر الثوري”.

من ذلك المنطلق تشكلت الفكرة التي كان الفقي أحد العاملين على بلورتها. في العام 2011 نشرت الشربطي تعريفا بالمشروع الذي تلتقي عليه المجموعة “تَعتبر قوى تونس الحرة أن ثورة تونس اليوم، تلتحم مع نضالات شعوب العالم ضد العولمة المدمّرة، ونتائجها المفزعة على الاقتصادي، الاجتماعي، البيئي، الصحي والثقافي، وهي تستلهم أشكال النضال من الحركة العالمية لمناهضة العولمة، وتقدم نموذجاً ثورياً رائعاً يلهم شعوب المنطقة في مسارها النضالي، ويتحد معها في رسم المستقبل الإنساني الجديد”.

◙ الفقي يأتي من أساسيات المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد بخلفية عقائدية تشكلت ملامحها منذ سنوات
الفقي يأتي من أساسيات المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد بخلفية عقائدية تشكلت ملامحها منذ سنوات

في مقابلة صحفية كشف رضا شهاب المكي رفيق كمال الفقي وسنية الشربطي طبيعة العلاقة مع قيس سعيد “لم يكن من (الوطد)، لكنه فاجأنا في طريق التاريخ، فقد وجدناه يقدّم في الإعلام مشروعا، هو توأم مشروعنا، وتلاقَينا في الحياة. كنت أنا في الخارج، وكان قيس سعيّد يجول تونس برفقة سنية الشربطي، من شمالها إلى جنوبها، منذ 2012، ليعرّف بالمشروع”.

كان الفقي يتحرك من داخل تلك المنظومة، ولا يختلف عنها إلا بشيء واحد لكنه في منتهى الأهمية، وهو التمسك بنواميس الدولة التي كان آنذاك مسؤولا في بنيتها العميقة وعارفا بأساليب إدارتها.

وقد أدرك الرئيس سعيد ذلك، فدعاه إلى تولى مناصب في صلب إدارة مؤسسة الحكم، وعينه في 30 ديسمبر 2021 واليا (محافظا) على ولاية تونس خلفا للشاذلي بوعلاق، وكان في ذلك القرار تأكيد على توجه الرئيس نحو تكريس مشروعه بتكليف أنصاره والمدافع عنه في مراكز القرار استعدادا للمرحلة القادمة وهي مرحلة تطبيق الرؤية الإصلاحية التي يلتقي حولها الأستاذ مع طلبته ومع ناشطي “تونس الحرة”.

بدا الفقي مناصرا عنيدا للرئيس ومنتقدا شرسا للمعارضة، وعندما تقدمت جبهة الخلاص (التي تمثل حركة النهضة الإسلامية أهم حزب فيها) بطلب للتظاهر في شارع الحبيب بورقيبة يوم 5 مارس 2023، رد عليها بالقول إن هذه الجبهة السياسية لم تعد واضحة للسلط الرسمية سواء في تركيبتها أو في القيادات التي تتزعمها والذين تلاحقهم جملة من التتبعات الجزائية في جرائم خطرة. وهو ما دعاه إلى التريث قبل الترخيص لأيّ نشاط أو تظاهرات قد تنفذها هذه الجهة وفق تعبيره.

كما اعتبر في تصريح إذاعي أن كل المعارضة لا أخلاق لها اليوم مستثنيا بعض الرموز التي حافظت على نفس التمشي والخطاب السياسي، مشددا على أن جبهة الخلاص تقوم بتحريض المواطنين على السلطة الحاكمة وهو ما لا يمكن قبوله أو الترخيص له من جانب ولاية تونس.

هذا الموقف يستند إلى موقف سابق عبّر عنه في 19 مارس 2022 عندما أصدر بيانا تضمن منعا لإقامة التظاهرات السياسية والاحتجاجات في شارع الحبيب بورقيبة. وجاء في البيان تأكيده على أنه تم تخصيص شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لممارسة الأنشطة الإبداعية والثقافية والسياحية والاستعراضية لا غير، مع تحويل التظاهرات الأخرى إلى ساحة حقوق الإنسان أو إحدى الساحات العمومية الأخرى بشارع محمد الخامس.

بوكس

في السادس من يناير الماضي، قال الفقي إن “كل الأطراف التي طلبت التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة يوم 14 يناير، لها الحق أن تطلب ذلك، وعلينا أن نستجيب، ولكن في حدود حمايتهم وتأمين الممتلكات العامة والخاصة للتونسيين”.

وأضاف أن أصحاب المحلات الموجودة على جادتي الشارع من أكبر الأطراف المتضررة خلال الاحتجاجات، وأنه يجب أن تكون هذه المظاهرات محسومة العواقب، حيث لن يحدث ما يغير من هيئة الشارع أو يقلق المارة أو يثير خوف أصحاب المحلات، داعيا الفاعلين السياسيين، إلى صياغة بروتوكول التظاهر من أجل ضمان الأمن.

وفي 15 يناير وصف الفقي الشعارات التي تم رفعها خلال إحياء الذكرى 12 للإطاحة بنظام بن علي، بـ “الهستيريا”، قائلا “هذا رأيناه فقط عام 1936 مع هتلر.. ترديد شعارات سيئة لا معنى لها”. وتابع “هم يرفضون ماذا.. لقد خرج الجميع يوم 25 يوليو، وقال نعم سيدي الرئيس؟”، مضيفا “كنت من المتطوّعين في حملة الأستاذ قيس سعيّد، وكان ذلك يشرّفني، واليوم تشرّفني مساندة موقف الرئيس ونهجه”.

يأتي الفقي من أساسيات المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد بخلفية عقائدية تشكلت ملامحها منذ سنوات، وهو بتوليه منصب وزير الداخلية سيكون في دائرة التكريس العملي للمشروع، لاسيما قبل حدثين مهمين وهما انتخاب المجالس البلدية الجديدة وانتخاب الغرفة الثانية للبرلمان المتمثلة في مجلس الجهات والأقاليم، بالإضافة

إلى إدارة الوضع العام من خلال الدفاع عن الأمن والاستقرار وتحصين هيبة الدولة وسيادتها في ظل جملة الأزمات التي تعرفها البلاد وعلى رأسها الأزمة المالية والاقتصادية وأزمة المعارضة المتهمة من قبل أجهزة الأمن والقضاء بمحاولات التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

يقود الفقي وزارة الداخلية في ظرف شديد الحساسية من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجد أمامه سجلّا حافلا بالأولويات من بينها العمل على تأمين الحدود البحرية والتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي اتسعت خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق، وتجنيد أجهزة الأمن في كامل أرجاء البلاد لمقاومة التهريب والاحتكار والعبث بمقوّمات الأمن الغذائي للبلاد.

كما يسعى للاستفادة من تجاربه النقابية في إيجاد نقطة التقاء مع ناشطي الاتحاد العام التونسي للشغل حول الملفات الأساسية في المرحلة الحالية، بالإضافة إلى تجاوز ما كان سائدا من حالات الانفلات في مؤسسات الوزارة خلال ما يصفها النظام الحالي بالعشرية السوداء.

وخلال توليه منصب والي تونس، كان الفقي كثيرا ما يستبق مواقف وزير الداخلية أو يتجاوزها في التعبير عن وجهة نظر التيار الداعم للرئيس سعيد من مجريات الأحداث وخاصة في علاقة بتحركات المعارضة.

اليوم وبعد أن تولى مقاليد الوزارة يبدو الفقي أكثر هدوءا مما كان عليه سابقا، وذلك لاعتبارات عدة منها أنه أصبح يحمل صفة الواجهة السياسية لوزارة الداخلية، وأنه يدرك أن كل العيون مسلطة على أدائه سواء من داخل البلاد أو خارجها، بالإضافة إلى أن التيار السياسي الذي يمثله بدأ يغادر مربع الشعارات الثورية الصاخبة خلال السنوات الأربعين الماضية، ودخل مرحلة التعامل مع الدولة ومؤسساتها بما تحتاج إليه من هدوء وثبات.

◙ الفقي يبدي الكثير من الإصرار على استعادة هيبة الدولة وتجاوز حالة الانفلات التي عرفتها البلاد منذ 2011
الفقي يبدي الكثير من الإصرار على استعادة هيبة الدولة وتجاوز حالة الانفلات التي عرفتها البلاد منذ 2011

 

7