كلمة آنسة تندثر تحت بند المساواة اللغوية بالرجال في ألمانيا

برلين - اعتاد الكثير من الألمان منذ نعومة أظافرهم، أن يقرأوا كتبا ويشاهدوا أفلاما تحكي عن شخصيات نسائية يطلق عليها الاسم الألماني “فرولاين”، الذي يعني بالعربية آنسة أو المرأة غير المتزوجة، وبالإنجليزية “ميس” وبالفرنسية “مدموازيل”.
غير أنه مع التطور المجتمعي وتغير المفاهيم والأفكار، أصبحت هذه الكلمة التي تطلق على النساء غير المتزوجات، خارج الزمن في نظر القاموس الألماني النموذجي “دودن”، وهذه الكلمة بالنسبة إلى الأذن الألمانية لها وقع مدرسة للرقص، أو ملمح لفترة الخمسينات من القرن العشرين، وتستحضر للذهن صورة معلمة صارمة أو خادمة عجوز.
النقاش يطرح سؤالا، عما إذا كانت الدعوة إلى استخدام مفردات جديدة تعبر عن كلّ من الجنسين، ستحقق أهدافها مثلما حدث مع اختفاء كلمة فرولاين من الاستخدام
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تعد النساء -بشكل متزايد- يرغبن في أن تطلق عليهن كلمة “فرولاين”، حيث يرون أنها تحمل معنى قائما على التمييز، كما أن المقطع الأخير من الكلمة “لاين” يعد أداة تصغير، كما تشير النساء إلى أنه ليست ثمة كلمة مماثلة يوصف بها الرجال غير المتزوجين، إنما يطلق عليهم بشكل عام كلمة “هر” الألمانية التي تعني السيد.
وتدخلت وزارة الداخلية الألمانية في الموضوع منذ نصف قرن، وأصدرت أمرا بمخاطبة كل النساء الراشدات في الرسائل الرسمية، بكلمة “فراو”، التي تعني السيدة.
وبالتالي أصبح من النادر للغاية بشكل متزايد، استخدام كلمة “فرولاين” في كلّ من ألمانيا الشرقية والغربية. غير أن الألمان أصبحوا يستخدمون تلك الكلمة هذه الأيام بشكل ساخر، سواء عند مخاطبة الفتيات الصغيرات، أو للإشارة إلى المقاهي التي تتبع التقليعات الشبابية، وقد يبدو أنه من الصعب على الكثيرين تخيل حدة المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع وقتذاك.
فخلال تلك الفترة التي مضت، كان الناس يتساءلون عما إذا كانت المرأة غير المتزوجة يمكنها حقيقة أن تمضي قدما وتحصل على اللقب “فراو”.
وفي جلسة لمجلس النواب الألماني “البوندستاج” عقدت عام 1954، قالت الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة ماري إليزايث لودرز إن “هذه القضية ظلت مدرجة في جدول أعمال القضايا العامة طوال نحو مئة عام”، وأشارت التي تدير الجلسة إلى أن هذا التعليق قوبل “بالابتهاج والتصفيق”. وينم اختفاء كلمة “فرولاين” أيضا، عن التوسع في حقوق المرأة.
وغالبا ما كان يتم إطلاق وصف “فرولاين” على المعلمات، حيث كنّ وقتذاك لا يستطعن الزواج حتى يواصلن ممارسة مهنة التدريس، وعندما كانت المعلمة تتزوّج كانت تترك العمل، أما إذا كانت تريد الاستمرار في العمل، فكان عليها أن تحصل على إذن من زوجها، وهو شرط تم التخلي عنه عام 1977 في ألمانيا الغربية.
وزارة الداخلية أصدرت أمرا بمخاطبة كل النساء الراشدات في الرسائل الرسمية، بكلمة "فراو"، التي تعني السيدة
وتقول عالمة اللغويات لويز بوش، إن قلة من النساء كانت مع ذلك تعطي قيمة لهذا اللقب، ففي المراحل الأولى لحركة حقوق المرأة، اختارت بعض النساء النشيطات عدم الزواج، لتجنب الاعتماد على رجل. وتضيف بوش إنهن كن يشعرن بالفخر بأن يطلقن على أنفسهن وصف “فرولاين”، في إطار التأكيد أمام الجميع على استقلاليتهن، وأحد الأمثلة على أولئك النساء الكاتبة أنيت كولب (1870-1967)، التي كانت تصر على أن يخاطبها الجميع بلقب “فرولاين”، إلى أن توفيت عن عمر 97 عاما.
ومن ناحية أخرى تشهد ألمانيا جدلا لغويا جديدا، حيث تطالب الحركات النسائية والناشطات المثليات، بوضع كلمات محايدة من ناحية النوع بحيث تعبر عن كل جنس، بدلا من استخدام الكلمات المذكرة الحالية لتنطبق على الجميع. ولا تفرق اللغة الألمانية بين الجنسين، فمثلا كلمة طبيب تنطبق على الرجل والمرأة على حدّ سواء. وأصبح هناك اتجاه مؤخرا برفض استخدام الكلمات المذكرة للتعبير عن الجنسين، مع محاولة التوصل إلى مفردات أكثر شمولا.
ويؤيد البعض هذا الاتجاه، بينما يرفضه آخرون باعتباره يعبر عن نزعة سياسية مفرطة للمطالبة بالمساواة المطلقة بين الجميع.
وهذا النقاش يطرح سؤالا، عما إذا كانت الدعوة إلى استخدام مفردات جديدة تعبر عن كلّ من الجنسين، ستحقق أهدافها مثلما حدث مع اختفاء كلمة فرولاين من الاستخدام.