كعك العيد عادة تتجدد في منازل المصريين

وسط أجواء احتفالية تصر الكثير من المصريات على تصنيع الكعك في المنزل كعادة يتشبثن بالمحافظة عليها فيجتمعن في منزل واحدة منهن ومعهن بناتهن اللاتي يساعدنهن على إعداد الكعك. وتنخفض كلفة الكعك المنزلي مقارنة بنظيره المجهّز في المخابز العمومية أو الذي ُيباع في المحال التجارية ودكاكين الحلوى. وبإمكان كل أسرة أن تتحكم في محتويات الكعك المصنوع في البيت حسب رغبتها.
القاهرة - يستمر إقبال المواطنين في مصر على كعك العيد مهما كانت هناك من أزمات اقتصادية وارتفاع في تكاليف المعيشة وغلاء فاحش في الأسعار دون النظر إلى أحوالهم، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، ربما تتراجع كمية الشراء، لكن اللافت في الأمر وجود زيادة ملحوظة في معدلات الإقبال على صناعة الكعك المنزلي بعد أن أوشكت تلك العادة على الاندثار وعلى أن تصبح من الماضي.
وأصبح عماد مجدي، وهو صاحب أحد أفران تصنيع المخبوزات، يخصص فترات الليل منذ منتصف شهر رمضان لتسوية مختلف أنواع وأشكال الكعك الذي أتت به سيدات لتسويته في فرنه الضخم، بعد أن قمن بتصنيعه داخل منازلهن، بينما يقوم العمال في فترات النهار يوميا بتسوية الكعك الذي سيتم بيعه جاهزا للمواطنين.
ويداوم مجدي كل سنة على تسوية الكعك لبعض الأسر داخل مخبزه ممن يعيشون في منطقته، لكن هذا العام رصد زيادة في إنتاج وتجهيز الكعك في المنازل، وعن ذلك يقول “هناك أسر جديدة تصنع الكعك في البيوت، وعائلات متوسطة المستوى تقوم بخوض التجربة كأجواء احتفالية لإحياء عادة قديمة في منازل المصريين”.
تسوية الكعك داخل الأفران المنزلية التي تعمل بالغاز الطبيعي تحتاج إلى خبرة دقيقة لا تتوافر في الكثير من سيدات الجيل الحالي
من هؤلاء نادية كامل وهي أم لخمس فتيات جميعهن متزوجات في العاصمة القاهرة، وقررت هذا العام تجميعهن لتصنيع حلوى عيد الفطر داخل منزل العائلة بكميات محدودة، وحرصت على أن تكون هناك معايشة واقعية لتلك العادة القديمة التي لم يعاصرها الأبناء والأحفاد، ليقتربوا من الحياة البسيطة والممتعة التي عاشها الأجداد.
قالت الأم لـ”العرب” إنها تشتري كعك العيد كل سنة من المحال أو المخابز، لكنها أرادت هذا العام تغيير العادة بشراء كميات قليلة للغاية مقابل تصنيع الكمية الأكبر داخل المنزل، وهي تتذكر جيدا طريقة إعداد الكعك ومستلزماته، حيث كانت تشارك عائلتها في تجهيزه وقد عاشت طفولتها في إحدى القرى القريبة من القاهرة.
اتفقت السيدة نادية مع زميلاتها المعلمات في المدرسة على أن تقوم كل منهن بتجميع أولادها وتصنيع الكعك في المنزل لإضفاء بهجة خاصة على شهر رمضان في أيامه الأخيرة، وإحياء ذكريات قديمة كانت فيها فترة الصيام لها مذاق خاص على مستوى التجمعات ومظاهر التكافل والتشارك في كل شيء، وبالفعل التزمت كل معلمات المدرسة بما جرى الاتفاق عليه حول كعك المنزل.
وأبلغ صاحب المخبز “العرب” بأن كلفة الكعك المنزلي أقل بكثير من نظيره المجهّز في المخابز العمومية أو الذي يُباع في المحال التجارية ودكاكين الحلوى، وبإمكان كل أسرة أن تتحكم في محتويات الكعك المصنوع في البيت حسب رغبتها وظروف أفرادها الصحية، فهناك من يستبدلون السكر بمحليات طبيعية لخفض السعرات الحرارية، وهو غير متاح في الكعك الجاهز.
وتتبع الكثير من السيدات نظاما معينا لخفض الوزن وتخسيس الجسم، ويلجأن إلى تصنيع الكعك في المنزل لأن لديهن وصفات خاصة بمحتويات الحلوى التي يمكن تناولها دون أن تسبب لهم مشكلة، كذلك المصابون ببعض الأمراض التي لا تحتمل كميات كبيرة من السكريات والسعرات الحرارية المرتفعة، وهؤلاء أصبحوا من أبرز المصنعين لحلوى العيد في البيوت، حسب قول عماد مجدي.
وتتيح المخابز العمومية تسوية الكعك المنزلي بمقابل مادي معقول، ولا يُكلف الكيلوغرام الواحد ثلاثين جنيها (نحو 75 سنتا) إذا تم وضع مشتقاته من أنواع الحلوى في أوان معدة لذلك، فعملية التسوية من لحظة دخولها الفرن إلى خروجها لا تستغرق خمس دقائق، ما يجعل صاحب المخبز يعد كميات كبيرة في اليوم الواحد، والأمهات أيضا لا يكلفن أنفسهن أعباء مالية مضاعفة نظير التسوية.
وطال جنون أسعار السلع بمختلف أنواعها في مصر كعك العيد بتشكيلاته المتنوعة، ويبدأ سعر الكيلوغرام الواحد من مئتي جنيه (نحو 4.5 دولار) أو أقل بنسب ضئيلة، في حين هناك محال للحلوى رفعت أسعار الكعك هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة بسبب غلاء السكر والدقيق والمشتقات الأخرى المطلوبة، ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من الكعك إلى ألف جنيه (حوالي 20 دولارا)، ويختلف الثمن وفقا للنوع والمنطقة السكنية وشهرة المحل الذي يقدم الكعك جاهزا.
وتوجد أمهات قررن العودة إلى تصنيع الكعك البيتي من خلال التجمع في منزل سيدة واحدة، ويتم إنجاز كميات كبيرة من مختلف أنواع حلويات العيد، ومنها (الكعك والبسكويت والغريّبة والبي تي فور والقرقوشة، وفي النهاية يقمن بتوزيعها على بعضهن البعض، نظير جمع مساهمات مالية لشراء المستلزمات، وكل منهن تحصل على الكعك الخاص بأسرتها، بما يوازي المبلغ الذي دفعته.
هكذا فعلت الأم منال، وكانت آخر سنة لجأت فيها إلى الكعك البيتي وقت جائحة كورونا خوفا من العدوى، وكررت الأمر هذا العام برفقة جيرانها من السيدات اللاتي تحفظن على الفكرة في بادئ الأمر، لكن السيدة منال شجعتهن على العودة إلى الماضي بتذكيرهن ببهجة وفرحة التجمع على طاولات إعداد الكعك والسهر حتى الصباح وسط زحام الأبناء ونغمات أغاني رمضان.
ونجحت الأم في تجميع جاراتها وأولادهن بمنزلها بعد الحصول على موافقة الزوج، حيث تعيش كل السيدات داخل نفس البرج السكني الضخم بحي المطرية الشعبي في القاهرة، وكل واحدة منهن عرضت احتياجاتها من الكعك لهذا العام، هذه تريد ثلاثة كيلوغرامات، وتلك ترغب في خمسة كيلوغرامات، وتم تجميع قيمة المستلزمات المطلوبة للكميات كاملة.
وكان المقترح تصنيع الكعك بالتناوب، وتتجمع السيدات داخل منزل كل واحدة في ليلة معينة، ويساعدنها على إنجاز ما تحتاجه من أنواع مختلفة للحلوى، وهي تقوم بالمثل معهن في بيوتهن، لكن تم الاستقرار على أن تستضيف كل سيدة منهن حفلة التجمع لتصنيع كعك العيد في منزلها كل سنة بشكل أعاد مظاهر التكافل الاجتماعي والمودة والتلاحم بين الجيران خلال رمضان.
وقالت السيدة منال لـ”العرب” إن “كلفة تصنيع الكيلوغرام الواحد من الكعك في المنزل تبدأ من خمسين جنيها (دولار تقريبا)، وهذا السعر يوازي تقريبا 10 في المئة من ثمن الكعك الجاهز في بعض المحال الشهيرة، وبعيدا عن السعر لكل شيء بهجته، وبالنسبة إلى الكثير من الأسر، البسيطة ومتوسطة الحال، لا يكون العيد باعثا على السعادة إلا بإعداد وتجهيز وصناعة الكعك بنفسها دون أن تشتريه في معلبات”.
وتحتاج تسوية الكعك داخل الأفران المنزلية التي تعمل بالغاز الطبيعي إلى خبرة دقيقة لا تتوافر في الكثير من سيدات الجيل الحالي، حسب السيدة نادية كامل، وبالتالي استدعاء المهارة في إعداد الكعك هو ضرورة حتمية، ويصعب على أيّ امرأة أن تنجز المهمة دون خسائر ما لم تكن لديها مهارة وحساسية وصبر وقوة تحمل، وبمجرد حصول أي تقصير في خطوة بعينها تفشل المهمة برمتها.
وعقّبت الأم في حديثها لـ”العرب” قائلة “قد يحترق الكعك في لحظات، ويضيع مجهود ومشقة ساعات طويلة من الصيام، لذلك تقوم بالتسوية المنزلية من هي أكثر خبرة، وإذا لم تتوافر يتم اللجوء إلى المخابز الخاصة الموجودة في المنطقة السكنية، بمقابل مادي بسيط حسب الكمية”.
واللافت أن عادة الكعك المنزلي لم تعد قاصرة على نساء الجيل القديم، بل هناك زوجات شابات قررن خوض التجربة، وما ساعد على انتشار فكرة الكعك البيتي هو حجم مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي للعديد من الخبيرات في الطهو، يتحدثن عن أسهل طرق إعداد مختلف أنواع حلوى العيد داخل المنازل بأقل التكاليف.
وأثارت الفيديوهات الحنين إلى بعض العادات المصرية في رمضان، ويظل الكعك البيتي بأنواعه وأشكاله المختلفة أحد أبرز التجليات في هذا الشهر، ويُتاح لكل سيدة أن تقوم بتنويع نقوش ورسومات الكعك ومشتقاته وإضافة بعض المدخلات عليه أو جعله سادة بلا إضافات، وفقا للحالة الصحية والمزاجية لأفراد الأسرة.
وتظل الميزة الأهم للكعك المنزلي أنه أعاد تشغيل سيدات كن متخصصات في هذه الحرفة قبل سنوات، وكان يتم تأجيرهن بالساعة لإعداد وتصنيع الكعك في المنازل رفقة ربات البيوت، وهذه الفئة من العاملات قد تعمل طوال اليوم، لأن هذه الفترة موسم سنوي للكسب المادي.
وبعيدا عن غلاء مستلزمات تصنيع الكعك ومدى استطاعة كل أسرة مضاعفة الكميات هذا العام بسبب الغلاء، فإن تجمعات الأهالي وقت تجهيز الكعك المنزلي تمثل مصدر فرحة مجانية تعم الجميع وتنسيهم الهموم؛ حيث يتبادلون الضحكات وتسود بين الأبناء والآباء والجيران فرحة استثنائية. ورغم بساطة المشهد، فإنه يُحيي ذكريات اندثرت بمرور الأيام.