"كسكروت الباي".. وجبة تونسية في مهرجان خاص

الأفكار الخلاقة هي التي تُخرج الشباب من طابور البطالة بل تفتح لهم باب الثراء أيضا إذا ما تم تجسيدها بدقة، وهذا ما فعله الشاب التونسي الذي لم يستسلم ولم ينتظر من الحكومة وظيفة بل انطلق بعربة يبيع الوجبات الخفيفة إلى أن اكتسب شهرة وصار اسمه متداولا على مواقع التواصل الاجتماعي وهو اليوم ينظم مهرجانا للوجبات الشعبية التونسية.
تونس ـ يبدو الشارع المزدحم بالناس كساحة سيرك للوهلة الأولى، إلا أن رائحة الطعام الشهي المنبعثة من مأكولات الطباخ التونسي الشاب الحبيب الباي، تنقل المارّة إلى ذكريات المطاعم الراقية.
استطاع الباي واسمه الحقيقي الحبيب حليلة بمهارة أن يمزج خلطته الخاصة بـ“كسكروت الباي” أو سندويتش مع باقي مكونات الأكل الشعبي لتصبح علامة يشتهر بها.
وقال عدد من المارّة الذين اصطفّوا لشراء “كسكروت الباي” إن الخلطة “عجيبة وطيبة ولذيذة”.
وتتميز وجبة “كسكروت الباي” بثراء المكونات، فهي تتألف من خبز وتشكيلة من الخضار واللحم، ومجموعة من البهارات نفاذة الرائحة لا يعرف سرها إلا الشاب الذي رفض أن يستكين للبطالة.
لم يتوقف الشاب التونسي عن الابتكار، فعزم على تطوير الأكل الشعبي ونجح في تنظيم أول مهرجان لأكل الشارع في البلاد.
ومن عمق الأحياء الفقيرة، ومن رحم العوز وصعوبة العيش، فتح الحبيب لنفسه طريقا جديدا ليصبح واحدا من أبرز المتميزين في مجال الأكل الشعبي، بالإضافة إلى شهرته في وسائل التواصل الاجتماعي التي ازدادت بعد أن تم إيقافه عن العمل من قبل الشرطة.
ولم يكن الطريق مفروشا بالورود أمام رحلة النجاح الصعبة. عاش أياما صعبة بعد مصادرة الشرطة لعربته التي ظل يقدم فيها وجباته للمارة، بحجة عدم توفر مقومات الصحة والعمل بشكل غير قانوني.
وتمكّن الباي بعد إجراءات إدارية كثيرة من الحصول على ترخيص وتنظيم تجمّعات في عدد من مناطق البلاد وتركيز شاحنته في العاصمة تونس.
وقال الشاب التونسي “الظروف الصعبة هي من تبني شخصية الفرد وتجعله أكثر قوة، وأكثر تحدٍّ، وصاحب تجربة مؤثرة في الحياة”.
واشتهر الحبيب بـ”كسكروت الباي” خلال سهرات رمضان الماضي، بعد الإفطار وحتى موعد السحور، حيث كان يسرع الكثيرون للحصول على أكلته المميزة قبل أن تنفد، في طوابير طويلة تدوم لساعات.
وظلّ الشاب التونسي يحلم برد الاعتبار للأكل الشعبي في تونس، غير أنه لم يكن يتوقع يوما أن يكتسب هذه الشهرة.
ووصل به الطموح إلى حد تنظيم مهرجان “مأكولات الشارع” للمرة الأولى بتونس.
وفي الثاني من يوليو الجاري أقيم المهرجان وسط حضور جماهيري كبير وأجواء احتفالية، جعلت من قلب العاصمة كرنفالا للاحتفاء بـ”كسكروت الباي”.
ولا يبعد وسط العاصمة عن ساحة قوس “باب البحر” التي ازدانت بعربة جديدة صممت خصيصا للحدث الذي اعتبره الحبيب استثنائيا في تاريخ مأكولات الشارع في تونس.
وكان وفيّا لعربته القديمة التي رافقته طوال أيام صعبة مرّ بها، فظلّت هي الأخرى في الجانب الآخر من الساحة لتكون مكانا لحجز التذاكر.
وعلى اختلاف أعمارهم، اختار جمع غفير من الناس الانتظار في طابور طويل، بغية الحصول على تذكرة لدخول المهرجان والظفر بتذوق أكلة الباي التي وصلت أصداؤها إلى محافظات أخرى.
وقال الحبيب “هذا المهرجان الأوّل من نوعه في تونس، آمن به كثير من التونسيين وقاموا بتشجيعنا على بلوغ هذه الخطوة”.
وأضاف “ستكون هناك وجهات أخرى للمهرجان، وستقام تظاهرات للأكل الشعبي في عدة محافظات”.
وتابع “مأكولات الشارع تدفع للإبداع وتخلق اختصاصا يميزك عن غيرك”.
الوجبة تتميز بثراء المكونات، فهي تتألف من خبز وتشكيلة من الخضار واللحم، ومجموعة من البهارات لا يعرف سرها إلا الشاب الذي رفض أن يستكين للبطالة
وزاد “أن تمر بظروف صعبة وتفشل فتلك ليست نقطة النهاية أبدا، وإنما هي البداية والانطلاقة لقصة نجاح جديدة”.
ودعا الشباب التونسي إلى “ضرورة الإيمان بالوطن والتعب من أجل بلوغ أحلامهم وتحقيق أهدافهم من أجل النهوض بالبلاد”.
وأوضح “من الممكن أن أكون عبرة للكثيرين فما مررت به ليس سهلا”، مضيفا،
“أحب فعلا عملي، ولدي الكثير من الأفكار لتنمية المشروع الذي يمكن أن يكون مصدر إلهام للعاطلين عن العمل”.
هبة الشابي شابة تونسية جاءت للمهرجان لتذوق “كسكروت الباي” قالت “كانت للمهرجان أصداء عالية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل كان حديث وسائل الإعلام خلال شهر رمضان الماضي، وجئت إلى هنا لأكتشف بنفسي”.
وأضافت “يجب أن نشجع مثل هذه المشاريع الشبابية، حتى لا يكون هناك أحد عاطل عن العمل، أو مكتوف اليدين أمام صعوبات الحياة”.
وتقول نزيهة بهلول (51 عاما) وهي تقف في الطابور تنتظر دورها للحصول على وجبتها، “أحسن هذا الشاب الفعل وصمد أمام العقبات. إنه يعطي المثال الجيد للشباب الذي يفكّر في مغادرة البلاد. (…) إنه قصة نجاح رائعة”.