كرنفال الانتخابات انتهى وبقيت أزمات المصريين

القاهرة- اختتمت انتخابات الرئاسة المصرية في الداخل الثلاثاء، بعد ثلاثة أيام طغت عليها أجواء كرنفالية في لجان شهدت إقبالاً من ناخبين كانوا في حاجة إلى تخفيف الضغوط الواقعة عليهم جراء أزمات اقتصادية وتوترات إقليمية متصاعدة، وهو ما يجعل “نزهة” الانتخابات مؤقتة ينتظر بعدها المصريون إجراءات أكثر صرامة.
ورصدت الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات الرئاسية المصرية، مع انتصاف اليوم الثاني للاقتراع (الاثنين)، مشاركة 45 في المئة من إجمالي المسجلين في قاعدة الناخبين من بين 67 مليون مواطن لديهم حق التصويت، ما يعني وجود فرصة لتشهد هذه الانتخابات زيادة تتجاوز معدل المشاركة في الانتخابات السابقة.
وواجهت أحزاب وشخصيات داعمة للحكومة اتهامات بحشد أعداد كبيرة من الناخبين على مدار أيام الانتخابات، وتقديم رشاوى عينية للتصويت للرئيس عبدالفتاح السيسي.
وتخللت المشهد الانتخابي المصري عدة ظواهر، من بينها كثافة الاحتفالات وقت الاقتراع وبالقرب من اللجان المخصصة للناخبين، وهو ما ساد في انتخابات سابقة بهدف إيصال رسالة مفادها التقليل من حدة القلق المحلي، وأن المشكلات الراهنة يمكن التعامل معها، وأنّ التشاؤم لدى قوى معارضة في غير محله.
أحزاب وشخصيات داعمة للحكومة واجهت اتهامات بحشد الناخبين، وتقديم رشاوى للتصويت للسيسي
وظهرت هواجس المصريين أكبر من مجرد نزولهم إلى مقرات الاقتراع، فما يعنيهم هو تحسن أوضاعهم المعيشية بصورة ملموسة.
وحافظ النظام الحالي على قدر من شعبيته، على الرغم من تعدد المتاعب الاقتصادية بعد أن بات معروفاً للمواطنين أن البدائل أكثر فداحة؛ لأن الدخول في صراعات واتخاذ إجراءات غير متوقعة مع أزمات اقتصادية محتدمة وتهديدات حدودية كبيرة، أمور عواقبها غير معروفة.
وقد تتبدل صور الكرنفالات في أي لحظة تمضي فيها الحكومة قدما نحو زيادة حدة الضغوط الاقتصادية، وليس من المستبعد أن تشهد الأيام المقبلة زيادات جديدة في أسعار الخدمات والكهرباء والوقود والمواد الغذائية، وتخفيضا “مؤلما” في قيمة الجنيه للحصول على المزيد من التمويلات من صندوق النقد الدولي وجهات مانحة أخرى.
وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن أكثر ما يخشاه المصريون بعد الانتخابات هو غموض الأوضاع في قطاع غزة، وإن نتائجها تشغل بال الجميع، وتطال البسطاء والمثقفين وكل من تشغلهم هموم الأمن القومي، لأن التصرفات الإسرائيلية والحالة الإنسانية القاسية قد تضطران الفلسطينيين إلى الفرار نحو الحدود المصرية، ما يضع الرئيس الجديد أمام خيارات صعبة.
وأضاف سامي في تصريح لـ”العرب” أن “الدولة المصرية أثبتت للمواطنين أنها تتصرف بقدر كبير من الحكمة، وتبقى تساؤلات حول مدى صمود هذه الحكمة، وهل هي كافية إذا حدثت تطورات أشد صعوبة على الحدود تفضي إلى عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء؟”.
وشدد على أن المصريين واثقون من أن الإدارة التي تعاملت مع الملف الاقتصادي طيلة السنوات الماضية مستمرة في المستقبل القريب، وسوف تتحمل مسؤولياتها للخروج من نفق الأزمات الاقتصادية بعد أن أضحت مصر في مقدمة الدول التي تعاني من ارتفاع معدل التضخم الذي اكتوت به جيوب المواطنين.
وتحمل بدايات الفترات الرئاسية عددا من المؤشرات التي تطمئن المواطنين، لكن يبدو الأمر صعبا مع هذه الانتخابات، في ظل توقعات بأن تكون الفترة الجديدة شاهدة على مساع لتوظيف صورة المشهد الانتخابي في دعم القيادة السياسية.
ولفت سامي إلى أن المواطنين ينتظرون حدوث انفراجة سياسية عقب انتهاء الانتخابات، فلا توجد مبررات للتضييق الذي تمارسه جهات حكومية على العمل العام.
وتابع “هناك جهات رسمية ترى ضرورة وجود تحوط أمني دون أن ينعكس على ملف مثل المحبوسين احتياطيّا والمحتجزين على ذمة قضايا رأي، وثمة فرصة لتطور مهم في ملف الحريات العامة وإتاحة هامش حركة أكبر أمام وسائل الإعلام”.
ومن المقرر إعلان النتائج في الثامن عشر من ديسمبر الجاري، مع ضرورة حصول أحد المرشحين الأربعة على الأغلبية المطلقة لتجنب إجراء جولة إعادة يناير المقبل.
وفاز السيسي في الدورتين الرئاسيتين السابقتين عامي 2014 و2018 من الجولة الأولى بعد حصوله على 97 في المئة من الأصوات. ودخل السباق مع السيسي ثلاثة مرشحين، هم: فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري.
وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) عبدالحميد زيد أن القلق الذي يسيطر على المصريين “طبيعي وصحي؛ فمن يفكر في صياغة مستقبل دولة بها نحو 110 ملايين شخص يدرك حجم المخاطر الخارجية التي تحيط بها والمشكلات الاقتصادية الضاغطة، لكن ذلك لا يجب تفسيره على أنه خوف سلبي أو مرضي فالصورة العامة للانتخابات ظهرت على عكس ذلك”.
وأوضح لـ”العرب” أن “قطاعات كبيرة من المواطنين لديها أمل في أن النظام الذي حافظ على تماسك ووحدة الدولة وقت انفلات داخلي واسع ودول مجاورة حافلة بالصراعات قادر على المرور بالمجتمع إلى بر الآمان، مع إدراك المواطنين تعاظم الأزمات وطول أمد الحلول”.