كرة القدم في ليبيا تفقد نكهتها

طرابلس - منذ مدة غير قصيرة، لم يمر على الكرة الليبية أسوأ من سبتمبر 2024، فلم ينته الشهر حتى خسر آخر فريقين محليين "أهلي طرابلس والهلال” فرصة الاستمرار في المسابقات الأفريقية بعد خروجهما من الدور التمهيدي الثاني لكأس الكونفدرالية.
وبسرعة لحق الفريقان بأهلي بنغازي والنصر اللذين غادرا دوري أبطال أفريقيا من الدور التمهيدي الأول بداية الشهر، وتزامن ذلك مع تضاؤل احتمالات منافسة المنتخب على مكان في كأس أفريقيا 2025 بالمغرب بعد تعادل بطعم الخسارة أمام جماهيره ضد رواندا جعله يختم الشهر بتذيل ترتيب مجموعته. فما الذي دفع الكرة الليبية لهذا الحضيض؟ وهل هناك تفكير جدي لحل مفارقة الجمهور العريض والنتائج الخارجية الصفرية؟.
ويوجز الخبير والإعلامي والمُعلق الرياضي، صلاح بلعيد أهم عوامل تدهور المستوى الفني وتراجع النتائج في عدة نقاط، منها: “عدم انتظام الدوري الممتاز بالشكل الذي يطور اللعبة ويتماشى مع المسابقات القارية للأندية والمنتخبات”، كالموسم الماضي الذي انتهى في يوليو، وكذلك “قلّة الاهتمام بالناشئين وغياب منتخبات الشباب بمختلف فئاتها، وفقدان فرص مشاركتها واحتكاكها دوليا”، فضلا عن “عدم كفاءة أغلب الإداريين، والتسرّع في تغيير المدربين”. ويقول في لهجة المستغرب، "تم تكليف 14 مدربا للمنتخب خلال السنوات العشر الأخيرة .. هل هذا معقول! ".
وتظل هذه العوامل “على أهميتها” أقل تأثيرا في نظر كثيرين من ضمنهم بلعيد، بالمقارنة مع مُعضلة استمرار تنظيم الدوري الممتاز “من مجموعتين”، على خلاف السابق والمعهود في عالم الكرة. "هنا تكمن العَقَبَة الأكبر بحسب من حاورتهم (د.ب.أ)”، فالأمر مرتبط إلى حد كبير بالمشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعاني منها ليبيا منذ عام 2011، فمنذ ذلك التاريخ؛ غابت الجماهير عن الملاعب بذريعة الخوف من السلاح المنتشر، لكن أول دوري نُظِّم عقب ذلك (2013/2014) كان بمجموعة واحدة كالعادة، إلا أن الحرب الأهلية التي نشبت منتصف 2014 وشَرَخَت نسيج البلاد قَسَّمت بنتائجها الدوري إلى مجموعتين: شرقية وغربية من 11-12 فريقا لكل مجموعة، على أن يصعد الثلاثة الأوائل لدوري سداسي يُنظم عادة خارج البلاد، بسبب الحساسية السياسية بين شطريها كما يبدو، وتحاشيا لأي أعمال عنف قد تقع، ولهذا، لا يتوقع عضو لجنة المسابقات بالدوري الممتاز، حمد صميدة، نهاية قريبة لنسق المجموعتين، إلا أنه يثني على النجاح في تنظيم الدوري دون انقطاع لثلاثة مواسم متتالية، وأيضا إعادة الجماهير للمدرجات بالموسم الأخير، باستثناء مباريات الديربي.
يقول أحد قُدامى رابطة مشجعي نادي أهلي طرابلس هشام الماوي “رغم شوقنا للتنافس المباشر مع فرق المنطقة الشرقية والحنين لمشاركة الجمهور ديربي وكلاسيكو طرابلس وبنغازي، تطغى الخشية على تطور الأمور للأسوأ، وتدفعنا لتحمّل النسق الحالي على مضض، لحين تحسن أوضاع البلاد”. أما الإعلامي بلعيد فيؤكد إمكانية تنظيم مسابقة من مجموعة واحدة ويضيف، “لا توجد أعذار، لدينا اتحاد كرة واحد، والنظام الحالي لا يلبي الطموحات التي تهدف إلى أن تكون الرياضة أحد سبل إعادة اللحمة والتعالي على الفُرقة”.
ومع المشاكل المتعاقبة، يبدو أن الدوري الممتاز سيواجه انطلاقا من سبتمبر تحديا جديدا فرضه اتحاد الكرة هذه المرة، ففي منتصف الشهر أصدر الاتحاد قرارا بإضافة 7 فرق لكل مجموعة، وبِمُجمل 36 فريقا. وبشكل شبه جماعي، رفضت الأندية الكبرى في عموم البلاد هذا القرار، بل لَوَّحت بعدم المشاركة في الموسم الجديد حال العمل به، فيما طالب بعضها بإقالة رئيس اتحاد الكرة، واتهموه بخلط الأوراق وتوظيف الاتحاد لتحقيق مصالح شخصية.
ومن داخل اتحاد الكرة، أعلن نائب رئيس مجلس الإدارة و 3 أعضاء عن استقالتهم، رَفضا للقرار، ودَفعا نحو عدم شرعنة إصداره. أما في الشارع، فقد رصدت (د.ب.ا) اتحادا وتلاحما غير معهودين بين جماهير أكبر النوادي والخصوم: أهلي طرابلس والاتحاد وأهلي بنغازي والنصر في مواجهة القرار، بحجة أنه سيضاعف مدة الدوري دون جدوى، ويضيِّق الخناق على المشاركات الخارجية.
ومع كل موجة الرفض، يبدو أن القرار “سيأخذ طريقه للتنفيذ”. هذا ما أكده صميدة للوكالة. ويفسر تأكيده هذا بالقول: “الأندية المستفيدة ستدفع باتجاه تنفيذه، بل ستسعى لاستمرار ذات الاتحاد في قيادة الدفة”. ومن داخل لجنة القيد باتحاد الكرة، لا يستبعد أحد الأعضاء تمرير القرار. ويرفض العضو إبراز اسمه، لكنه يؤكد أن الغرض كان “الدفع لاستمرار اتحاد الكرة بِيَدِ النوادي الصاعدة للممتاز والأخرى التي ستحل محلّها بالدرجات الأدنى”.
◙ أهم عوامل تدهور مستوى كرة القدم الليبية عدم انتظام الدوري الممتاز بالشكل الذي يطور اللعبة ويتماشى مع المسابقات القارية للأندية والمنتخبات
ومن لُبِّ هذه المخاوف كما يظهر، برزت دعوات لإعادة النظر في قوانين التصويت داخل الجمعية العمومية للكرة. وتتكون الأخيرة من مندوبين عن 120 من نوادي الممتاز، والدرجات: الأولى والثانية والثالثة، بنفس مستوى التمثيل وقوة التصويت، في صورة تثير الاستغراب حول مدى وجاهة تسوية نواد جماهيرية كبرى تحرز الألقاب محليا وتنافس إقليميا وتغذي المنتخب، بأخرى صغيرة أو حديثة أو حتى غير معروفة.
ومن جانب آخر، يُدافع صميدة عن وِجهة نظر اتحاد الكرة بأن القرار "جاء لتوفير تنافس أكثر واحتكاك يزيد من وتيرة اللعبة ويخدم المنتخب"، مؤكدا جاهزيتهم لإطلاق الدوري في الثلث الأخير من أكتوبر، وبُعَيد إنهاء المنتخب بعض مباريات تصفيات كأس أفريقيا. أما عن مراجعة القوانين فيشير صميدة إلى أن الجمعية بصدد مناقشة مذكرة مُقدمة من الفيفا غرضها تصنيف أندية الممتاز داخل الجمعية بخمس نقاط، مقابل ثلاث نقاط للأندية الأدنى.
وفي المجمل، لا يختلف من حاورتهم (د.ب.أ) في أن البدء التدريجي بإعادة الجماهير للمدرجات خلال الموسم الأخير، وإنهاء صيانة ملاعب واقتراب الانتهاء من أخرى، فضلا عن اعتماد الملاعب المحلية دوليا بعد طول منع؛ ساعدت على توفير متعة وسّعت نطاق الآمال. والآن، ومع تداعي الأمور بسبب الخلاف المتصاعد بين الأندية الكبيرة مدعومة بجماهيرها، والصغرى المدعومة باتحاد الكرة؛ تنتظر الجماهير موسما آخر لم تتضح بعد حتى ملامح المشاركين فيه، وعينها على القادم من المنافسات بعد خسارة كل شيء تقريبا في 2024.