كرات الكريكيت تقفز فوق قدسية الأبقار في الهند

في الوقت الذي تشتهر فيه الهند بلعبة الكريكيت تشتهر أيضا بصناعة كرة هذه الرياضة التي تتابعها جماهير غفيرة في آسيا. لكن صناعة كرات الكريكيت من جلود الأبقار في الهند لا تحترم مشاعر الهندوس الذين يمثلون الأغلبية الدينية.
ميروت (الهند) – لا يحبّذ الكثر من الهندوس الذين يشكّلون غالبية سكان الهند صناعة كرات الكريكيت من جلود الأبقار، وهي مهنة بونتي ساغار، نظراً إلى كونهم يعتبرون هذه الحيوانات مقدّسة.
وبسبب هذه القدسية يتولى القيام بمهنة ساغار أشخاص لا يمانعون في استخدام جلود الأبقار لصناعة هذا النوع من الكرات مقابل أجر زهيد ومن دون أي تقدير، بل على العكس تمامًا.
ويتلقى العاملون في هذا النشاط الرتيب والمتكرر تهديدات منتظمة من جانب القائمين على حملات لحماية الأبقار يطلقها ناشطون هندوس يسعون إلى حظر ذبح هذه الحيوانات المجترة.
في بادئ الأمر تابع ساغار، البالغ من العمر 32 عاما، تحصيلاً علميّا لكي لا ينتهي به الأمر إلى احتراف مهنة صناعة الجلديات، وظيفة والده، لكن بعد وفاة الأخير في سن مبكرة اضطر ابنه إلى مواصلة المهنة لإعالة عائلته.
ويوضح هذا الهندوسي، وهو يتصبب عرقا في ورشة صغيرة خانقة تضم معه ستة عمال آخرين يشكّلون الجلد حول قلب من الفلين لكرات الكريكيت، “لا أشعر بأي شيء سلبي تجاه عملي”.
ويظهر ساغار ولعًا شديدا برياضة الكريكيت، على غرار الملايين من مواطنيه، لكنّه لن يجد وقت فراغ لمشاهدة بث مباريات بطولة كأس العالم للكريكيت التي ستستضيفها الهند من 5 أكتوبر حتى 19 نوفمبر القادمين.
ويشرح قائلا “أحب مشاهدة لعبة الكريكيت، لكننا مشغولون للغاية، فأنا أعمل ثماني ساعات يوميا، سبعة أيام في الأسبوع”، مضيفا “عملي يوفر انتظام الوضع في أسرتي”.
وتقريبا تُصنع جميع كرات الكريكيت الهندية يدويّا بعناية في ولاية أوتار براديش، في ميروت مسقط رأس ساغار، والتي لا تبعد كثيرا عن نيودلهي.
ويعتمد اقتصاد المدينة بشكل كامل تقريبا على إنتاج كرات الكريكيت، مع ما يقرب من 350 شركة، بحسب أرقام حكومية.
وتحتل شركة سانباراي غرينلاندز، التي يعمل فيها ساغار، موقعا رياديا داخل السوق في مجال تصنيع الكرات المخصصة لبطولات الكريكيت المحلية في الهند.
ويعتمد نجاحها على العمالة الوفيرة والرخيصة، ما يجنّب الاعتماد المتزايد على الآلات، كما هو الحال في بلدان أخرى.
وقال صاحب الشركة بهوبندر سينغ “إن اليد العاملة هي التي توصل عملية تصنيع الكرة برمتها إلى نتيجة رائعة”.
وهذا العمل مخصص تقليديّا لأعضاء فئة جاتاف، في أدنى درجات النظام الطبقي المتوارث منذ قرون في الهند، والمكون من مجموعات وراثية وهرمية تعتمد على التزاوج اللحمي (الزواج بين أشخاص مرتبطين برابط الدم حصرا).
وفئة جاتاف جزء من أفراد طائفة الداليت في الهند البالغ عددهم 200 مليون نسمة، والذين كانوا يطلق عليهم ذات يوم اسم “المنبوذين”.
وحُظر هذا المعيار التمييزي في عام 1950 من جانب مؤلف الدستور الهندي بي آر أمبيدكار، وهو محام دافع عن حقوق مواطنيه الداليت. وتزين صور أمبيدكار، الذي يكنّ له ساغار احتراما كبيرا، جدران الكثير من ورش العمل في ميروت. لكنّ العمال الذين يريدون أن يرث عنهم أطفالهم هذا العمل قليلون.
وكانت ميروت مركزا مهما لإنتاج السلع الرياضية الهندية منذ تقسيم الهند البريطانية الذي أدى إلى استقلال الهند وباكستان في عام 1947. ويؤكد سينغ أن “الناس بحاجة إلى الدخل، خصوصا وأن فرص العمل محدودة في هذه المنطقة”.
وكان سينغ يأمل في توسيع نطاق أعماله التي بدأها جده، لكن منذ وصول الحكومة القومية الهندوسية برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة سعى الهندوس المتطرفون إلى حظر ذبح المواشي، وهو نشاط تهيمن عليه الأقلية المسلمة في الهند.
وكانت لحملاتهم في بعض الأحيان عواقب دموية. فقد أُعدم مسلمون للاشتباه في تورطهم في تجارة لحوم البقر على يد حشود من الهندوس الغاضبين، بما في ذلك في ميروت.
وقفز سعر الجلود المدبوغة، التي أصبح توريدها صعبا، بنسبة 50 في المئة العام الماضي. ونتيجة لذلك تحول البعض إلى جلود الجواميس والثيران.
ويحرص أشيش ماتا، تاجر السلع الرياضية بالجملة في ميروت، على الإشارة إلى أن منتجاته ليست مصنوعة من جلود الأبقار، لكنه يلفت النظر إلى أن قطاع صناعة السلع الجلدية في البلاد لا يلتزم بهذا المحظور. ويقول “يُستخدم الجلد في صناعة الكثير من المنتجات: الأحذية، والأحزمة، والحقائب، والمحافظ، وحتى كرات الكريكيت؛ لذلك لا أرى مشكلة”.
