كراتشي تغرق في النفايات بعد رحيل الأفغان

المهاجرون الأفغان في كراتشي  كانوا يجمعون النفايات التي تعد من الخيارات القليلة المتاحة أمامهم لكسب المال الكثير.
الثلاثاء 2023/11/28
من سيزيل القمامة بعدهم

كراتشي (باكستان)- لم يتمكن عبدول المهاجر الأفغاني في كراتشي من نيل قسط وفير من النوم منذ أسابيع. وهو يواجه الآن الترحيل، وقد شارف عمره على الخمسين عاما، إلى البلد الذي فر منه عندما كان طفلا. ويتهدّده بذلك خطر إضاعة الحياة التي بناها في باكستان.

وقال عبدول الذي يشتري الخردة من جامعي النفايات الأفغان المقرر أن يُطرد الآلاف منهم من باكستان ضمن حملة كبيرة ضد المهاجرين غير الشرعيين “لا أعرف ما إذا كانت لدي القوة للبدء من جديد”.

وسارع كثيرون إلى المغادرة قبل الموعد النهائي المحدد في 1 نوفمبر، أو اختبأوا لتجنب القبض عليهم، مما أوقف عمل عبدول فعليا.

◙ مضايقة الأفغان الفقراء واحتجازهم يشكلان مصدرا كبيرا لكسب المال بالنسبة إلى الشرطة

وقال عبدول، طالبا عدم استخدام اسمه الكامل، بينما كان يمرر مسبحة بين أصابعه بقلق “لم يكن هناك عمل في الشهرين الماضيين”. وانخفض دخله من 30 ألف روبية باكستانية (104 دولارات) في اليوم إلى 5 آلاف روبية.

ويفكر في المغادرة إلى المدينة قندوز الواقعة في شمال أفغانستان حيث ولد، وقال إن الأمر سيكون مثل العيش في بلد أجنبي. 

وتعدّ كراتشي أكبر مدينة في باكستان ويبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة. وتبقى موطنا لمئات الآلاف من الأفغان الذين يكسب الكثير منهم المال من جمع النفايات، فهي من الخيارات القليلة المتاحة للمهاجرين غير الشرعيين.

وقالت شيزا أسلم وهي رئيسة الأبحاث في معهد البلاستيك الدائري في كلية كراتشي للأعمال والقيادة “هم وقعوا في فخ هذا العمل بسبب سياسة الحكومة تجاه اللاجئين الأفغان”.

وأكّدت وجود ما لا يقل عن 43 ألف شخص من جامعي القمامة غير الرسميين الذين يعملون في كراتشي، معظمهم من الأفغان، محذرة من “كارثة على الصحة العامة” إذا غادروا.

وقال شعيب مونشي عضو جمعية مصنعي البلاستيك الباكستانية إن رحيلهم سيعرقل الجهود المبذولة لإعادة تدوير المزيد من نفايات المدينة.

◙ رحيل الأفغان سيعرقل الجهود المبذولة لإعادة تدوير المزيد من نفايات كراتشي
رحيل الأفغان سيعرقل الجهود المبذولة لإعادة تدوير المزيد من نفايات كراتشي

وأضاف “ستكون محطات نقل القمامة محملة فوق طاقتها وسوف تتدفق إلى الطرقات والمصارف وسنشهد المزيد من حرقها. وسيتسبب ذلك في انتكاسة كبيرة للاقتصاد الدائري”. وحث حكومة المدينة على التحرك بسرعة لسد الفجوة التي يخلفها العمال المهاجرون.

وقال مسؤول في مجلس إدارة النفايات الصلبة بالإقليم إن هناك خططا جاهزة لسد الفجوة في العمالة. وصرّح شريطة عدم الكشف عن هويته “كانت لدينا خطة جاهزة قبل وقت طويل من إعلان ترحيل الأفغان. ويمكن للقائمين بإعادة التدوير الآن الشراء منا مباشرة”.

ويخشى بعض المهاجرين الأفغان الترحيل إلى موطنهم الأصلي مع وصول حركة طالبان إلى السلطة. وينتشر القلق بين الذين ينتمون إلى جماعات مضطهدة مثل أفراد طائفة الهزارة ذات الأغلبية الشيعية.

ويرى آخرون أن حالهم أفضل في باكستان التي تبقى الموطن الوحيد الذي عرفه الكثير من الشباب الأفغان. وهم لا يريدون المغادرة.

وقال موسى البالغ من العمر 20 عاما، والذي ولد في باكستان ولم يزر أفغانستان يوما “يطلب منا أقاربنا ألا نأتي، لكن ليس أمامنا خيار كبير”.

وكان يكسب مع شقيقه حوالي 120 ألف روبية شهريا بفرز القمامة وبيع أي شيء يحمل قيمة في إعادة تدويره، مثل الورق المقوى والزجاجات المعدنية والبلاستيكية.

ويحمل الشقيقان بطاقات المواطنة الأفغانية، وهي وثيقة حكومية تسمح لهما بالإقامة بشكل قانوني في باكستان والتمتع بالخدمات العامة، والعمل في الاقتصاد غير الرسمي.

لكن الأفغان الذين يعيشون قانونيا في باكستان يخشون من احتمال إجبارهم على المغادرة أيضا.

وأثارت تعليقات وزير الإعلام في ولاية بلوشستان جان أشاكزاي الأخيرة مزيدا من القلق بين المهاجرين، حيث أشار إلى خطط لترحيل الأفغان المسجلين.

وبعد أن اعتقلت الشرطة موسى وأخاه، قرر والداه أن على الأسرة حزم أمتعتها والتوجه إلى قرية أجدادها في قندوز طوعا في غضون أيام.

وقال موسى مشيرا إلى المنطقة المتداعية خلف ميدان العاصف في كراتشي، حيث يعيش العديد من السكان الأفغان في المدينة “أكثر ما سأفتقده حقا هو هذا الحي وأصدقائي”.

وأكّد رحيل العديد من العائلات الأفغانية بالفعل من كراتشي. وقال “إنها مدينة أشباح الآن”، مضيفا أنه يخشى أن تكون الحياة أصعب في أفغانستان، خاصة خلال أشهر الشتاء الباردة”.

◙ 43 ألف شخص من جامعي القمامة غير الرسميين الذين يعملون في كراتشي معظمهم من الأفغان
43 ألف شخص من جامعي القمامة غير الرسميين الذين يعملون في كراتشي معظمهم من الأفغان

وتنتاب مخاوف مماثلة غول البالغ من العمر 60 عاما، وهو عامل سابق في جمع النفايات. وقال “أخبرنا الذين رحلوا أنهم يعيشون في الخيام وفي ظروف بائسة. نحن لا نمتلك منزلا في أفغانستان”.

وبعد احتجاز موسى لفترة قصيرة قبل ستة أسابيع، قال إنه استرجع حريته بعد أن دفع 20 ألف روبية للشرطة التي اعتقلته. وبعد يوم واحد، ألقت الشرطة القبض على شقيقه وأطلقت سراحه بعد أن دفع 5 آلاف روبية.

وقالت مونيزا كاكار وهي محامية حقوق الإنسان المقيمة في كراتشي “إن مضايقة الأفغان الفقراء واحتجازهم يشكلان مصدرا كبيرا لكسب المال بالنسبة إلى الشرطة”.

وردا على طلب للتعليق، قال ضابط الشرطة الكبير في كراتشي سيد أسد رضا إن مزاعم الرشوة “لا أساس لها من الصحة”، مضيفا أنه قد تكون هناك بعض الحالات المعزولة، إلا أن تضخيم المسألة “يحدث بشكل غير متناسب”.

وبينما يستعد موسى وعائلته للمغادرة، قال إنه يشعر بالغضب لعدم التمتع بالوقت الكافي للتعامل مع الممتلكات التي قضوا سنوات في تجميعها.

وقال إنهم باعوا مؤخرا منزلهم وكشكا للوجبات السريعة وستة ماعز وثلاجة جديدة مقابل جزء بسيط من قيمتها. وأضاف “يستغل الجميع محنتنا”.

16