كثرة التحديات تقوض ازدهار تجارة التمور السودانية

يواجه قطاع التمور في السودان صعوبات كبيرة بالنظر إلى التحديات الكثيرة رغم المبادرات الحكومية القليلة لإنقاذه، في ظل تكاليف الإنتاج وتراجع الأسعار بعد أن كان ذا جدوى اقتصادية كبيرة خلال سنوات خلت كونه يوفر إيرادات مهمة للمزارعين والبلد.
الخرطوم – تتزايد محن منتجي التمور في السودان بعدما تبددت طموحاتهم في أن يتمكنوا من الابتعاد تدريجيا عن المكبلات التي تعيق ازدهار إنتاج التمور بعد أن صارت مقلقة بشكل بالغ في السنوات الأخيرة.
وشهد موسم حصاد هذا العام تكدسا في كمية التمور المنتجة وركودا في الأسواق، مما دفع المزارعين والمنتجين إلى زيادة الضغوط على الحكومة لإنشاء سوق مركزي وبورصة للتمور، إضافة إلى دعم مجالات التعبئة والتغليف والتخزين والتصدير.
ولا يبدو أن التكاليف المرتفعة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا سبب وحيد في ذلك، بل ثمة عوامل داخلية متعلقة بالأزمات المركبة فضلا عن ضعف العملة المحلية أمام الدولار جراء سياسة التعويم.
ويقول نصرالدين حسين عضو المكتب التنفيذي لجمعية فلاحة ورعاية النخيل إن موسم الحصاد للتمور شارف على الانتهاء وهو مبشر بإنتاج جيد.
لكنه عدّد خلال تصريحات لوكالة الأنباء السودانية الرسمية المشاكل التي تعترض أصحاب مزارع التمور ومن أهمها تدني الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج والتخزين.
وبحسب المسؤول يتراوح سعر الشُوال سعة خمسين كيلوغراما من صنف البروكاوي بين 20 و50 ألف جنيه (35.4 و88.5 دولار)، أما أسعار الأصناف الأخرى مثل الجاو والعجوة فإن أسعارها تتراوح بين 5 و7 آلاف جنيه.
وتعد الأصناف الجافة والنصف جافة الوحيدة تقريبا المزروعة بالبلد، الذي يواجه مجموعة من الأزمات المالية والاقتصادية. ومن أشهرها البركاوي والكلم وتمودا وقنديل.
ونظرا إلى عدم إدخال أصناف جديدة إلى السوق المحلية، وعدم وجود مصانع حديثة لمعالجة وتعليب التمور وإنتاج صناعات تحويلية للمحصول تراجع السودان كثيرا عن الركب.
ومن ضمن المشاكل الأخرى الحشرة القشرية التي عادت بقوة، حيث تتزايد الضغوط على السلطات بالتدخل العاجل لإنقاذ المزارع في هذا الموسم، بجانب إشكالية التخزين، حيث يهدد السوس في الشتاء المحصول بصورة مباشرة.
وقال حسين إن “المزارع لا يملك تمويلا ولا مخازن ولا أسمدة ولا تعقيم لحفظ البلح من السوس، إضافة الى ارتفاع كلفة التعقيم”.
كما أشار إلى عدم الاستقرار في مشروع الغابة الزراعي، الذي أطلقته الحكومة، علاوة على عدم توفير الري المنتظم والمشاكل الفنية والإدارية.
وتنتشر زراعة التمور بالبلاد في ثلاث ولايات (محافظات) رئيسية هي شمال دارفور ونهر النيل والشمال، وتنتج مجتمعة ما يقارب 80 في المئة من المحصول، بينما يتوزع باقي المحصول في ولايات الخرطوم وكسلا والبحر الأحمر والجزيرة.
ويعيش أكثر من مليون سوداني على زراعة النخيل، وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن المنطقة الشمالية تنتج لوحدها أكثر من 18 نوعا من التمور.
فالمنطقة الممتدة من حدود مصر وحتى منطقة نوري جنوبا تنتج الأصناف الجافة، فيما تنتج المنطقة الممتدة من أبوحمد حتى الخرطوم الأصناف الرطبة وشبه الجافة.
ويقول خبراء زراعيون إن امتداد المساحات المزروعة بالنخيل بالبلاد يجعل التمر قابلا لأن يصبح محصولا إستراتيجيا مهما، لكن وبحسب خبراء فإن هذا القطاع بحاجة إلى دعم من قبل الدولة وليس المزارع البسيط وحده.
ووفق ما تظهر التقديرات، يحتل السودان المركز الثامن عالميا في إنتاج التمور بواقع سنوي يبلغ في المتوسط قرابة 430 ألف طن من حوالي ثمانية ملايين نخلة موزعة على كامل البلاد، ولكنه لا يصدر سوى 5 في المئة منه.
وإلى جانب الظروف الراهنة، ثمة شق من المنتجين يرون أن مشكلة التسويق تشكل عائقا أمام تصريف الإنتاج من خلال ضعف اللوجستيات أو حتى من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة والذي لا يكفي.
ولذلك يعتقد المنتجون ومن بينهم إبراهيم الجاز، وهو مزارع من البركل في الولاية الشمالية أن الضرورة تقتضي إنشاء سوق مركزي للتمور يكون في متناول المستهلكين.
وأكد على أهمية تضافر جهود السلطات وجمعية فلاحة ورعاية النخيل وجائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) والمنتجين لدعم سوق التمور، وأن ترى البورصة النور في أقرب فرصة لحل العديد من المشاكل.
وكديل على ذلك، تتكدس كميات هائلة من شوالات التمر بسوق المحاصيل بمدينة الدبة الواقعة على نهر النيل منذ بداية هذا الموسم على الرغم من تدني الأسعار.
ويؤكد المتعاملون أن أسعار التمور منخفضة بشكل مسبوق غير حيث تتأرجح أسعار شوال البركاوي حول 20 ألف جنيه تزيد أو تنقص حسب الجودة وحجم الحبة.
كما امتلأت حظيرة السوق بالشوالات ولم يعد بها موضع للبيع والشراء بداخلها، مما جعل حركة البيع والشراء تتم خارج سور السوق.
430
ألف طن ينتجها البلد سنويا من نحو ثمانية ملايين نخلة موزعة على كامل البلاد
وقالوا إنه في كل السوق قل النشاط فعلا من حركة بيع وشراء وشحن وغيرها ولم يكن الجاز الوحيد الذي يشتكي من مشكلة التسويق فالمزارع محمد الضو من قرية الكركر القريبة من الولاية الشمالية، أكد بدوره أن السوق غير مبشر هذا العام.
وقال “ظللت طوال شهر أكتوبر الماضي أتردد على السوق وأنا أحمل بعض الشوالات لبيعها بغرض شراء بعض الأغراض الخاصة وقضاء أمور أخرى متعلقة بالزراعة والحياة بصفة عامة وسداد بعض الديون ولكن المعادلة كانت دائما مختلفة”.
وفي محاولة لإنقاذ القطاع، أطلقت وزارة الزراعة والغابات أواخر سبتمبر الماضي إستراتيجية لزراعة النخيل وإنتاج التمور في البلاد من أجل تطوير هذا المجال وجعله مساهمة في التنمية بشكل أكبر في المستقبل.
ونقلت وسائل إعلام محلية حينها عن وزير الزراعة أبوبكر البشري قوله إن “الخطة احتوت على نقاط قوة وضعف قطاع نخيل التمر بالسودان”.
وأشار خلال حديثه إلى المحاور الأساسية التي تم وضعها كأهداف إستراتيجية تنفيذية تشمل مستهدفات وقيماً وإطاراً زمنياً ومرتبطة بقواعد البيانات، والإنتاج والإنتاجية والجودة، والإكثار والتنوع الوراثي، والعمليات الزراعية الجيدة، والآفات والأمراض.
ولم تغفل الإستراتيجية الاهتمام والتركيز على عمليات الحصاد وما بعد الحصاد والتصنيع والتصدير والتسويق والبحوث والتطوير والإرشاد الزراعي والقدرات البشرية والمؤسسية والبنيات التحتية ذات الصلة.
وكثفت فاو من دعمها للسودان من بوابة تنمية القطاع بتسليمها مؤخرا أجهزة حديثة لعدد من أصحاب بساتين النخيل والمزارعين، في إطار مواكبة التطور التكنولوجي.