كتابان سوري وعماني يقرآن التراث العربي عبر ذاكرة الشعر والأماكن

القارئ المتبصر لا بد أن يلحظ بشكل جلي أن هذه الدراسة أضافت الكثير إلى حقلها المعرفي وأبرزت مكنونات شعرية بما تضمنه من لطائف موسيقية وطرائف معرفية.
الثلاثاء 2024/03/12
قراءة التراث من أبواب مختلفة (لوحة للفنان أنور سونيا)

عمَّان– تتحدث الأكاديمية العمانية سالمة بنت نصيب بن خلفان الفارسية في كتاب “تحت ظل الشيماني” عن حياة القرية ومفرداتها في طيوي في العقدين الثامن وحتى منتصف التاسع من القرن العشرين.

وجاء الكتاب الصادر، عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء في 272 صفحة من القطع المتوسط، وضم اثني عشر فصلًا ومقدمة وخاتمة، تصف من خلالها الكاتبة تلك المفردات القديمة في قريتها التي نشأت فيها، وتعرِّج إلى بعض العادات والحرف والمشاهدات التي اندثرت أو كادت.

تقول سالمة بنت خلفان في مقدمة الكتاب «ما زالت الذاكرة تحتفظ بألوان الدروب، وطلاء الأبواب، وحجارة الجدران، وأين ينقطع الدرب ويتحول إلى مفترقات، وإلى أي المسالك يفضي كلٌّ منها، وأي العُقَد تتخلَّلها.

وكذلك، ثمة أصوات الراحلين وألوان ثيابهم، رائحة الطبخ في كل بيت وقت الضحى وهي تشي بما سيتناولونه اليوم للغداء، الدخان المتصاعد من الحطب المشتعل، أجراس الدواب العابرة، صياح الديك المستمر على سطح زريبة الماشية، خوار بقرة الجيران في الضحى، عودة الرعاة مساءً بهمهماتهم وثغاء أغنامهم ومأمأة خرافهم، تداخل الأصوات، الحركة الدؤوبة في طرق القرية قبيل الغروب.

"تحت ظل الشيماني" يقرأ تاريخ القرية العمانية فيما يحلل محمد قزو القيم التعبيرية للموسيقى في شعر الغزل الأموي
"تحت ظل الشيماني" يقرأ تاريخ القرية العمانية فيما يحلل محمد قزو القيم التعبيرية للموسيقى في شعر الغزل الأموي

وبحسب الفارسية فإن بسبب صعوبة العيش في قرية بسيطة وما تحمله من الآمال والطموح الشخصي، فإنك لا تستطيع مفارقة فكرة أن “الوطن” هو مهد ذكريات الطفولة ومراتع الصبا، وهو المهرب الأخير من العالم الصاخب إلى عالم الذكريات الهادئ.

وتقول في الخاتمة «تعبر الأجيال وتبقى الأرض شاهدة على مَن مرُّوا من هنا، وتبقى آثارهم لتقول هنا كان آباؤكم، وهذا ما صنعوه. تبقى الأرض شاهدةً على أن أولئك الآباء تركوا خلفهم جيلًا قادرًا على اقتفاء آثارهم لو وقف دقيقة مع نفسه، وعاد إلى تلك الآثار، وتيقَّن أن مَن استطاع أن يبدع في ضنك الحياة فمن المؤكد أن فرصته للإبداع أعظم في ظل رغد الحياة ورخائها».

ومن الجدير ذكره أن الدكتورة سالمة بنت نصيب بن خلفان الفارسية حاصلة على شهادة الدكتوراه في إدارة الموارد البشرية من جامعة العلوم الإسلامية الماليزية. لها العديد من المشاركات والأوراق النقدية والدراسات.

كما قدمت “الآن ناشرون وموزعون” بالتعاون مع منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، في إطار تثمين التراث، كتابا آخر للأكاديمي السوري محمد قزو وهو عبارة عن دراسة موسومة بـ”القيم التعبيرية للموسيقا في شعر الغزل الأموي” على التأصيل لما يسمى الإيقاع في الشعر.

يستعرض قزو أهم الكتب والدراسات التي ناقشت هذا الموضوع، قبل أن يحيل إلى الإضافات التي يقدمها في دراسته هذه مبينا أنها استقرائية جاءت لتسلط الضوء على ما تضمنته موسيقى شعر الغزل الأموي من معان ودلالات. مؤكدا أنه التزم المنهج التحليلي الذي أسفر عن إطلاق بعض الأحكام التي وصفها “بالمعيارية” التي قد تختلف مع ذلك في بعض مواقف، لتوافق آخر في مواطن أخرى. مبرزا تقسيماته للدراسة في فصول انتقلت من الموسيقى الداخلية للقصيدة إلى المستوى المعنوي معرجة على الوزن والقافية.

لا بد أن يلحظ القارئ المتأمل لهذه الدراسة المجهود القيم والعمل الكبير اللذين قام بهما الكاتب من أجل أن يوصل للناس القول فيما تميزت به القيم التعبيرية للموسيقى في شعر الغزل الأموي من تعبير من خلال لغة سوية، وإيقاع يظهر مشاعر الإنسان بحسب رقة الصوت وخشونته.

ومن خلال إيضاحه للموسيقى وتعريفها أبرز الباحث قزو كيف أنها جامدة لا روح فيها ولا حياة بحسب التعريفات المتداولة لها، والتي توضح كيف أن تردداتها وذبذباتها لا يمكن أن تعبر عن حالة وجدانية ما دامت تلتزم بالتنسيق والتوافق بين ضربات تختلف بحسب القوة والشدة لتتبلور في قالب معين منسجمة فيما بينها، مبرزا كيف ارتبطت الموسيقى بالإيقاع المعتمد على التكرار الذي ينتج ترصيعا وتجنيسا لا يخفى على المتلقي.

حح

واستفاض قزو في كل ما سبق دون أن ينسى أهمية التعريج على البيئة الاجتماعية الحاضنة لهذا المنتج الثقافي ودورها في صقل موهبة المبدع وإحساس المتلقي وقابليته للتفاعل مع منتوج الشاعر أو الموسيقي.

إن القارئ المتبصر لا بد أن يلحظ بشكل جلي أن هذه الدراسة أضافت الكثير إلى حقلها المعرفي وأبرزت مكنونات شعرية بما تضمنه من لطائف موسيقية وطرائف معرفية جعلت القارئ يجد في تصفحها متعة وفي قراءتها إفادة وزيادة ثقافة في باب من أبواب المعرفة قل من يطرقه، وهو حري بأن يفتح من أجل أن نكتشف ما خلفه من نوادر ومعارف لا شك أن الثقافة العربية اليوم هي إليها أحوج من أي وقت مضى. يُذكر أن الأكاديمي محمد قزو حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب في سوريا ولديه العديد من الأبحاث والأوراق النقدية.

12