كامالا هاريس أمام تحدي كسب أصوات العرب والمسلمين

حرب غزة تقسم ولاية ميشيغان الحاسمة في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
الاثنين 2024/08/26
أصوات يحركها الانتماء

فور ترشيح الرئيس الأميركي جو بايدن لها، بدأت التساؤلات تتوالى حول قدرة كامالا هاريس على كسب تأييد الأميركيين العرب. إذ يشكل إقناعهم، وهم كتلة وازنة، تحديا لا يمكن لهاريس أن تفشل فيه.

ميشيغان (الولايات المتحدة) - على الرغم من أن نسبة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة ضئيلة بعض الشيء، إلا أنها يمكن أن تحدث الفارق في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، وخاصة في بعض الولايات المتأرجحة التي يمكن أن تُحسم بفارق عدد صغير جدا من الأصوات.

ويؤكد الناخبون الديمقراطيون المتحدّرون من أصول عربية وشرق أوسطية في ولاية ميشيغان الحاسمة لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس سيتعيّن عليها كسب تأييدهم مجددا بعدما شعروا بالتهميش جراء طريقة تعاطي الرئيس جو بايدن مع العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

ويمكن لبلدة ديربورن، التي تعد 110 آلاف نسمة وتعتبر بمثابة مركز ثقافي بالنسبة للأميركيين من أصول عربية، أن تلعب دورا محوريا في تقرير مصير الولاية المتأرجحة التي تصوّت أحيانا للجمهوريين وأحيانا أخرى للديمقراطيين والقادرة على حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر. وعبّر أفراد هذه الجالية عن استعدادهم للإنصات لما ستقوله نائبة الرئيس هاريس ودراسة خياراتهم، في تحوّل لافت عن مواقفهم العدائية المباشرة حيال بايدن.

ولدى قبولها بتسميتها كمرشحة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة خلال مؤتمره الخميس، تعهّدت هاريس بـ”إنجاز” وقف إطلاق النار وضمان حصول الفلسطينيين على حقّهم في “الكرامة والأمن والحرية وحق تقرير المصير”. لكن ساد غضب في أوساط المندوبين المؤيّدين للفلسطينيين إثر رفض طلب إدراج ممثلين عنهم على قائمة المتحدّثين.

وأفادت مجموعة “نساء مسلمات من أجل هاريس – وولتز” (في إشارة إلى المرشح لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الديمقراطي تيم وولتز) بأن القرار بعث “رسالة فظيعة” وأعلنت أنها ستحل نفسها وتسحب دعمها للحملة.

ومؤخرا، التقت هاريس التي تعهّدت بـ”عدم السكوت” عن معاناة الفلسطينيين مع شخصيات ضمن حركة “غير ملتزمين” الوطنية التي أطلقت التهم بحق بايدن خلال الانتخابات الديمقراطية التمهيدية. ورغم أنها لم تقدّم أي وعود صلبة، إلا أن القادة أفادوا بأنها أثارت إعجابهم عبر إظهار تعاطفها.

نفوذ متزايد

◙ إصغاء تام
◙ إصغاء تام 

تتصدر المخاوف عمليات إسرائيل العسكرية في غزة المتواصلة منذ 10 شهور والتي دمّرت القطاع الفلسطيني منذ بدأت الحرب ردّا على هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. ولطالما كانت ميشيغان التي تضم مصنّعي السيارات “الثلاثة الكبار” (فورد وجنرال موتورز وكرايسلر) محطة مهمة للطامحين إلى الوصول إلى البيت الأبيض.

ودفعت فترات الركود الاقتصادي في سبعينات القرن الماضي كثيرين إلى مغادرة ولاية “حزام الصدأ” كما تُعرف، في وقت دفعت الاضطرابات في الشرق الأوسط لبنانيين وعراقيين ويمنيين وفلسطينيين إلى الهجرة إليها.

وقال رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود في مقابلة مؤخرا "نحن مدينة عالمية حيث حوالي 55 في المئة من سكاننا من أصول عربية.. بالنسبة للكثير منا، عندما تتطرق إلى ما يحدث في غزة، هؤلاء أفراد عائلاتنا وأصدقاؤنا".

وتبدو ديربورن التي تشتهر بكونها مسقط رأس هنري فورد للوهلة الأولى كأي مدينة أميركية صغيرة بشوارعها العريضة ومراكز التسوّق. لكنها أيضا مقر “المركز الإسلامي في أميركا” (أكبر مسجد في البلاد) وعدد كبير من المتاجر والمطاعم والمقاهي الشرق أوسطية. لكن مع ارتفاع أعداد أفراد الجالية وتولي أبناء عمال المصانع وظائف كمحامين وأطباء ورجال أعمال، ازداد نفوذهم السياسي أيضا.

أهون الشرّين

◙ دعاية كبيرة
◙ دعاية كبيرة 

على اعتبار أنهم ينتمون إلى شريحة محافظة اجتماعيا تاريخيا، فضّل العرب والمسلمون بفارق كبير جورج بوش الابن في انتخابات العام 2000. لكن سنوات "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة وتخللتها حروب في الشرق الأوسط وأفغانستان وتم في إطارها تشديد الرقابة على المسلمين في الولايات المتحدة زجّت بهم في المعسكر الديمقراطي.

وعام 2018، انتخب سكان جنوب شرق ميشيغان رشيدة طليب، أول فلسطينية – أميركية تشغل مقعدا في الكونغرس، في عتبة مهمة بالنسبة للجالية. كما انتُخب ثلاثة رؤساء بلديات أميركيين من أصول عربية مؤخرا في الضواحي المعروفة بعنصريتها تاريخيا حيال غير البيض.

وردّا على حظر الرئيس السابق دونالد ترامب السفر من بلدان مسلمة ودعمه المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وغير ذلك، دعم الناخبون في ديربورن بايدن بأغلبية ساحقة عام 2020، ما ساعد الديمقراطيين على ضمان الفوز بالولاية بفارق ضئيل.

لكن السكان يشعرون بالامتعاض من الطلب منهم التصويت لـ"أهون الشرّين" ويريدون بدلا من ذلك مرشّحا يحقق مطالبهم مثل وقف دائم لإطلاق النار في غزة والتوقف عن إمداد إسرائيل بالأسلحة. وقالت الناشطة والرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة الأميركية فاي نمر "أعتقد بأن نائبة الرئيس هاريس لديها فرصة.. يمكنها إما أن تكمل مسيرة الرئيس بايدن أو تضع أجندتها الخاصة فيها".

◙ الناخبون في ديربورن دعموا بايدن بأغلبية ساحقة عام 2020، ما ساعد الديمقراطيين على الفوز بالولاية بفارق ضئيل

وشعر الأميركيون من أصول عربية بالرضا عن خيار هاريس لمنصب نائب الرئيس إذ إنها وولتز يتبنيان نهجا تصالحيا مع معارضي الحرب، بخلاف حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو الذي اتّخذ موقفا مشددا ضد المتظاهرين في الجامعات. لكن سقف المطالب بات أعلى. وقالت المحامية الديمقراطية سجود حماد “لم نعد نقبل بالفتات”، متعهّدة بالتصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين ما لم تر مواقف أقوى من هاريس خلال الحملة.

ويقول الباحث في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة فيرجينيا بيتر سكيري إن ولاءات العرب والمسلمين للحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة تغيرت على مدى العقود الماضية، فتارة كانت تذهب للحزب الجمهوري وفي مرات أخرى للحزب الديمقراطي. ويضيف سكيري لموقع الحرة أن أحداث الـ11 من سبتمبر كانت نقطة مفصلية في توجهات الناخبين العرب والمسلمين.

وقبل هذه الهجمات وفي انتخابات عام 2000 تحديدا، كانت غالبية قادة المنظمات من المسلمين والعرب، ما عدا أولئك من أصول أفريقية، يميلون بشكل واضح نحو الحزب الجمهوري. وتغير الوضع تماما بعد تلك الهجمات، حيث مالت الكفة للديمقراطيين، لكن مع ذلك لا يعتقد سكيري أن لدى أي من الحزبين دعما ثابتا من قبل المسلمين أو العرب في الولايات المتحدة.

ووفق استطلاع للرأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في منتصف مايو الماضي، كان لملف الحرب في غزة النصيب الأكبر للطريقة التي سيصوت بها نحو 70 في المئة من عرب الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويتفق سكيري مع هذا الرأي ويرى أن الصراع في الشرق الأوسط سيحظى بالتأثير الأكبر في الانتخابات المقبلة، لكنه يعتقد في الوقت ذاته أن هناك عوامل أخرى داخلية يمكن أن تغير مزاج الناخبين، ومن أهمها القضايا الاقتصادية والتأمين الصحي وتمويل المدارس الإسلامية.

وبالتالي ليس من الحكمة اعتبار تصويت الناخبين العرب والمسلمين للديمقراطيين أمرا مفروغا منه، بحسب سكيري، الذي يشير إلى أن من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن مستوى الدعم لترامب في صفوف المسلمين والعرب ليس معدوما تماما، هناك أعداد لا بأس بها من الداعمين له.

7