كارين كوك معمارية بريطانية تقدم أول نموذج جديد من المباني الذكية

تدشين أطول ناطحة سحاب في لندن سيكون في مايو المقبل وستعرف العالم على نموذج للجيل الجديد من المباني الذكية، حيث حرصت مصممتها كارين كوك على أن تكون مجهزة بأعلى التقنيات التكنولوجية دقة، وهي بذلك وضعت أمام العالم أول برج رقمي يطل من مستقبل تتنافس الدول من أجل الوصول إليه.
لندن – بعد أكثر من عقد من العمل الدؤوب يبدو أن المهندسة المعمارية البريطانية كارين كوك ستقدم للعالم مايو المقبل أول نموذج من الجيل الجديد من المباني الذكية، وهو عبارة عن ناطحة سحاب، ستكون الأطول في لندن.
وجاءت هذه الخطوة في إطار تنافس محموم بين الدول على الاستفادة من الطفرة التكنولوجية الراهنة وتوظيفها في بناء شكل حضري جديد للمدن يجعل جل وظائفها وخدماتها متصلة بالشبكة العنكبوتية.
ويقول الخبراء إن المبنى الجديد الذي أطلقت عليه صاحبته تسمية “22 بيشوبس غايت” سيجمع عددا من التقنيات غير المألوفة في السابق، إلى جانب أنه سيضم العديد من الامتيازات التكنولوجية الحديثة ومن بينها تقنية التعرف على وجوه الأشخاص قبل السماح لهم بالدخول، وأيضا تقنية التحكم في المناخ داخل المكاتب، واستخدام مبادئ الفورمولا وان في مجال التحريك الهوائي.
ومن المرجح أن تنتهي كامل الأعمال الهيكلية في البرج الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 278 مترا (أي 912 قدما)، في شهر مايو المقبل، مع تكلفة نهائية تزيد عن مليار جنيه إسترليني.
وتبعد ناطحة السحاب الجديدة 300 متر تقريبا عن بنك إنكلترا المركزي، كما تقع على مقربة من “لويدز لندن” الذي يقع في الحي المالي الرئيسي في عاصمة المملكة المتحدة.
ويستوعب البناء المكون من 62 طابقا 12 ألف عامل، وسيكون أعلى من ناطحة ليدن هال البالغ طولها 225 مترا، وبرج سويس ري البالغ طوله 180 مترا. ويبقى برج شارد في ساوثوورك الأطول مع ارتفاع يبلغ 310 مترا.
نظام أمن بيومتري
لكن الاختلاف الجذري لا يكمن في الطول بل في ما يحتوي عليه البرج الجديد من تقنيات تكنولوجية، ليست ظاهرة للعيان في أغلبها، فهو سيكون من بين المباني الأولى في العالم التي تشمل نظام أمن بيومتري قائم على أساس التعرف على الوجه، حيث يمكن للموظفين الدخول دون بطاقات، بالإضافة إلى تلقي الزوار لرسالة نصية تحتوي رمز استجابة سريعة لتسهيل دخولهم.
كما أن هذا التطبيق سيسمح للعمال بمجرد وصولهم إلى مكاتبهم، بالتحكم في كمية الضوء والحرارة التي يتلقونها في محيطهم، ويقدم لهم البرنامج نفسه فرص حجز غرف الاجتماعات وجلسات السبا ومواعيد الأطباء وما إلى ذلك.
البرج الجديد سيكون من بين المباني الأولى في العالم التي تشمل نظام أمن بيومتري قائم على أساس التعرف على الوجه
وقد يبدو المبنى متواضعا للوهلة الأولى، لكن عددا من المهندسين من ذوي الخبرة في تصميم السيارات الرياضية قاموا باختبار واجهاته الثلاث والعشرين، لضمان الحد الأدنى من المقاومة للرياح ومنع انزلاقها إلى أسفل باتجاه المشاة وراكبي الدراجات. وستميز هذه الخاصيات هذا البرج عن البنايات الأخرى التي تعاني من بعض المشكلات المتعلقة بمقاومة الرياح.
من سيحالفهم الحظ بالانتماء مستقبلا لهذا المبنى هم على موعد مع الاستفادة من الكثير من المرافق التي ستتوفر بهذا المكان المدجج بالتدخلات التقنية، حيث سيضم أعلى جدار تسلق في العالم، يوفر إطلالات من ارتفاع 400 قدم بينما يتسلق المشاركون في داخل الزجاج، بالإضافة إلى أنه سيكون هناك أعلى معرض عام في لندن، يتم الوصول إليه عبر المصاعد التي تسير بسرعة 8 أمتار في الثانية.
وأشار بول أرمسترونغ، وهو مستشار تكنولوجي، إلى أنه “لم تجمع هذه الميزات مع بعضها من قبل، لذا ستتم مراقبة كيفية عملها معا عن كثب. وسيصبح استخدام التعرف على الوجه في الأماكن العامة أكثر استخداما مع تسوية القضايا التكنولوجية الأخلاقية”.
وأضاف البروفيسور مارك سكيلتون، من كلية وارويك البريطانية للأعمال، “هذا هو المبنى الذكي المستقبلي. فكر فيه ككائن حي. سيجمع بيانات حول أنماط استخدام الطاقة والحرارة والضوء والفضلات خلال اليوم، وسيتنفس بإيقاع دورات النشاط البشري”.
ريادة بقيادة امرأة
يرى المختصون أن كوك بفضل هذا المبنى الذي استغرق بناؤه حتى الآن أكثر من 15 سنة، ستنضم إلى نادي النخبة، لتصبح أول مهندسة معمارية بنت ناطحة سحاب في لندن.
ولم تتخل هذه المهندسة البريطانية عن مشروعها طيلة هذه الفترة على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، إذ قامت ببناء ناطحة السحاب على أسس عميقة يبلغ طولها 65 مترا تابعة لناطحة سحاب سابقة مكتملة جزئيا. وكان البرج السابق مصمما على هيئة حلزونية الشكل، وقد تم اقتراحه لأول مرة في العام 2003، لكن المشروع فشل مع الأزمة المصرفية سنة 2008. وتم التخلي عنه بعد اكتمال تسعة طوابق، ليكون جاهزا في مراحله النهائية شهر مايو المقبل.
وتخيلت كوك في ما يتعلق بالتصميم النهائي، أن يكون المبنى “هادئا” مختلفا تماما، وبررت رؤيتها بأن موقع المبنى قريب من المعالم الوطنية.
ويشدد إريك باري المهندس المعماري المشرف على إنجاز ناطحة السحاب “اندرشافت” المؤلفة من 73 طابقا، على أن مبناه سيحل محل “22 بيشوبس غايت” كأطول برج في المدينة خلال العقد المقبل مع ارتفاع يصل 305 أمتار.
وقال باري معلقا على البرج الجديد الذي سيتم تدشينه قريبا إنه على الرغم من عدم بروز التصميم من الناحية النظرية، إلّا أنه رائد من الناحية التكنولوجية. وأكد البروفيسور آلان دنلوب، من جامعة ليفربول، أن كوك تعتبر شخصية مهمة كمهندسة رائدة وموهوبة من الجنس اللطيف، في مهنة يسيطر عليها الرجال، لكنها لم تكن تخشى اتخاذ نهج أكثر تواضعا ومناسبا للموقع.
وأضاف دنلوب أن العالم يشمل العديد من البنايات ذات الأشكال المميزة واللافتة للنظر، وأن على المهندسين أن يهدأوا وأن يتحلوا بضبط النفس.
قفزة نوعية
تعتبر ناطحة السحاب البريطانية قفزة نوعية في عالم انفتح في السنوات الأخيرة على مفهوم المدن الذكية ويسعى جاهدا مستعينا بآخر ما أفرزه التطور التقني إلى إحداث ثورة رقمية في قطاع البناء والهندسة المعمارية. وكانت مؤسسة الدراسات والأبحاث العالمية غارتنر أشارت في العام 2015 إلى أنها تتوقع أن يرتفع معدل الأشياء المتصلة بالشبكة التي ستصبح قيد الاستخدام من قبل المدن الذكية إلى 9.7 مليار وحدة بحلول العام 2020، وذلك بفضل زيادة فرص الاستثمار في هذا المجال.
وسبق أن قال كريس رولاند المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “باستيل” وعضو مجلس إدارة مبادرة حماية المدن الذكية “تمثل المدن الذكية فرصة هائلة للنمو والاستدامة وتحسين الأوضاع الاجتماعية، ومع ذلك لا يجب أن تكون المشاريع ذكية فقط، بل يجب أن تكون آمنة أيضا. إن تمكين التقنيات المدمجة والاستفادة من إنترنت الأشياء في البنية التحتية للمدينة يجلبان إليها المخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار ومراقبتها للحفاظ على سلامة المواطنين. نريد أن نعمل مع مخططي وبناة المدينة لرفع مستوى الوعي حول التهديدات الإلكترونية وتبادل المعلومات حول كيفية الحد من تلك التهديدات قبل أن تتمكن من التأثير على العامة”.
وفي هذا الصدد، أضاف باتريك نيلسن الباحث الأمني الرئيسي في شركة كاسبرسكي لاب وعضو مجلس إدارة مبادرة حماية المدن الذكية، بقوله “يهدف تأمين المدن الذكية إلى حل المشكلات الإلكترونية الخاصة بشبكة الإنترنت في كل مرحلة من مراحل تطوير أيّ مدينة ذكية بدءا من التخطيط وحتى التنفيذ الفعلي للتقنيات الذكية. نشجع سلطات المدينة وبائعي المعدات والبرمجيات، بالإضافة إلى الباحثين في مجال الأمن على الانضمام إلى المناقشة حول هذا الأمر”.
ويبدو أن كوك حاولت في التصميم الجديد سد الثغرات الأمنية التي بإمكانها تسهيل اختراق المباني الذكية وتعريضها للخطر مستفيدة من تقنية التعرف على الوجوه التي أصبحت فاعلة في العديد من الشوارع والمنازل بعدد من مدن العالم. وقدمت مجموعة من الشركات في معرض لاس فيغاس للإلكترونيات، يناير الماضي، رؤيتها الخاصة للاستفادة من هذه التقنية، من بينها شركة “نورتك” الأميركية التي دمجت تقنية التعرف إلى الوجوه مع أنظمتها الأمنية للسماح للأصدقاء وأفراد العائلة بدخول المنزل وإخطار السكان في حال وجود شخص مشتبه به.
كما طوّرت شركة “تويا” الصينية كذلك نظام جرس منزلي ذكي يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف إلى أفراد العائلة والأصدقاء وعمّال التوصيل وحتى الحيوانات، بغية وضع “قائمة بيضاء” للأشخاص المسموح بدخولهم.
وبحسب مسؤولة المبيعات بالشركة ساندي سكوت، يمكن للنظام أن يكون مفيدا للأسر التي تضم أشخاصا مسنين، على سبيل المثال من خلال رصد أن شخصا مصابا بالخرف قد يكون هرب من المنزل.
وتأمين هذه المدن من بين أهم الركائز التي رافقت الطفرة الجديدة في قطاع البناء بسبب تدخل التكنولوجيا في جل مكوناتها، لاسيما وأن المباني الجديدة تمتاز بمحتوى رقمي من الداخل والخارج، فهي مدججة بالمنازل والمحلات المعتمدة على الأجهزة الذكية، إذ أن مفهوم المدن الذكية ينطوي على الكثير من التقنيات المختلفة المتصلة مع بعضها البعض بعدة طرق.
وعربيا تعمل الإمارات على اللحاق بالركب، إذ أن دبي تعد نموذجا عالميا في توظيف الذكاء الاصطناعي لتخطيط وتصميم المدن المستقبلية. وأكد داوود الهاجري مدير عام بلدية دبي، خلال جلسة حملت عنوان “مدن الغد” ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات في دورتها السابعة، أن بلدية دبي ملتزمة بتوظيف الذكاء الاصطناعي لتخطيط وتصميم المدن المستقبلية، ووضع الخطط المناسبة لخدمة المجتمعات وصناعة المستقبل والاهتمام بالإنسان.
وقال الهاجري إن دبي تسعى إلى تطوير البنية التحتية بشكل متكامل بما يعزز الاتصال السلس والمستمر للسكان والتنقل بيسر وسهولة ما بين مناطق الإمارة من دون عناء، وتعزيز الوصول للمرافق الاقتصادية والاجتماعية لكافة فئات المجتمع بشكل يضاهي الأفضل في العالم، بما يدعم الاستدامة والنمو المستقبلي للإمارة، وذلك في بيئة حضرية تتميز بأعلى درجات السلامة والموثوقية.
وستكون ناطحة السحاب اللندنية مثالا للتقدم التقني الذي بلغته الدول حتى الآن مع رهانات متواصلة لتقديم نماذج جديدة وأكثر ابتكارا وتطورا من المباني الذكية مستقبلا.