كائنات أسطورية شاهدة على العصر

الفنان علاءالدين محمد يجتهد في لوحاته الخمس أن يكون من ضمن الفنانين الذين يحاولون إحياء الأثر التاريخي والشعبي عبر استثمار المعطى القديم بتاريخيته.
الاثنين 2019/04/08
ضحايا يطلقون استغاثة أخيرة

تواصل مؤسسة رؤيا نشاطها الفني عبر مشروعها المثير “دكّانة” بمساحته المترية الصغيرة عروضها الفنية الشهرية في شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد، وهو المشروع الأكثر إثارة بمساحته التي لا تتسع سوى لبضعة أنفار، في “رؤيا” فنية جاذبة، تثير الانتباه إلى المكان وعروضه الشهرية المميزة.

الفنان علاءالدين محمد، من محافظة بابل، ضيف دكّانة لهذا الشهر مشتركا بخمس لوحات فقط؛ هي ما يتسع المكان لها؛ وتكشف هذه اللوحات في البداية عن اهتمامه بالتاريخ العراقي القديم لكونه من مدينة لها مثل هذا العمق الضارب في القِدَم من الناحية الواقعية والنفسية، ومثل هذا التكوين المتلاصق أنتج له الكثير من الرؤى الجامحة التي تنادي لإنقاذ ما تبقى من التاريخ وآثاره الحيوية، وإنقاذ والإنسانية التي تعيش في متنه وتتطلع إلى جوهره الغائب.

 لهذا في بعض لوحاته الأكبر حجما استخدم مادة الأكريليك مثلما استخدم الكولاج لربط العناصر الواقعية بالمتخيلة بدمجه بالإستنسل على خلفيات تجريدية، باعتبار أن كائناته الفنية هي كائنات أسطورية وهي “ضحايا صراعات” و”شاهدة على العصر” كما يقول الفنان، ومن ثم لا بد أن تظهر إلى العلن بمحاكاة تشكيلية معاصرة.

مثل هذه الإجراءات الكبيرة تطلبت منه أن يعي التاريخ الوطني القديم مثلما يعي الحاضر ومدى علاقته بالماضي فنيا. وبما أنّ المدينة (بابل) هي جوهر الماضي وقد نشأ الفنان على أطلالها المتبقية، لذا فإنّ التعاشق الفني ما بين زمنين أو أزمان متعاقبة سيكون محمّلا بالوعي الفني الذي يمكّن هذا الفنان من أن يكشف خراب الآثار بشكل أولي لكن بصيغة معاصرة من دون التهويل الكبير لمثل هذا الخراب الواقع.

علاء الدين محمد: بابل تفقد الكثير من ذاتها وتتآكل بصمت مطلق
علاء الدين محمد: بابل تفقد الكثير من ذاتها وتتآكل بصمت مطلق

لذلك سنجد في لوحاته المعروضة أن أسلوبه الفني يقع ما بين رسم الأشكال الحقيقية على أرضية تجريدية، في إشارة إلى الواقع العراقي الحالي ممزوجا بموتيفات تنتمي إلى فن بلاد وادي الرافدين القديم كدالّة تاريخية لا بد منها لتوطيد الأثر، بما يشير أيضا إلى التبدلات التي نالت من المكان تاريخيا، وإلى العمق العراقي متمثلا في الخراب الذي طالهُ والذي يجري منذ عقود طويلة.

يقول الفنان علاء الدين “أسكن إلى جوار مدينة بابل الأثرية. فهي لا تبعد عن بيتي سوى كيلومتر واحد أو أقل. هذه المدينة التي طالما تأملتها بوجع وفي كل مرة أجدها تفقد جزءا من ذاتها. فمظاهر التعرية والإهمال المتعمد جعلاها تتآكل بصمت مطلق”.

وهذا ما يجعل حساسيته الفنية عالية بشكل واضح عندما يستقدم الأثر جماليا بالكولاج لإبقائه على صيغته القديمة وبدلالته المعروفة من دون أن يقع التفريط في جمالياته المعروفة كفن عبر الأزمان كلها، واستقر بصيغته المعهودة للمتلقي المحلي أو العالمي الذي تستثيره مثل تلك الدلالات التاريخية.

الفنان علاءالدين وهو يوجّه صرخة أو استغاثة للحفاظ على ما بقي من تلك الأطلال المعمارية والفنية يجتهد في هذه اللوحات الخمس أن يكون من ضمن الفنانين الذين يحاولون إحياء الأثر التاريخي والشعبي عبر استثمار المعطى القديم بتاريخيته، بمزجه بالمعطى الفني المعاصر في التركيب الأخير للوحاته. وإلقاء الضوء على ضحايا تلك الصراعات المتمثلة في الأثر ومحاولة محوه بالإهمال ليبقى شاهدا أخيرا عليه. ونذكر أن الفنان علاءالدين محمد أكاديمي وماجستير فنون تشكيلية من جامعة بابل. وقد أقام ثلاثة معارض شخصية.

17