قيس سعيد يفتح ملف الفساد في القطاع الزراعي

الرئيس التونسي يكشف عن جملة من التجاوزات المالية والصفقات المشبوهة في ضيعة "هنشير الشعال"، مؤكدا وجود محاولات للتفويت فيها وسوء تصرف في أملاك الدولة.
الخميس 2024/10/31
ثاني أكبر ضيعة في العالم تعاني من الإهمال

تونس – كشف الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارة غير معلنة أداها مساء الأربعاء إلى ضيعة زراعية بولاية صفاقس شرق البلاد عن جملة من التجاوزات المالية والصفقات المشبوهة، وذلك في إطار مواصلة حربه على الفساد بعد تعهده بذلك خلال حملته الانتخابية الماضية.

وتأتي زيارة سعيد إلى ضيعة "هنشير الشعال" مع حلول موسم الجني في وقت تعاني الضيعة، وهي ثاني أكبر غابة زيتون في العالم، من تيبس الأشجار واصفرار أوراقها وجفاف بعض أغصانها وهي علامة خطيرة جدّا قد تذهب بكامل الضيعة وبالثروة الوطنيّة، في ظل الإهمال ومحاولات البعض تركها على حالها هذه للتفويت فيها بالبيع.

وأكد سعيد خلال الزيارة "أنه لا مجال للتفريط في ملك الشعب التونسي وأن حرب التطهير ضد الفساد ستستمر دون هوادة". وفق بيان من رئاسة الجمهورية نشر في صفحتها الرسمية على فيسبوك.

ووصف سعيد عملية بيع 37 جرارا فلاحيا تابعة لـ"هنشير الشعال" في بتة بقيمة 167 الف دينار بتعلة أنها مسقطة بـ''غير الطبيعية''، مشيرا إلى وجود سوء تصرف في أملاك الدولة.

وأكّد وجود فساد مالي وإداري في "هنشير الشعال" سواء على مستوى سرقة قطع غيار المعدات الفلاحية أو المحروقات بالإضافة الى تسجيل تراجع معدل الانتاج السنوي من زيت الزيتون بالإضافة إلى تراجع قدرته التشغيلية، مشيرا إلى وجود ما اعتبرها ''عملية سطو ممنهجة'".

وشدّد سعيد على أنّه لن يتم التفريط في "هنشر الشعال" كما يتم التدبير لذلك، قائلا إنه سيتم تحميل المسؤوليات لكل من قصّر في عمله.

والتقى سعيد بالعديد من المواطنين في كل من ضيعة "هنشير الشعال" وبئر علي بن خليفة بولاية صفاقس، واستمع إلى مشاغلهم، مجددا تأكيده على أن العمل مستمر دون انقطاع لتحقيق مطالب المواطنين المشروعة في كل جهات الجمهورية.

ويعد "هنشير الشعّال" حوالي 400 ألف شجرة منتجة للزيتون، وهو ثاني أكبر غابة زيتون في العالم من حيث المساحة البالغة 5.18724 هكتارا، ويشغل حوالي 435 عاملا قارا، وحوالي 385 عاملا موسميا، وهو على ملك الدولة التونسية وتحت تصرفها وإدارتها من الجني إلى المتابعة الفلاحية إلى تحويل الزيتون إلى زيت، ويعرف حاليا عديد الاشكاليات.

وتراجع معدّل الانتاج السنوي لزيت الزيتون بالمركب الفلاحي الشعال الى ما دون 150 كلغ/هك، خلال الخماسية الأخيرة، وفق ما أفاد المدير العام لديوان الأراضي الدولية طارق الشاوش.

ويعاني قطاع زيت الزيتون بـ"الشعال"، بحسب المسؤول، من عديد الاشكاليات، أبرزها تيبس حوالي 6 بالمائة من أصول الزيتون، وتهرم 73 بالمائة من الأشجار حيث يفوق سنها 90 سنة، مع تعدي جلها عمر 100 سنة، علاوة على تأثير التغيرات المناخية من نقص حاد في التساقطات (76 مم بكل الضيعات الموسم الحالي) وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وحدّة المعاومة.

وليست هذه المرة الأولى التي يكشف فيها الرئيس التونسي عن عمليات فساد في عدد من القطاعات إضافة لمحاولات مشبوهة للتفريط في عدد من أملاك الدولة لأسباب مختلفة من بينها ضعف مردوديتها الاقتصادية.

وفي سبتمبر الماضي شدد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه بوزير أملاك الدولة وجدي الهذيلي على ضرورة الحفاظ على أملاك الدولة وفرض إجراءات قانونية صارمة على من يتورط في التفريط فيها دون وجه حق.

وتعرضت العديد من الحكومات في العشرية الماضية لانتقادات وحتى اتهامات بالفساد بسبب سوء التصرف في الشركات المصادرة والتي كانت تدر زمن النظام السابق عائدات مالية هامة.

 وتعرضت العديد من الأملاك المصادرة لسوء تصرف ما أدى الى تلف كثير منها على غرار السيارات الفخمة حيث يتم بيعها بأسعار زهيدة للغاية.

والعام الماضي طالب بإيقاف التفويت في الشركة التعاونية المركزية للخدمات الفلاحية وهي إحدى الشركات المصادرة، وذلك خلال زيارة غير معلنة لمقر الشركة في منطقة مقرين من ولاية بن عروس.

وتحدثت تقارير أن التفويت في بعض تلك الشركات لرجال أعمال بعينهم وبمبالغ زهيدة يأتي مقابل دعم مالي لبعض الاحزاب والشخصيات السياسي الحاكمة فيما دعت الكثير من القوى اليوم الى اعادة فتح الملف ومحاسبة المتورطين.

ونشر مرصد رقابة في شهر يوليو 2023 تقريرا مثيرا للجدل كشف أن عائدات الخصخصة في الأموال والممتلكات المصادرة إلى موفى سنة 2021 قدرت بحوالي 3000 مليون دينار "مليار دولار" وأن 1900 مليون دينار "650 مليون دولار" منها فقط تم تحويلها إلى ميزانية الدولة.

والعام الماضي، تم تحجير السفر عن رجل الأعمال المشهور مروان المبروك وأربعة من أفراد عائلته في ملف يتعلق بشبهة سوء تصرف في الأملاك المصادرة.

وكان غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في عهد رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ وهو موقوف في ملف التآمر اكد في تصريحات عندما تولى الوزارة أن شخصيات من بين الذين تم مصادرة أملاكهم لهم علاقات داخل الدولة وإمكانيات للتصدي للقوة العامة المكلفة باسترجاع هذه الأملاك.

وكان القاضي المتقاعد حمد الصواب أعلن استقالته من لجنة التصرف في الأملاك المصادرة في 2015 بسبب ما وصفها تعرض اللجنة لهجمة بتواطؤ من الدولة.

وتشير كل المعطيات والتقارير إلى أن بعض مؤسسات الدولة والمسؤولين في حكومات العشرية الماضية ساهموا في الأضرار بمصالح الدولة من خلال التلاعب في ملف الأملاك المصادرة مقابل منافع مادية أو سياسية.

ويرى الرئيس سعيد أن تسوية الملف يمكن ان يدر على البلاد عائدات هامة يمكن استغلالها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية.