قيس سعيد يستعجل خطوات الحرب على الفساد في الخطوط التونسية

الرئيس التونسي يصف التأخير في الرحلات الجوية للناقل الوطني بسبب تعرض إحدى الطائرتين التابعتين للشركة إلى حادث اصطدام بأنه يرقى إلى مستوى الجريمة.
الثلاثاء 2024/11/05
الفساد والإهمال ينخر الخطوط التونسية

تونس - كشف الرئيس التونسي قيس سعيّد، الإثنين، عن تحركات لما وصفها بـ"اللوبيات" داخل أجهزة الدولة لتأجيج الأوضاع في البلاد، وشدد على تسريع خطوات مكافحة الفساد في شركة الخطوط الجوية، واصفا ما يحصل بداخلها "يرتقي إلى مستوى الجريمة".

وأكد سعيّد خلال اجتماعه بمجلس الأمن القومي الاثنين أن الواجب الوطني المقدّس يقتضي اليوم مواصلة الحرب على الفساد وليس أمامنا سوى الانتصار.

كما شدّد على أن انتظارات الشعب التونسي كبيرة ولا بد من العمل بسرعة قصوى على تحقيقها وتجسيدها بفكر جديد وبمفاهيم جديدة تقطع نهائيا مع الماضي.

وأكد أن اللوبيات التي بدأت تتحرّك هذه الأيام وامتداداتها داخل عدد غير قليل من الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية يقتضي الواجب المقدس تفكيكها ومحاسبتها ومحاسبة كل من يُنفّذ مخططاتها الاجرامية.

وأشار سعيد إلى "ما حدث مؤخرا في الخطوط الجوية التونسية"، مؤكدا أنه "أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها لا فقط من قاموا بالتنفيذ ولكن أيضا من خططوا لها ولغيرها في عدد من المرافق العمومية".

وشهد مطار تونس قرطاج الدولي، منذ بداية الشهر الحالي حالة من الاكتظاظ على مستوى صالات المغادرة وقاعات الانتظار، وسط تكدس أعداد كبيرة من المسافرين، نتيجة التأخير الكبير في مواعيد الرحلات المبرمجة لساعات طويلة فاقت العشرين ساعة في كثير من الأحيان، ما تسبب في حالة من الغضب والتذمر والاحتقان في صفوفهم.

وتملك الخطوط التونسية طائرتان للمسافات البعيدة آرباص أ-330 (A330) تعرضت إحداهما الاثنين لحادث مرور على أرضية مطار تونس قرطاج الدولي، مما أقعدها عن التحليق، وذلك في غياب الرئيس المدير العام للشركة.

وتتمثل صورة الحادث في اصطدام الطائرة بشاحنة تابعة لخدمات الإعاشة (كاترينغ)، في واقعة نادرة الحدوث على أرضية المطارات في الطقس العادي ووضوح الرؤية والمناخ المعتدل الذي يميز تونس.

ومع توقف الطائرة الأولى عن التحليق، ظلت الطائرة الثانية تجوب الخطوط البعيدة حول الكرة الأرضية، لكن يبدو أنها تشكو من عطب اضطرها إلى التأخر مما تسبب في تأخير بأكثر من عشرين ساعة في رحلة مونريال (كندا) باتجاه تونس قرطاج، وأيضا في الرحلة المتجهة إلى مطار باريس شارل ديغول التي كانت مبرمجة في الساعة السابعة صباح السبت وغيرها من الرحلات الجوية إلى مختلف العواصم الغربية والعربية.  

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد غابت المعلومة عن المسافرين المنتظرين وأهاليهم، والمتعاملين في البورصة لطمأنة المتداولين مع أسهم الشركة في الأسواق المالية ولا لوسائل الإعلام، مما أثار استياء واسعا وسط دعوات لتدخل عاجل من السلطات لحل هذه الأزمة.

وبعد أربعة أيام من الصمت وعدم الاكتراث بوضعية المسافرين وحالة الاحتقان التي هيمنت على أجواء مطار قرطاج الدولي، تقدمت شركة الخطوط بالاعتذار للمسافرين والمتعاملين معها، إثر الاضطرابات التي شهدتها رحلاتها خلال أيام 1 و2 و3 و4 نوفمبر بسبب مشاكل تقنية مُفاجئة لعددٍ من طائراتها.

وأعلنت الشركة في بيان أنها "قامت باستئجار 3 طائرات لتعزيز أسطولها الحالي على أن يتم خلال الساعات القادمة استكمال إجراءات استئجار الطائرة الرابعة، وهو ما سيمكّنها من تأمين نقل مسافريها إلى وجهاتهم".

وأكدت الخطوط التونسية أنّها "حرصت منذ بداية الأزمة على استئجار طائرات لتعويض النقص الحاصل في أسطولها إلا أن عدم توفّر عروض آنية بالإضافة إلى تعقد الإجراءات حال دون تدارك الإشكال القائم منذ بدايته".

وطمأنت الخطوط التونسية مسافريها المتضرّرين من التأخيرات الحاصلة، بأنّها ستتكفّل بمصاريف تغيير أو تعديل حجوزاتهم حسب طلباتهم، وفق البيان.

وفسر نشطاء على مواقع التواصل تأخر الشركة في معالجة الأزمة المستجدة وعدم توضيح الأسباب والمسببات، رغم اتصال الكثير من المسافرين بإدارة الشركة للاستيضاح ينمّ عن حالة من الاستهتار التي بات عليها الناقل الوطني.

وأعلنت السلطات التونسية في أغسطس الماضي إيقاف رئيس مدير عام شركة الخطوط التونسية خالد الشلي في خطوة سلطت الضوء على تواصل ممارسات الفساد المالي والإداري، داخل الشركة. وقبل ذلك تم إيقاف كاتب عام نقابة الخطوط التونسية نجم الدين المزوغي اثناء محاولته الهروب الى ليبيا.

ويقود الرئيس التونسي جهودا حثيثة لمحاربة الفساد الذي ينخر المؤسسات العمومية، على غرار الخطوط التونسية، عبر إغراقها بالتعيينات العشوائية، وكثيرا ما دعا إلى تطهيرها ممن يصفهم بـ"المندسين" وإنقاذ تلك المؤسسات من شبح الإفلاس، كما يعتبر أنها "مخترقة" من أشخاص يعمدون إلى تعطيلها وخصوصا ممن تم تعيينهم بعد 2011.

وتعاني شركة الخطوط التونسية من صعوبات مالية وهيكلية منذ سنوات، ومن زيادة كبيرة في أعداد الموظفين فوق حاجتها الحقيقية.

وأثير ملف الفساد داخل المؤسسة منذ أربع سنوات، حيث وجهت اتهامات لمسؤولين كبار.

وأجرت السلطات التونسية عمليات تدقيق واسعة في ملفات مالية تخص الشركة، بطلب من الرئيس سعيد، الذي كان قد طالب في زيارة غير معلنة له في أبريل الماضي إلى شركة الخطوط التونسية بفتح كل ملفات الفساد المتعلقة بها، مطالبا بتطهيرها من التعيينات التي تتوفر فيها الشروط القانونية. وكشف عن وجود ما يناهز 130 شهادة مزورة لأشخاص تم إدماجهم في الشركة.

وبحث مجلس الامن القومي كذلك غلاء الأسعار وضرورة محاسبة المحتكرين والمضاربين حيث قال سعيد ان عمليات المراقبة التي تمت في وقت من الأوقات لم تكن ناجعة وتم التركيز على صغار التجار وغضّ الطرف عن كبار المحتكرين.

وأوضح الرئيس التونسي "أن أسواق الجملة توجد إلى جانبها أسواق جملة موازية تسيطر على ما هو ظاهر وما هو مخفي في المسالك التي تُعرف بمسالك التوزيع." مشددا على أن قوت الشعب التونسي خط أحمر والمسؤولية الوطنية تقتضي تفكيك هذه المسالك والشبكات الاجرامية ومحاسبة كل طرف فيها".

ويرى مراقبون أن هنالك تحالفا بين لوبيات فساد وبعض الأحزاب السياسية لإرباك الوضع العام بذريعة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

وقبل أيام أدى سعيد زيارة غير معلنة لمحافظة صفاقس وكشف عن جملة من التجاوزات المالية والصفقات المشبوهة في غابات "هنشير الشعال" وهي ثاني أكبر غابة زيتون في العالم على ملك الدولة التونسية.

وتعرضت العديد من الحكومات في العشرية الماضية لانتقادات وحتى اتهامات بالفساد بسبب سوء التصرف في الشركات المصادرة والتي كانت تدر زمن النظام السابق عائدات مالية هامة فيما تشير الكثير من التقارير لتورط لوبيات الفساد المتحالفة مع السياسيين.

وتعرضت العديد من الأملاك المصادرة لسوء تصرف ما أدى الى تلف كثير منها على غرار السيارات الفخمة حيث يتم بيعها بأسعار زهيدة للغاية.