قيس سعيد يراهن على الحشاني لكسب المعركة ضد المحتكرين

هل تفيد خبرات رئيس الحكومة الجديد أم يصطدم بنفس صعوبات بودن.
الخميس 2023/08/03
مرحلة جديدة

تونس – اعتبرت أوساط سياسية تونسية أن تعيين الرئيس قيس سعيد لأحمد الحشاني كرئيس حكومة جديد من داخل الإدارة التونسية، يهدف إلى إنجاح معركته ضد متنفذين داخل الإدارات ممن يحمّلهم مسؤولية الاحتكار والسعي لعرقلة عمل الدولة وإظهارها بمظهر العاجز عن مواجهة المشاكل، وخاصة توفير المواد الاستهلاكية الأساسية.

وقال قيس سعيد الأربعاء على هامش مراسم تسليم السلطة بين نجلاء بودن والحشاني إن هناك تحديات تعترض بلاده وإن من “بين أهم التحديات مواجهة نوع آخر من الإرهاب يسعى لتجويع الشعب”، مشددا على أنه “لا مجال للتسامح مع هؤلاء (الإرهابيين الذين يسعون لتجويع الشعب) أبدا، ولا بد من محاسبتهم”.

وذكر الرئيس سعيد أن “من يتلاعب بقوت الشعب وبالأمن داخل تونس سيدفع الثمن باهظا بناء على القانون في ظل محاكمة عادلة”.

وأردف “ما يعيشه المواطنون في كل مكان هو محاولة تأجيج الأوضاع الاجتماعية من ترتيب لوبيات (لم يحددها) تتخفى وراء الستار ولا بد من مواجهتها”.

وأضاف “لا يمكن أن نبني تونس بمطالب قطاعية (نقابية) بل بخلق الثروة، وبذلك ننجح ونعول على أنفسنا لنبقى مستقلين”، مطالبا المواطنين “بالعمل من أجل تونس ورفع راية البلاد في الداخل والخارج”.

ويرى أنصار الرئيس التونسي أن الهدف من هذا التعديل هو إضفاء المزيد من الحيوية على الحكومة بعدما بدا عليها عجز عن مجاراة شكاوى الناس بشأن تأمين السلاسة في الحصول على الخبز والكهرباء والماء. كما أن الفرصة مواتية لضرب اللوبيات التي تنخر الإدارة التونسية وتربك عمل قيس سعيد.

وقال الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنادي “كان من المفترض أن يكون التغيير منذ مدة لأن العملية تتطلب جرأة لإيقاف النزيف الحاصل في عدة مجالات (تزايد نسب الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية)”.

رضا الشكندالي: بودن ربما لم تقدر على تنفيذ توجهات الرئيس سعيد
رضا الشكندالي: بودن ربما لم تقدر على تنفيذ توجهات الرئيس سعيد

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة أزمة إدارة حوكمة وليست أزمة تمويل أو ميزانية، والحكومة تحتاج إلى منهج وإستراتيجيات عمل، وهذا ما كان مفقودا في حكومة بودن”، لافتا إلى أن “نجلاء بودن لم تكن المرأة المناسبة في المكان المناسب، والدولة تتطلب رجل ميدان يتدخل بصفة مباشرة لمعالجة المشاكل، فضلا عن كون العمل السياسي يتطلب رؤية واضحة”.

واعتبر الجنادي أن “التعديل بمثابة تخفيف ضغوط عن الرئيس نظرا إلى الصعوبات التي يمر بها الشعب التونسي (فقدان المواد الأساسية) وأزمة الخبز المتواصلة”، حاثا “رئيس الجمهورية على مطالبة الحشاني بمشروع حقيقي وخطة إنقاذ لكل الوزارات”.

ونقل راديو “ديوان أف أم” الخاص عن صلاح الدين الداودي، القيادي في مبادرة “لينتصر الشعب” المؤيدة للرئيس سعيد، قوله “إن الفترة الأخيرة شهدت نوعا من عدم الانسجام داخل الحكومة نفسها من جهة وبين الحكومة ورئاسة الجمهورية (من جهة أخرى)”.

وقال الداودي “إن غياب الانسجام والتراجع الكبير في النجاعة التنفيذية وفي تطبيق بعض الإجراءات والتوصيات سرّعا إقالة بودن، لاسيما بعد الأزمة الأخيرة المتعلقة بالخبز”.

وكان الحشاني يعمل في البنك المركزي ودرس في كلّية الحقوق بجامعة تونس حيث كان قيس سعيّد مدرّسا، حسب قول رئيس الحكومة الجديد في صفحته بموقع فيسبوك.

ومباشرة بعد إعلان التعيين أدّى رئيس الحكومة الجديد، غير المعروف لدى عامّة الناس، اليمين الدستوريّة أمام قيس سعيّد، حسب ما أظهره مقطع فيديو نشرته الرئاسة.

وفي الأيام الأخيرة عُقِدت عدة اجتماعات داخل الحكومة، وبين الرئيس والوزراء، بشأن مشكلات نقص الخبز المدعوم في الكثير من المناطق.

وذكرت وسائل إعلام أن قيس سعيّد قال في الآونة الأخيرة إنّ “الخبز خطّ أحمر بالنسبة إلى التونسيّين” وإنه يخشى تكرار أحداث الخبز التي أودت بحياة 150 شخصا عام 1984 في عهد الحبيب بورقيبة.

محمد صالح الجنادي: التعديل بمثابة تخفيف للضغط عن قيس سعيد
محمد صالح الجنادي: التعديل بمثابة تخفيف للضغط عن قيس سعيد

وتدعم الحكومة التونسية المواد الاستهلاكية الأساسية من محروقات وخبز وقهوة وسكر وأرز.

في المقابل يرى مراقبون أن رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء حكومتها بذلوا كل ما في وسعهم لمواجهة الصعوبات، ومن بينها الصعوبات الخارجية، معتبرين أن تعيين الحشاني قد يضفي على أداء الحكومة بعض الحركية، لكنه في النهاية سيصطدم بالصعوبات نفسها، وأولى هذه الصعوبات كيفية تحصيل التمويلات لتغطية العجز المالي وتسديد الديون وتأمين الرواتب وحلحلة الوضع الاقتصادي.

ويشير المراقبون إلى أن حكومة بودن فشلت في تأمين تمويلات خارجية ذات قيمة بسبب فيتو الرئيس سعيد على شروط صندوق النقد الدولي، في وقت يشترط فيه مختلف الممولين على تونس الاتفاق مع الصندوق أولا، متسائلين: ماذا يمكن أن يفعل رئيس الحكومة الجديد لمواجهة هذه الأزمة؟

وكان صندوق النقد الدولي أعطى ضوءا أخضر أول لتونس في أكتوبر الفائت، بإعلان موافقة مبدئية لمنحها قرضا. لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1.9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية عام 2022 ولم تتقدم قيد أنملة.

واعتبر أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “المشكلة ليست في نجلاء بودن”، مرجحا أنها “ربما لم تقدر على تنفيذ توجهات الرئيس سعيد  بخصوص الشركات الأهلية ومعالجة الأزمات الاقتصادية”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إنه “ربما يكون تعيين أحمد الحشاني في نفس التوجهات التي يريدها قيس سعيد”.

وتشهد البلاد منذ أشهر نقصا متكرّرا في المنتجات الأساسية كالسكر والحليب والأرز، عزا خبراء اقتصاديون أسبابه إلى طلب المورّدين دفع مستحقاتهم مسبقا، وهو ما يصعب على تونس القيام به في ظل الأزمة المالية الحادة التي تعانيها.

1