قيادة سيارات الأجرة ملاذ سعوديات يطمحن إلى تحسين دخلهن

لمواجهة غلاء أسعار المنتجات والخدمات خاصة بعد رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة عام 2020 باتت عدة نساء سعوديات يعتمدن على قيادة سيارات الأجرة لتحسين دخلهن، مستفيدات في ذلك من الإصلاحات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الرياض - سمحت الإصلاحات التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للسعوديات بمباشرة عدة مهن -مثل قيادة سيارات الأجرة- لتحسين دخلهن في مواجهة ارتفاع الأسعار بشكل متزايد.
ويشكو عدد من السعوديين من ارتفاع كلفة المعيشة مع غلاء أسعار المنتجات والخدمات، خصوصا بعد رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة في يوليو 2020.
فرص جديدة
باتت الموظفة السعودية فهدة فهد تعمل سائقة أجرة على سيارتها الخاصة، إنّما لخدمة النساء فقط، في مسعى لتوفير دخل إضافي يساعد أسرتها على مواجهة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
واستفادت فهد البالغة من العمر 54 عاما من حملة الإصلاحات الاجتماعية غير المسبوقة التي تشهدها السعودية وشملت السماح للنساء بقيادة السيارات في 2018.
وهي تعمل كموظفة اتصالات بدوام كامل في مركز طبي من الثانية ظهرا حتى العاشرة مساء، لكن راتبها البالغ أربعة آلاف ريال (1066 دولارا) لا يلبّي كامل احتياجات أبنائها الأربعة.
وتقول المرأة التي ارتدت عباءة سوداء اللون “قرّرت أن أعمل سائقة أجرة كعمل إضافي لزيادة دخلي”، صباحا قبل مواعيد عملها أو في طريقها إلى المنزل بعد انتهاء الدوام.
وتتابع وهي تتجول بسيارتها الكورية الخضراء الجديدة وسط الرياض “الراتب لا يكفي متطلبات الأبناء والحياة، خصوصا أن لديّ ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وتتقبّل أسرة فهد الأمر لكنّ “بشرطين؛ ألا أذهب في رحلات بعيدة وألا أوصل زبائن رجالا”.
200
ألف امرأة حصلت على رخصة القيادة خلال 4 أعوام، ما رفع مبيعات السيارات بـ 5 في المئة
من جهتها تؤكد المصرية آية دياب (31 عاما) أنّها تشعر “براحة أكبر في التعامل” حين يكون السائق امرأة.
وارتفع معدل التضخم في أسعار المستهلكين بنسبة 1.2 في المئة خلال ديسمبر الماضي على أساس سنوي، وفق ما أظهرته البيانات الرسمية. وزادت أسعار النقل بنسبة 7.2 في المئة، وأسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 1.1 في المئة.
وتوضح فهد أنّ عملها كسائقة يوفر لها حوالي 2500 ريال (666 دولارا) شهريا في المتوسط.
وتؤكد أن هذا الدخل الإضافي يوفر لها أيضا “مساعدة زوجي المتقاعد على دفع الفواتير الشهرية وتوفير الطلبات الثانوية لأبنائي”، قبل أن تطالع هاتفها لمعاينة طلب جديد على أحد تطبيقات شركات سيارات الأجرة المخصصة للنساء فقط.
واعتادت الأسر السعودية لعقود على توظيف سائقين رجال بسبب منع قيادة النساء، لكنّ ذلك تغير جذريا بعد السماح لهنّ بالقيادة.
وحصلت أكثر من 200 ألف امرأة على رخصة القيادة خلال أقل من أربعة أعوام، ما رفع مبيعات السيارات في المملكة خلال العام الماضي بنسبة 5 في المئة، حسب تقارير في الإعلام المحلي.
انفتاح متزايد
منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في 2017 تشهد المملكة الخليجية الغنية بالنفط تغيرات كبيرة على خلفية سياسة الانفتاح الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي الذي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل المرتهن للنفط والحد من المساعدات التي تقدمها الدولة لمواطنيها.
وشرع الانفتاح أبواب سوق العمل أمام آلاف السعوديات. وباتت الأسر السعودية تقبل عمل نسائها في مختلف قطاعات سوق العمل.
وكذلك صارت مألوفة رؤية سعوديين -بل حتى سعوديات- يعملون في المطاعم أو المقاهي أو في محال بيع الأحذية، فيما تطمح المملكة منذ سنوات إلى استبدال الملايين من الوظائف التي يشغلها عمال أجانب بسعوديين في ما يطلق عليه سياسة “السَّعْودة”.
وارتفع معدل مشاركة السعوديات في القوى العاملة السعودية إلى 34.1 في المئة خلال الربع الثالث من 2021، بزيادة قدرها 1.7 عن الربع الثاني، حسب ما أوضحته البيانات الرسمية. كذلك انخفض معدل البطالة في صفوفهن ليصل إلى 21.9 في المئة.
وعلى غرار فهد تعمل الأرملة الثلاثينية إنصاف سائقة أجرة لكي توفر لأسرتها نفقات المعيشة بعد وفاة زوجها المبكرة.
وتقول إنصاف التي فضّلت استخدام اسم مستعار لحساسية الأمر “توفي زوجي فجأة ولم يترك ثروة وتوجّب عليّ العمل للإنفاق على أطفالي الثلاثة”.
الأسر السعودية اعتادت لعقود على توظيف سائقين رجال بسبب منع قيادة النساء، لكنّ ذلك تغير جذريا بعد السماح لهنّ بالقيادة
وبحثت الأم الشابة عن فرصة عمل تناسب مؤهلها البسيط ووقتها الضيق لكنها لم تجد وظيفة مناسبة.
وتتابع “قررت استخدام سيارة زوجي في توصيل النساء وأطفال جيراني إلى المدارس والمراكز التجارية، وهو ما وفر لي دخلا مناسبا”.
وتقول إنصاف “أسعار كل شيء ارتفعت خصوصا الأغذية بعد فرض ضريبة القيمة المضافة. أسعار اللبن والبيض والفواكه زادت كثيرا خلال العام الماضي”.
لكن الشابة التي ارتدت عباءة ملوّنة تضيف بارتياح “عملي كسائقة أجرة منحني فرصة حياة جديدة”.
ولا يوفر العمل كسائقة أجرة فرصة جيدة للسائقات فحسب، بل للزبائن أيضا. وتقول زبونة سعودية أربعينية فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب شخصية إنّ تجربة استقلال سيارة تقودها امرأة تشعرها بـ”الأريحية والأمان”.
وتضيف وهي جالسة بجوار فهد في طريقها إلى منزلها “أشعر بأنني مع أختي”.
ورغم تنفيذ إصلاحات اجتماعية عديدة في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، منحت النساء المزيد من الحرية، تُصر سعوديات على أن حريتهن منقوصة وليس بإمكانهن الاستقلال دون تعقب ذويهن لهن وتهديدهن بالإيداع في دور الرعاية والضيافة سيئة السمعة عبر بلاغات التغيب.
وتعدّ “بلاغات التغيب” ضد النساء، والمقدّمة من قبل الأسرة وأولياء الأمور، من أكثر القضايا جدلا في ظل أعراف مجتمعية تمنع المرأة من الاستقلال. وليس من الضروري أن يكون تغيب البنت اختفاء، وإنما يقبل بلاغ التغيب حتى لو كان مكانها معلوما، مثلا في حال انتقالها للعيش فيه مستقلة بقرارها. وقد يؤدي البلاغ إلى إعادة المرأة أو إلى اعتقالها وقد تودع في “دار رعاية”، وهي “مؤسسة إصلاحية” للنساء اللاتي يظهرن تمردا.