قوة الردع.. حجر الزاوية في صراع عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا

الاشتباكات بين قوة الردع والحرس الرئاسي جزء من الصراع المتكرر بين كتائب طرابلس على السيطرة والنفوذ، ويمكن استغلاله سياسيا لاستقطاب القوتين لصالح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة أو رئيس الحكومة المدعومة من البرلمان بقيادة فتحي باشاغا.
طرابلس - الاشتباكات الدامية التي شهدتها طرابلس بين فصيلين مسلحين مؤشر على أن الأوضاع الأمنية أصبحت هشة في العاصمة الليبية إلى درجة تثير القلق.
ورغم تأكيد مختلف الأطراف السياسية والعسكرية على حرمة الدم الليبي والتزامها بعدم حل الخلافات بالسلاح، إلا أن ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، وسقوط 16 قتيلا على الأقل في حصيلة هي الأثقل منذ 2020، دلالة على أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ إن لم يتم احتواؤها ليس أمنيا فقط بل سياسيا أيضا، وذلك عبر إيجاد حل جذري للأزمة السياسية التي تعيق بناء الدولة.
فالمنطقة الغربية دخلت فعليا مرحلة إعادة تقاسم السيطرة والنفوذ بين مختلف القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في المدن الأربع الرئيسية: طرابلس ومصراتة والزنتان والزاوية.
مربعات السيطرة
وسط طرابلس صار تحت سيطرة كارة والككلي. ولئن كان الأخير قد حسم موقفه لصالح دعم الدبيبة، فإن مواقف الأول غامضة
وتخضع طرابلس لسيطرة عدد من الكتائب، بعضها يتبع اسميا المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، وبعضها الآخر يتبع وزير الدفاع، والبعض الثالث تابع لقائد الأركان، أما البعض الرابع فيتبع وزير الداخلية.
وتسيطر كل كتيبة على منطقة، وتضمن حماية هياكل الدولة في هذه المنطقة، سواء منها الحكومية أو البنوك أو المؤسسات، وتحصل على تمويلها من الجهات الرسمية التي تنضوي في إطارها هذه الكتائب، سواء المجلس الرئاسي أو وزارة الدفاع أو قيادة الأركان أو وزارة الداخلية.
وتتصارع هذه الكتائب على مناطق السيطرة والنفوذ في العاصمة، وأحيانا تتحالف مع بعضها البعض لمواجهة خطر داهم مثلما حدث في هجوم قوات خليفة حفتر على طرابلس عام 2019.
وفي حالات أخرى تتأثر بالانقسام السياسي، ما يؤدي إلى اقتتال دام بينها على غرار ما حدث في 2017 بين الكتائب الداعمة لحكومة الوفاق والأخرى الموالية لحكومة الإنقاذ، وما حدث في مايو الماضي بين كتيبة تتبع الحكومة التي عينها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا وأخرى داعمة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وما وقع بين 21 و22 يوليو الجاري من اشتباكات بالأسلحة الثقيلة وسط طرابلس بين “قوة الردع ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”، بقيادة عبدالرؤوف كارة، والحرس الرئاسي بقيادة أيوب أبوراس، والذي كان يسمى “كتيبة ثوار طرابلس”، جزء من الصراع المتكرر بين كتائب طرابلس على السيطرة والنفوذ، ويمكن استغلاله سياسيا لاستقطاب القوتين لصالح هذا الطرف أو ذاك.
ورغم أن الخلاف كان يمكن حله دون إراقة الدماء إلا أن نتائج ما حدث تعكس أن الصراع أكبر مما هو ظاهر.
وبدأت المشكلة عندما اعتقلت قوة الردع أحد عناصر الحرس الرئاسي الذين ردوا باختطاف أحد عناصر قوة الردع، لمبادلته بزميلهم على الأرجح، لكن رد فعل كتيبة كارة كان عنيفا جدا وغير متوقع، حيث هجمت بالأسلحة الثقيلة على معسكرات كتيبة أبوراس، واستولت على معظمها.
ووقعت الاشتباكات في مناطق آهلة بالسكان في قلب طرابلس، على غرار زاوية الدهماني، وجزيرة الفرناج والسبعة، بالإضافة إلى منطقة عين زارة، الضاحية الجنوبية الشرقية للعاصمة.
واستمرت الاشتباكات ساعات طويلة، ورغم تدخل المجلس الرئاسي الذي يتبع له الفصيلان المتقاتلان، وكذلك رئيس الحكومة وزير الدفاع، وقائد الأركان، إلا أن الاشتباكات لم تتوقف سريعا، مما يعكس عدم احترافية هذه القوات وعدم اعترافها بسلطة القيادة التي تتبعها وتتلقى منها التمويل.
كارة يعزز نفوذه
كارة على الككلي يتفوق في أن قواته أقرب إلى مركز طرابلس، وتقع تحت نفوذه عدة مقرات سيادية
وقد أفضت الاشتباكات إلى تعزيز قوة الردع لسيطرتها ونفوذها على وسط طرابلس، بعد طردها الحرس الرئاسي وتحجيم كتيبة النواصي في مايو الماضي على يد جهاز الدعم والاستقرار بقيادة عبدالغني الككلي (غنيوة)، المتمركز في حي بوسليم الشعبي القريب من مركز طرابلس.
وأصبح وسط طرابلس تحت السيطرة الفعلية لرجلين واسعي النفوذ، كارة والككلي. ولئن كان الأخير حسم موقفه لصالح دعم حكومة الدبيبة، فإن مواقف الأول ما زالت غامضة.
كارة، ذو التوجه السلفي، يتبع المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة. لكن عدة أطراف لا تستبعد إمكانية تحالفه مع باشاغا، رغم أنه كان على خلاف معه في عهد حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، وتم نقل تبعيته من وزارة الداخلية إلى المجلس الرئاسي لإضعاف باشاغا الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية.
وعندما دخل باشاغا طرابلس في مايو، تحت حماية كتيبة النواصي التي يقودها مصطفى قدور (سلفي) واشتباكها مع قوات الككلي، لم يتدخل كارة لدعم أي من الطرفين، واختار الحياد.
ويتفوق كارة على الككلي في أن قواته أقرب إلى مركز طرابلس، وتقع تحت نفوذه عدة مقرات سيادية، ما يجعله لاعبا رئيسيا في أي تحالفات أمنية مقبلة سواء مع حكومة الدبيبة أو مع حكومة باشاغا التي تتحين فرصة دخول طرابلس.
المازن.. القربان الجديد

وزير الداخلية خالد المازن الذي كان مقربا من باشاغا أبرز ضحايا أحداث طرابلس، حيث أقيل من منصبه جراء الاشتباكات
وأبرز ضحايا أحداث طرابلس وزير الداخلية خالد المازن الذي أقيل من منصبه جراء الاشتباكات، وتم تعيين وزير الحكم المحلي بدرالدين التومي لتسيير شؤون الوزارة خلفا له.
وتذكر وسائل إعلام عربية أن سبب إقالة المازن هو عدم قدرته على وقف الاشتباكات، وتعلل ذلك بأن الأجهزة الأمنية التابعة له لا يمكنها التعامل مع كتائب مسلحة بأسلحة ثقيلة.
لكن حالة الاحتقان الشعبي والغضب من تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية في البلاد ستدفع الدبيبة إلى التضحية ببعض المسؤولين بغية تهدئة الشارع، مثلما فعل مع مجلس إدارة شركة الكهرباء الذي تمت إقالة أعضائه قبل أن يعادوا إلى مناصبهم، وإقالة رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله.
فالإقالة السريعة للمازن ليست مرتبطة بالاشتباكات الحالية فقط؛ بل إن طرابلس والمنطقة الغربية، خاصة في الزاوية وصبراتة، تشهدان بين الفينة والأخرى اشتباكات بين مختلف المجموعات المسلحة المتصارعة على مناطق السيطرة والنفوذ، ناهيك عن أن المازن معروف أنه كان الذراع اليمنى لباشاغا، عندما كان الأخير وزيرا للداخلية والأول أمينا عاما للوزارة.
وفي ظل الصراع الحالي بين الدبيبة وباشاغا قد لا يحظى المازن بالثقة المطلوبة من رئيس حكومة الوحدة، لذلك من المرجح أن يكون هذا أحد الأسباب التي عجلت بإقالته.
وأيّا يكن المنتصر أو المهزوم في اشتباكات طرابلس الأخيرة، فإنها أعطت صورة غير مثالية عن الأمن والاستقرار الذي سعت حكومة الوحدة لتقديمه إلى العالم وإقناع مختلف الدول بإعادة فتح سفاراتها في العاصمة.
كما أن هشاشة الوضع الأمني في طرابلس من شأنها أن تغري باشاغا بتعزيز تحالفاته مع بعض الكتائب النافذة في العاصمة لدخولها قريبا، رغم أنه تعهد مؤخرا للسفير الأميركي ريتشارد نورلاند بنبذ العنف.
إلا أن قوات الزنتان بقيادة أسامة الجويلي، المتحالف مع باشاغا، متمركزة في منطقة ورشفانة جنوب غرب طرابلس وتراقب الوضع عن كثب، وقد تغري هذه القوات الخلافات بين كتائب العاصمة لاقتحامها بعد التحالف مع بعضها البعض وتحييد أخرى والاصطدام بمن تبقى منها، خاصة وأن الوقت ليس في صالحها.