قوة أفريقية للرد السريع.. تحديات كثيرة تجعل المشروع حبرا على ورق

يعد الاتفاق الذي أبرم بين مصر ودول أفريقية أخرى عديدة لتشكيل قوة للاستجابة السريعة جزءا من جهود القاهرة لقطع طرق الإمدادات من وسط وغرب أفريقيا عن الإرهابيين في شمال أفريقيا وخاصة ليبيا. ورحبت الدول الأفريقية المحاربة للإرهاب أيضا مثل الصومال ونيجيريا ومالي بإنشاء هذه القوة العسكرية الجديدة في أفريقي، فيما توقع المراقبون أن لا تتجاوز الاتفاقية محطة الإعلان عنها شأنها شأن الكثير من اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري بسبب كثير من التحديات والتي من أهمها الاختلافات وفي السياسات والتعاطي مع الملفات الإقليمية وأيضا الصراعات بين الدول الأفريقية.
الأحد 2017/09/17
حالة الصومال استثناء نسبي لدور الاتحاد الأفريقي

القاهرة – شكل اتفاق وزراء دفاع أفارقة، في اجتماع بالعاصمة الأوغندية كمبالا في الفترة ما بين 27 و29 أغسطس الماضي، على تأسيس قوة مشتركة للرد السريع بحلول العام المقبل، مؤشرا على تصاعد المشاريع التعاونية الدفاعية في القارة لمواجهة الأزمات الراهنة، وأبرزها، مكافحة الإرهاب العابر للحدود والعنف المنتشر في مناطق الصراعات.

ومن المقرر أن يجتمع الوزراء مرة أخرى في شهر أكتوبر المقبل لمناقشة ميزانية وتشغيل القوة، وإصدار توصيات للرؤساء الأفارقة للموافقة عليها، فضلا عن تدبير تمويلها والذي يصل إلى 30 مليون دولار سنويا.

وستعمل القوة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن التابع له. وسيدعم كل بلد عضو بالقوات والأموال لتشكيل هذه القوة. وسيتم تخصيص مقر وزارة الدفاع في مصر، الذي يجري بناؤه في العاصمة الإدارية الجديدة على مشارف القاهرة ليكون مركزا لقيادة القوة.

وخطة مصر لتوحيد القوات الأفريقية في حرب أوسع ضد الإرهاب نابعة من رغبة القاهرة في حماية نفسها من الخطر الذى تشكله الجماعات الإرهابية في هذه الدول على أمنها الوطني.

وتحارب مصر فرعا من داعش في سيناء، شبه الجزيرة الشمالية الشرقية التي تشترك في حدودها مع إسرائيل وقطاع غزة. كما تساهم مصر بشكل كبير في ليبيا المجاورة حيث تدعم المشير خليفة حفتر وجيشه الليبي الذي يقاتل الميليشيات الإسلامية، بما في ذلك داعش والقاعدة.

جاء الاتفاق في إطار مبادرة القدرة الأفريقية على الرد الفوري على الأزمات الطارئة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي في نوفمبر العام 2013 بمقترح من الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، وذلك لعاملين أساسيين، الأول يتعلق آنذاك بالتدخل الفرنسي في شمال مالي، أما الثاني فينصرف إلى تأخر استكمال القوة الأفريقية الاحتياطية، ما أسهم في عدم بروز أيّ دور لها في أزمات مثل ساحل العاج وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وشمال مالي.

يحمل مشروع تلك القوة المشتركة جوانب إيجابية في الاستجابة الطارئة للأزمات إذ يعزّز الاعتماد الأمني للأفارقة على أنفسهم، الأمر الذي يحجّم التدخلات الخارجية التي أخذت منحى متصاعدا خلال السنوات الأخيرة في القارة، كما حال التدخلات الفرنسية في ساحل العاج وأفريقيا الوسطى وشمال مالي، فضلا عن تدخل حلف الناتو في ليبيا خلال العام 2011.

مع أن انضمام قوى مثل مصر والجزائر وجنوب أفريقيا لقوة الرد السريع يعطى زخما عسكريا فإنه يفرض بالمقابل قيدا باعتبار المنافسات وتباين توجهات الدول المشاركة في تلك القوة إزاء الأزمات التي يفترض أن تتدخل فيها، من ذلك الاختلافات في الرؤى بين الجزائر ومصر حول الملف الليبي

تزداد أهمية ذلك بالنظر إلى أن قوة الرد السريع تأخذ طابعا طوعيا وتمويليا مستقلا من الدول الـ12 التي تعهدت بالمشاركة فيها، وهي مصر وجنوب أفريقيا والجزائر وأنغولا وبوركينا فاسو وتشاد ورواندا والسنغال والسودان والنيجر وتنزانيا وأوغندا، بذلك فقد تتلافى عقبة التمويل التي عرقلت استكمال القوة الأفريقية الاحتياطية والتي تعتمد بالأساس على دعم شركاء خارجيين مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لا سيما مع تصاعد توجّهات دولية لدفع الأفارقة لمواجهة أزماتهم بأنفسهم دون تورط غربي ميداني مباشر.

صيغت مبادرة القدرة الأفريقية للردّ الفوري على الأزمات على أنها ذات طابع مؤقت انتظارا لاستكمال القوة الاحتياطية التي يفترض أنها دائمة، لكن تعطّل إطلاق هذه القوة مرات عدة في العامين 2010 و2015 وربما أيضا لسنوات أخرى قادمة، الأمر الذي يسرّع من تفعيل قوة الرد السريع لأن القوة الاحتياطية لم يتمّ تفعيلها في أزمات القارة منذ أن تم الاتفاق عليها إبان إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي في قمة الاتحاد الأفريقي في يوليو 2002، ثم اعتماد خارطة تفعيلها في مارس 2005 ضمن اجتماع مفوضية الاتحاد الأفريقي والتجمعات الإقليمية.

على الرغم من تداخل القوتين الأفريقيتين (قوة الرد السريع أو القوة الأفريقية الاحتياطية) من حيث أهداف النشر الفوري لمواجهة الأزمات الطارئة في القارة، فإنه ينظر للأولى على أنها قد تكون أكثر فعالية لتبعيتها “المباشرة” لمجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي يعطي الإذن بنشر قواتها، مقارنة بالثانية التي تخضع بالأساس للتجمعات الإقليمية لأن نشر القوة الاحتياطية يتم بموجب تنسيق بين هذه التجمعات والاتحاد الأفريقي وفقا لمذكرة تفاهم تم توقيعها بين الجانبين في يناير عام 2008.

تتشكل القوة الأفريقية الاحتياطية من 30 ألف عسكري موزعين على ألوية عسكرية تمثل خمسة أقاليم أفريقية وهي الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “الإيكواس”، جماعة التنمية دول الجنوب الأفريقي “السادك”، الجماعة الاقتصادية لوسط أفريقيا “الإيكاس”، القوة الاحتياطية الجاهزة لشرق أفريقيا، لواء القدرة الأفريقية لشمال أفريقيا.

ولا تمثل القوة الاحتياطية جيشا متماسكا وإنما تستضيف كل دولة وحدات احتياطية تكون على أهبة النشر الفوري في مناطق الأزمات بعد 14 يوما من الإذن الممنوح لها بذلك، وهو المنطق ذاته الذي سيحكم -على الأرجح- عملية بناء القوة المشتركة للردّ السريع.

في ظل تعطل القوة الاحتياطية يعوّل البعض على قوة الردّ السريع لتمكين الاتحاد الأفريقي من تفعيل المادة 4 (ح) من ميثاقه والتي تعطي له حق التدخل في دولة عضو في ظل ظروف إنسانية خطيرة مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

ولم يُقدم الاتحاد الأفريقي على تفعيل تلك المادة مثلا في أزمة دارفور في العام 2003، كما اقتصرت مشاركاته على قوات حفظ السلام في الأزمات الأفريقية سواء عبر إرسال مستشارين أو مراقبين أو إرسال قوة حماية إقليمية أو قوة لحفظ السلام بالتعاون مع الأمم المتحدة.

الدرس الصومالي

تمثل حالة الصومال استثناء نسبيا لدور الاتحاد الأفريقي لأن نشر بعثته “أميصوم” منذ العام 2007 أسهم في تحجيم سيطرة جماعة شباب المجاهدين على مناطق عدة في هذا البلد مع حلول 2011، دون إنكار وجود مشكلات من قبيل تهديد كينيا بسحب قواتها خاصة مع تراجع التمويل الأوروبي لأميصوم.

لعل الدرس الصومالي يدفع بعض التقديرات الأمنية إلى ربط فعالية القوة الأفريقية للردّ السريع بالتعامل مع الأزمات من منظور فرض السلام والأمن في مناطق النزاعات وليس مجرد حفظه أو تعزيز بنائه كما حال القوة الاحتياطية.

بينما لم تتضح بعد كافة التفاصيل حول الإطار الميداني لقوة الردّ السريع وطبيعة مشاركات الدول المنضوية فيها، إلا أن ثمة تحديات قد تحول دون إنفاذ هذه القوة التي مرّ عليها أيضا قرابة الخمس سنوات دون بروز فعلي منذ العام 2013، ولا تختلف هذه التحديات كثيرا عن تلك التي عطلت استكمال القوة الاحتياطية.

من أبرز هذه التحديات طبيعة العلاقة المتداخلة بين قوة الردّ السريع والقوة الاحتياطية، ومن المقرر أن يتمّ دمج الأولى في الثانية بعد أن تكون الأخيرة جاهزة للعمل بكامل طاقاتها، وهو أمر لا يزال مثار جدل بين قوى أفريقية يفضل بعضها التركيز على القوة الاحتياطية، ومنها نيجيريا التي تضطلع بدور إقليمي أمني في تجمع الإيكواس والذي لعب دورا مع مطلع 2017 في إجبار الرئيس السابق يحيى جامع على قبول نتيجة الانتخابات التي خسرها.

الأمر الآخر يتعلق بتباين القدرات العسكرية للجيوش الأفريقية من حيث الحجم والكفاءة المهنية والقتالية ما شكل عاملا معرقلا لبناء عقيدة عسكرية مشتركة للقوة الأفريقية الاحتياطية على الرغم من برامج التدريب الميداني طيلة السنوات الماضية لتلك القوة والذي تركز على تنسيق المعلومات والقيادة والتحكم والمهام القتالية في ميادين الصراعات.

هيمنة كبيرة

يتكرر التحدي ذاته أمام قوة الردّ السريع خاصة مع تشكلها من دول تتباين قدراتها العسكرية ما بين احترافية عالية وحجم كبير وتسلّح متطور مثل مصر والجزائر وجنوب أفريقيا، وأخرى أقل حجما من حيث التسلح والأفراد والتدريب مثل النيجر وبوركينا فاسو.

يثير ذلك الأمر دوما مخاوف بعض الدول الأفريقية من مشروعات التكامل الأمني وهيمنة قوى عسكرية كبيرة على آليات التعاون الجماعي وتوظيفها لصالح ترتيبات إقليمية تكون مواتية لمصالح البعض دون الآخر.

في الوقت الذي تسهل فيه محدودية وطوعية الدول الأفريقية المشاركة من عملية بناء قوة الردّ السريع، تمثل أيضا حجر عثرة أمام عملية نشرها في مختلف أزمات ومناطق القارة ككل، وتلقى معارضة من دول أعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي وغير مشاركة بالقوة، بخلاف الصعوبة العملية لنشر قوة مشتركة من 12 دولة في أزمات قارة بها 54 دولة وغياب مشاركة قوتين إقليميتين مثل إثيوبيا ونيجيريا اللتين لا يمكن تجاهلهما عند بروز أزمات سواء في شرق القارة أو غربها.

الإطار التشغيلي الذي ستتفق عليه الدول المشاركة في قوة الردّ السريع يحدد ما إذا كانت بإمكانها أن تتجاوز معضلات المشاريع الأمنية الإقليمية أم ستصبح مجرد آلية جديدة لا تنال نصيبها من التفعيل في وقت يحتاج فيه الأفارقة لتعزيز تعاونهم الدفاعي لمواجهة التحديات

تضاف إلى ذلك معضلة مزمنة لا تواجه -فحسب- قوة الردّ السريع وإنما مشروعات التعاون الأمني الأفريقي وتتعلق بازدواجية الالتزامات العسكرية لدول القارة التي تنخرط في مبادرات وقوى إقليمية متعددة ومتداخلة من حيث الأهداف الأمنية والسياسية. خذ مثالا على ذلك القوة الإقليمية لدول الساحل الخمس التي يفترض انطلاقها نهاية العام الجاري بدعم فرنسي لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، فثلاث من هذه الدول هي بوركينا فاسو وتشاد والنيجر تشارك في قوة الردّ السريع.

ما يثير تساؤلا حول ما إذا كان قوة الردّ السريع ستتدخل مثلا في إحدى دول الساحل فأيهما تتبع وما هو نطاق ولايتها ومدى ضمان عدم معارضة دول أخرى ليست داخل القوة، الأمر ذاته ينطبق على القوة متعددة الجنسيات في بحيرة تشاد (النيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون) بالإضافة إلى بنين والتي تم تشكيلها في 2014 لمكافحة بوكو حرام وأقرها الاتحاد الأفريقي في مارس 2015.

يتعلق التحدي الأهم أيضا بنقص الإرادة السياسية للدول الأفريقية والتي لا تزال أنظمتها الحاكمة تخشى من تفعيل قوات مشتركة في القارة قد تتدخل في شؤونها الداخلية وتجبرها على مسارات ترفضها لا سيما وأن نطاق ولاية تلك القوات تمددت من الصراعات المسلحة إلى الأزمات السياسية الداخلية كما حال أزمة غامبيا الأخيرة.

ومع أن انضمام قوى مثل مصر والجزائر وجنوب أفريقيا لقوة الردّ السريع أعطى زخما عسكريا فإنه يفرض بالمقابل قيدا في ضوء أنه لا يمكن إنكار المنافسات وتباين توجهات الدول المشاركة في تلك القوة إزاء الأزمات التي يفترض أن تتدخل فيها.

أحد الأسباب غير المباشرة لتعطل القوة الأفريقية الاحتياطية وخاصة لواؤها في الشمال الأفريقي مقارنة بسرعة تجهيز لواء الإيكواس والإيكاس والسادك هو اختلاف التوجهات السياسية بين مصر والجزائر إزاء الأزمات الأمنية في شمال أفريقيا، ليبيا تحديدا، بخلاف أزمات الثورات العربية التي جعلت دول شمال أفريقيا منشغلة أكثر بالتحديات الداخلية، وكذلك التحفظ المغاربي عموما على التدخلات الخارجية سواء أكانت غربية أم أفريقية.

في الأخير فإن الإطار التشغيلي الذي ستتفق عليه الدول المشاركة في قوة الردّ السريع يحدد ما إذا كانت بإمكانها أن تتجاوز معضلات المشاريع الأمنية الإقليمية أم ستصبح مجرد آلية جديدة لا تنال نصيبها من التفعيل.

باحث في الشؤون الأفريقية

6