قوارب نهر أبي رقراق في المغرب تربط تاريخ الرباط وسلا

تواصل المراكب الخشبية رحلاتها ذهابا وإيابا لتنقل حركة المجاديف السريعة الركاب بين الرباط وسلا في تقليد مازال متواصلا رغم تطور النقل بين مدينتين يفصلهما مجرى النهر ويجمعهما التاريخ والجوار.
الرباط - على مياه نهر أبي رقراق المتعرج في المغرب، والذي يفصل بين مدينتي سلا والرباط، تنقل القوارب الخشبية الزرقاء الصغيرة الناس من ضفة إلى أخرى، وهو شيء يفعلونه منذ أجيال عديدة.
ويقول أصحاب القوارب إنهم فخورون بالتمسك بهذا التقليد، الذي يُعد تذكيرا بالماضي الذي لم تكن قد بنيت فيه الجسور أو استخدمت فيه وسائل النقل الحديثة الأخرى.
“كانت ضفاف النهر تغص بالركاب عند المغيب، بأولئك الذين يعملون في مدينة الرباط ويقطنون في مدينة سلا، والمركب هو الصلة الوحيدة بين الضفتين” يقول إدريس (76 سنة) وهو يربط حبال قاربه راسيا على ضفة أبي رقراق منذ ما يزيد عن خمسين عاما، على حد قوله.
أصحاب القوارب فخورون بالتمسك بهذا التقليد، الذي يُعد تذكيرا بالماضي الذي لم تستخدم فيه وسائل النقل الحديثة
وأضاف قائلا، إن الذين يقطعون النهر للوصول إلى الضفة الأخرى كانوا فيما مضى طلابا وحرفيين، من أبناء الطبقة الوسطى والكادحين، عمالا وموظفين بسطاء، دفعهم غلاء المعيشة في العاصمة الرباط إلى اختيار الاستقرار في مدينة السلا حيث تنخفض تكلفة استئجار المنازل وتتوافر أجواء عيش أكثر شعبية من أحياء الرباط الراقية.
ورغم تناقص عدد المسافرين عبر النهر ما زالت حركة المراكب التي ترسم خط الوصل بين الرباط وسلا، وتتجاوز كونها وسيلة نقل استعاض عنها الناس بعد توسيع القنطرة وانطلاق خط الترام بين عدوتي أبي رقراق ولاذوا بالبر عن النهر، هي ذاكرة مشتركة بين المدينتين، مازال بعض الأوفياء من أبنائهما خاصة القاطنين بمحاذاة ضفتي النهر، يعدونها وسيلة نقل أساسية للعبور من سلا إلى الرباط ومن الرباط إلى سلا.
وقال محمد الياذيني وهو صاحب مركب لنقل المسافرين يبلغ من العمر 53 عاما ويؤدي هذا العمل منذ أن كان طفلا “هذه وظيفة موروثة من الأب إلى الابن. ومع ذلك فهي ليست مفتوحة لأيّ شخص. إنها مثل سيارة أجرة تحتاج إلى تصريح خاص لممارستها”.
وأضاف “نرى الرباط على اليمين وسلا على اليسار مفصولتين بنهر أبي رقراق الذي يفصل ضفتي الرباط وسلا. فالأشخاص الذين يرغبون في تجنب حركة المرور يستخدمون القوارب لأن الذين يعيشون في مكان قريب يجدون قوارب البلدة القديمة أسهل طريقة للوصول إلى المنزل. هذه القوارب تستخدم هنا منذ فترة قديمة جدا”.
ومضى قائلا “كان سعر النقل رخيصا جدا من قبل. لم يكن ذلك كافيا لكسب لقمة العيش لأسرة. لكن الحمد لله كان هذا التغيير الذي حصل في البنية التحتية في مصلحتنا وأصبح المزيد من الناس يزوروننا لأنهم يثقون بنا وهناك نشاط سياحي متزايد”.
بينما يتم استخدام الخدمة في الغالب من قبل السياح الذين يتطلعون لرؤية قلعة الوداية القريبة التي يعود تاريخها إلى قرون، لا يزال هناك العديد من العملاء المحليين الذين لا يزالون يقومون برحلاتهم اليومية عبر النهر.
وقال عمر أقسيبي وهو مغربي يستعمل القوارب الصغيرة للتنقل “أتنقل عبر هذه القوارب منذ أكثر من سبع سنوات. جميعهم يعرفونني لأنني أعيش في المنطقة، لأنني إذا استخدمت التاكسي، سأفقد الكثير من الوقت.. الأفضل بالنسبة إليّ استخدام القارب والاستمتاع بإطلالة على النهر والضفاف. إنها قريبة جدا بالنسبة إليّ”.
لكن المخاوف تزايدت في الآونة الأخيرة مع تزايد عدد مشاريع البناء على ضفاف النهر.
وقال محمد الياذيني “ندعو المسؤولين إلى الاهتمام بنهر أبي رقراق وليس التركيز فقط على المباني الجميلة. نريدهم أن ينظروا إلى الأسفل (قاع النهر) لأنه عندما ترى قاع النهر يكون الأمر كارثيا. ماذا يمكن أن أقول”.
والمدينتان تشكلان حالة فريدة في العلاقة بين المدن الجارة بالمغرب، فهما الوحيدتان اللتان يشطرهما مجرى نهر إلى قسمين، فتشكل إحداهما الضفة الشمالية (سلا) وأخرى ضفة النهر الجنوبية (الرباط)، أما نهر أبي رقراق الذي يصب مجراه في المحيط الأطلسي قادما من الهضاب الوسطى للمغرب - وقد تفرعت عنه في الطريق إلى الرباط وسلا أنهار أخرى كنهر عركاش ونهر غرو – فمجراه يكون قد قطع 240 كيلومترا عند بلوغه المصب.