قوارب الموت تحمل أحلام الشباب المصري إلى هجرة بلا عودة

باتت الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا أزمة تشكل تحدا كبيرا أمام الحكومة المصرية، بعد التزايد الملحوظ في أعدادها، ما يتسبب في مخاطر تحصد أرواح الشباب، بعد أن تبتلعهم أعماق البحار ومعهم الأحلام التي دفعتهم لخوض هذه التجربة غير المحسوبة، هربًا من الفقر والبطالة والطموح والانبهار، بما هو موجود خلف السواحل المقابلة للمتوسط.
وأكدت الزيارة التي قام بها بديمتريس أفراموبولوس مفوض الهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة بالاتحاد الأوروبي للقاهرة الأسبوع الماضي، أن قضية الهجرة غير الشرعية من مصر لأوروبا أصبحت تمثل خطرا وهاجسا مشتركا.
وكشفت اللقاءات التي أجراها المبعوث الأوروبي مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وغيره من المسؤولين المصريين، أن هناك إجراءات أمنية وتحركات اقتصادية وسياسية جديدة، سوف تتخذ خلال الفترة المقبلة، للحد من المخاطر التي تنطوي عليها مسألة تدفق “مراكب الموت” المتجهة من مصر إلى بعض السواحل الأوروبية.
ويشير علي طلبة، مدرس علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي (بصعيد مصر)، في دراسة تحت عنوان “دوافع الهجرة غير الشرعية لدى الشباب المصري”، إلى أن الدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة أسباب الهجرة غير الشرعية ووقف التباين في المستوى الاقتصادي بين الدول المصدرة للمهاجرين، وراء هذه الظاهرة، خاصة للمنحدرين من دول تفتقر لعمليات التنمية، وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، بجانب عوامل اجتماعية وثقافية ونفسية.
رخا أحمد حسن: يجب محاربة سماسرة الهجرة ووسطائها حفاظا على الشباب
وتحمّل عبلة البدري، أستاذ علم الاجتماع، وسائل الإعلام المصرية مسؤولية المساهمة في انبهار الشباب بالغرب، ورسم صورة سوداء عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه، كما أضاءت لهم الطريق نحو أوروبا بعرض النجاحات ومظاهر الترف والثراء على كل من هاجروا نحو الغرب.
وأضافت أستاذ علم الاجتماع، أن وسائل الإعلام تجاهلت الدور الفاعل في توعية الشباب بخطورة الهجرة غير الشرعية لأوروبا، موضحة أن السياسات الحكومية السابقة غير المسؤولة أدت لإغراق المجتمع في أزمات اقتصادية واجتماعية، ومن ثم انتشار مافيا وسماسرة الهجرة, إضافة إلى السياسات المتحيزة لبعض الدول الأوربية تجاه دول الجنوب لتعميق تخلفها وفرض سيطرتها وتبعيتها.
في ذات السياق، قال أحمد عبد الحميد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس، إن انخفاض الدخل والبطالة يمثلان أهم العوامل التي تدفع الشباب للتفكير في الهجرة، لذلك يجب على الجهات المسؤولة توفير فرص عمل جديدة في السوق المحلى، مع ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية.
|
من جانبه، أكد السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، على ضرورة التحرك والتعاون الجاد بين الدول الأوربية ومصر لتأمين ومراقبة الحدود مع الدول التي يلجأ إليها الشباب، لمواجهة استغلال أصحاب مراكب الصيد وسماسرة الهجرة ووسطائها، والتصدي لتلك الجماعات وفرض عقوبات رادعة عليهم، حفاظا على أرواح الشباب.
وطالب مصطفى النشرتي، الخبير الاقتصادي، بسرعة وضع خطة تشارك فيها بلدان ضفتي المتوسط، بهدف رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لسكان الدول المصدرة للهجرة، وإقامة مشاريع تنموية في تلك الدول، مع توفير فرص عمل لشبابها بشكل شرعي، فهذه المشكلة تتطلب تضافر كل الجهود للحد من أخطارها.
ولا يختلف رأي شحاتة الزيان أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن الأراء السابقة، وقال لـ “العرب”، إن حالة اليأس الشديدة التي يعيشها هؤلاء الشباب باتت معروفة للجميع، وتعد من أهم أسباب الهجرة غير الشرعية، لكن المدهش هو أين دور الحكومة المصرية من تكرار هذه الحوادث، ومعرفتها بالأماكن التي يتم التسلل من خلالها؟
وأكد أن الخبراء والمسؤولين يتحدثون منذ حوالي خمس سنوات، عن الهجرة غير الشرعية والبروتوكولات الموقعة مع الدول المستقبلة للهجرة، مثل إيطاليا والتدابير التي اتخذت ضد مصر كدولة مصدرة للعمالة، والنتيجة في النهاية لا شيء حتى الآن، الشباب يغامر بالسفر ويغرق والإهمال لا يزال مستمرا من الجميع.