قوات الكوماندوز تسجل رقما قياسيا في الانتشار العالمي والانتهاكات

اتهامات خطيرة تواجهها القوات الأميركية الخاصة تتعل بارتكابها لسلسلة من الجرائم في العديد والتي وصلت إلى نقطة لا يمكن تغطية الانتهاكات فيها.
السبت 2020/04/11
سجل حافل بالسيئات

تواجه القوات الخاصة الأميركية المتواجدة في عدة دول سلسلة من الاتهامات بارتكاب جرائم القتل غير المبرر وإساءة معاملة السجناء والمعتقلين واغتصاب الأطفال والتشويه، بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات وغيرها من الجرائم التي تسيء إلى القوات الخاصة، ما يزيد من غضب الدول المُستضيفة عليها ويرفع من مطالبة الشعب بإخراجها، ما يعني التأثير سلبا على ‘الحرب العالمية على الإرهاب’ والتي كانت المبرر الرئيسي الذي ارتكزت عليه الولايات المتحدة في نشر قواتها في الشرق الأوسط وأنحاء متفرقة من العالم.

واشنطن – انطلقت، في أكتوبر الماضي، مجموعة من 8 طائرات أباتشي وطائرات مروحية من طراز سي إتش – 47 شينوك تحمل جنودا أميركيين من مطار في العراق. تسابقت الطائرات عبر الأجواء التركية وعبر الحدود السورية. ووصلت إلى مستوى منخفض عندما اقتربت من قرية في شمال محافظة إدلب أين كان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي وحراسه الشخصيون وبعض أطفاله يقضون ليلتهم.

فُتحت البنادق الرشاشة، في حين حلّقت الطائرات العسكرية فوقهم. واقتحمت مجموعة يتراوح عددها بين 50 و70 فردا من الجيش الأميركي مجمّعا خارج قرية باريشا (محافظة إدلب) مباشرة. عندما انتهى كل شيء، كان منزل البغدادي تحت الأنقاض، وقتل عدد غير معروف من الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة، بمن في ذلك المدنيون. وقتل البغدادي مع اثنين من أطفاله بعد أن فجّر زعيم داعش نفسه.

كانت غارة الكوماندوز  في سوريا أعلى مهمة للعمليات الخاصة الأميركية في سنة 2019، لكنها كانت واحدة من جهود لا تعد ولا تحصى للقوات الأميركية خارج حدودها. كما قاتل الجنود وماتوا في أفغانستان والعراق أثناء أدائهم لمهامهم وإشرافهم على تدريبات وتقديمهم للمشورة والمساعدة إلى القوات المحلية في بلدان تمتد من بلغاريا إلى رومانيا، وبوركينا فاسو والصومال وتشيلي وغواتيمالا والفلبين وكوريا الجنوبية.

في سنة 2019، عمل أفراد من القوات الخاصة في 141 دولة، وفقا للأرقام التي قدمتها قيادة العمليات الخاصة للولايات المتحدة إلى موقع توم ديسباتش. وبعبارة أخرى، انتشروا في حوالي 72 في المئة من دول العالم. وانخفض هذا العدد من أعلى مستوى في سنة 2017 (149 دولة). لكنه يمثل ارتفاعا بنسبة 135 في المئة عن أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما كانت القوات الخاصة الأميركية موجودة في 60 دولة فقط.

وكما قال قائد قيادة القوات الخاصة، الجنرال ريتشارد كلارك، لأعضاء لجنة المخصصات الدفاعية في مجلس النواب الأميركي خلال السنة الماضية، “يمكِّن وصولنا إلى الدول في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى شبكاتنا وشراكاتنا، وزارة الدفاع من الاستجابة عبر طيف المنافسة، لاسيما مع عمل منافسينا (روسيا والصين) على صقل مهاراتهم والنهوض بأهدافهم الإستراتيجية”.

جاء هذا المستوى شبه القياسي من الانتشار العالمي في وقت تواترت فيه الأسئلة حول سوء تصرف بعض القوات الأميركية. وكتب كلارك في مذكرة، في شهر أغسطس 2019، “جعلت الأحداث الأخيرة من ثقافتنا وأخلاقياتنا موضع شك وأصبحت تهدد ثقة الآخرين بنا”. وامتدت هذه “الحوادث”، التي تتراوح بين تعاطي المخدرات والاغتصاب والقتل، إلى جميع أنحاء العالم من أفغانستان إلى كولومبيا إلى مالي، لتلفت الانتباه إلى ما كان يحدث بالفعل في ظل انتشار القوات الأميركية الخاصة.

تركيز على الشرق الأوسط

انتشرت قوات العمليات الخاصة في 82 دولة أسبوعيا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. وأصبحت الولايات المتحدة تعتمد على معظم قوات النخبة بشكل أكبر من أي وقت مضى. في حين تشكل قيادة القوات الخاصة الأميركية 3 في المئة من الأفراد العسكريين الأميركيين، مثّلوا أكثر من 40 في المئة من الضحايا في نزاعات الولايات المتحدة عبر الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا.

خلال هذه الفترة، نما حجم قيادة القوات الخاصة وميزانيتها وتضاعفت وتيرة عملياتها الجغرافية. على سبيل المثال، بلغ تمويل العمليات الخاصة 3.1 مليار دولار في 2001، وازداد ليصل إلى حوالي 13 مليار دولار اليوم، وفق ما أكّده المتحدث باسم قيادة القوات الخاصة كين ماكجرو.

واليوم، تتشكل قيادة القوات الخاصة من حوالي 73 ألف عضو (من العسكريين والمدنيين) وتشرف على مجموعة واسعة من الأنشطة التي تشمل مكافحة الإرهاب والتمرد ومساعدة قوات الأمن والدعم في الحروب غير التقليدية. وفي سنة 2001، نشرت ما متوسطه 2900 من الكوماندوز في الخارج في كل أسبوع. ويقول كين ماكجرو إن هذا الرقم أصبح يبلغ 6700.

القوات الخاصة صارت مهووسة بقتل الأهداف واحدا تلو الآخر دون تدريب القوات المحلية لتحقيق الأمن والاستقرار بعيدا عن المساعدات الأميركية

وفقا للإحصاءات المقدمة إلى موقع توم ديسباتش، تم إرسال أكثر من 62 في المئة من هؤلاء إلى خارج البلاد في 2019 نحو الشرق الأوسط، متجاوزين أي منطقة أخرى في العالم. وفي حين تمركز أكثر من 80 في المئة من الجنود الأميركيين المنتشرين في الخارج في بداية العقد هناك، انخفض هذا العدد إلى ما يزيد قليلا عن 50 في المئة بحلول سنة 2017 قبل أن يبدأ في الارتفاع مرة أخرى.

وانتشرت بقية القوات في جميع أنحاء العالم بنسبة 14 في المئة في أفريقيا، وأكثر من 10 في المئة في أوروبا، و8.5 في المئة في منطقة الهند والمحيط الهادئ، و3.75 في المئة في أميركا الوسطى والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي. خلال أي أسبوع يمكن أن نجد الكوماندوز في حوالي 82 دولة.

تقليديا، ركزت قوات النخبة الأميركية بشدة على “التعاون الأمني” و”بناء قدرات الشركاء” (أي تدريب القوات المحلية وتقديم المشورة لها ومساعدتها). وفي شهادة قدمها لأعضاء الكونغرس، أكّد الجنرال ريتشارد كلارك أنه “بالنسبة إلى البلدان النامية، تعد أنشطة التعاون الأمني ​​أدوات رئيسية لتقوية العلاقات وجذب شركاء جدد مع تمكينهم من معالجة التهديدات والتحديات ذات الاهتمام المشترك”.

ومع ذلك، ليست الاهتمامات المشتركة ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة دائما. في الشهادة نفسها، ذكّر كلارك ببرامج سمحت للقوات الأميركية الخاصة بالاعتماد على بعض القوات المحلية كوكلاء في مهام مكافحة الإرهاب، وخاصة تلك التي تستهدف “أهدافا عالية القيمة”.

وقال إنه يسمح للعناصر بالاستفادة من المهارات والسمات الفريدة التي تمتاز بها القوى النظامية وغير النظامية في البلدان الأجنبية (المعارف المحلية، والعرق، والمهارات اللغوية) لتحقيق التأثيرات الحاسمة التي تخدم أهداف مهمتهم بطرق تخفف التهديدات على القوات الأميركية. وينطبق هذا بشكل خاص على المناطق النائية أو الحساسة سياسيا حيث تكون العمليات الأميركية الأكبر غير قابلة للتطبيق ويستفيد العدو من الملاذات الآمنة التي لا يمكن للأجانب الوصول إليها.

يمكن استخدام البرنامج، الذي اعتمد عبر أفريقيا والشرق الأوسط على نطاق واسع، بين صفوف قيادة العمليات الخاصة العسكرية الأميركية المشتركة، أو وحدات المهام الخاصة الأخرى. في أفريقيا، تتضمن هذه البرامج عادة أعدادا صغيرة من الأفراد التابعين لقوات الولايات المتحدة الذين يعملون مع ما يصل إلى 120 فردا من السكان الأصليين المدربين والمجهزين. وزعم كلارك أن هذه العمليات ساهمت في القبض على الآلاف من الإرهابيين وقتلهم. وأدت بعثات العمل المباشر إلى مقتل البغدادي وأسامة بن لادن وعدد من الأهداف الأخرى ذات القيمة العالية. لكنْ يشكك بعض الخبراء في فائدة هذه الهجمات العديدة.

ويعدّ قائد قوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا من 2015 إلى 2017، الجنرال دونالد بولدوك واحدا منهم. وترشح لعضوية مجلس الشيوخ في نيو هامبشاير، وينتقد ما يراه تركيزا مهوُوسا على قتل الأهداف واحدا تلو الآخر دون تدريب القوات المحلية لتحقيق الأمن والاستقرار ودون التكنولوجيا والمساعدات الأميركية. وقال بولدوك لتوم ديسباتش “لا يمكنك أن تقتل لشق طريقك نحو النصر”.

جرائم القوات

ابتليت قوات العمليات الخاصة بفضيحة مع انتشار تقارير عن نشاط أفرادها الإجرامي بالإضافة إلى الأسئلة الشائعة حول فعالية تكتيكاتها واستراتيجياتها. حسب الملخص التنفيذي لتقرير نشر في يناير الماضي حول هذا الموضوع، أصبح القادة يشككون في ثقافة قيادة العمليات الخاصة للولايات المتحدة وأخلاقياتها بعد عدد من الحوادث التي شملت بعض السلوكيات غير الأخلاقية التي زعزعت ثقة الجمهور.

وعبر قادة قيادة العمليات الخاصة عن انزعاجهم من ارتكاب قوات النخبة الأميركية للمخالفات. في نوفمبر 2018، شارك الجنرال ريمون توماس الذي كان قائدا لهذه القوات حينها في كتابة مذكرة تشدد على ضرورة الالتزام بالأخلاقيات.

وخضعت قيادة العمليات الخاصة لمراجعة تلتها “فترة تركيز على الأخلاقيات” دامت 90 يوما. بعد فترة وجيزة، تحدث الجنرال الذي خلف توماس عن الخلل الأخلاقي. وقال ريتشارد كلارك لأعضاء لجنة الاعتمادات بمجلس النواب “في الماضي القريب، اتُّهم بعض أعضاء وحداتنا الخاصة بانتهاك تلك الثقة والفشل في تلبية معايير السلوك الأخلاقي العالية والمطلوبة. وندرك قدرة هذه الأمور على تقويض الثقة التي تمكننا من النجاح في مهامنا”. واعتمد كلارك على تقييمات أمر توماس بها واستخدمها كأساس للمراجعة الشاملة التي صدرت في يناير.

62 في المئة من عناصر الكوماندوز متواجدون في الشرق الأوسط

وذكر كلارك في رسالة نُشرت مع التقرير أن المراجعة مفصلة وأشار إلى ضرورة اعتماد الجنود عليها لإدراك خطورة ما يقترفونه. ولكن، على الرغم من توظيف فريق استشاري مكون من 12 شخصا وفريق مراجعة من 18 فردا دققوا في ممارسات ألفي عسكري عبر قيادة العمليات الخاصة، لا يوجد دليل يؤكّد أن المراجعة كانت “مفصلة”. في حقيقة الأمر، لم يفصّل التقرير المؤلف من 69 صفحة الانتهاكات وما عبّر عنه بالسلوك غير الأخلاقي الذي كان يدقق في مدى انتشاره.

ومع ذلك، قدّمت سنة 2019 وحدها العديد من الأمثلة التي كان يمكن تضمينها في هذه المراجعة. ونذكر مثال كيفين ماكسويل جونيور الذي اعترف بجرائمه وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بسبب دوره في قتل الرقيب لوغان ميلغار في مالي سنة 2017. وحكم على فرد من قوات البحرية يدعى آدم ماثيوز بالسجن لمدة سنة إثر اعترافه بمجموعة من الممارسات التي تشمل الدخول غير القانوني، وعرقلة العدالة، والاعتداء في الهجوم على ميلغار.

في يوليو الماضي، ظهرت تقارير تفيد بالقبض فقط على أعضاء من القوات الخاصة لتعاطيهم الكوكايين، بعد أن نجحوا في التحايل على إجراءات المتابعة التي تشمل تحليل البول. في نفس الشهر، اتهم جنود موجودون في العراق باغتصاب عضوة مرتبطة بالوحدة. وفي نفس الوقت، كانت هناك شائعات حول سوء سلوك أكثر خطورة في اليمن. في سبتمبر 2019، طرد ثلاثة من كبار قادة القوات بسبب فشلهم في القيادة مما أدى إلى الإخلال بالنظام وقلة الانضباط.

في نفس الشهر، أُجبر أعلى قائد مدني في البحرية الأميركية ريتشارد سبنسر على الاستقالة بسبب الطريقة التي تعامل بها مع قضية الضابط إدوارد غالاغر الذي اتُهم بقتل صبي مصاب من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. وبعد أن ثبتت براءته من تهمة قتل الصبي أدين بالتقاط صورة معالجته. ثم خفضت رتبة غالاغر، لكن الرئيس دونالد ترامب ألغى القرار. وقال القاضي العسكري المتقاعد غاري سوليس إن حق ترامب في التدخل يعطّل مهمة المحامين العسكريين والمحققين في قضايا جرائم الحرب.

على الرغم من السجل السيئ لقوات النخبة توصّلت المراجعة الشاملة إلى نتيجة مقلقة. برّأ فريق المراجعة (الذي كان أعضاؤه مرتبطين بقيادة العمليات الخاصة) القيادة وقواتها الخاصة. وزعم الفريق أن الممارسات المرتكبة تصنف كسوء سلوك ولكنها لا تصل إلى حد الإجرام.

بدلا من النشاط الإجرامي، يكمن فشل قيادة العمليات الخاصة الأكبر في إصرارها على عدم فشلها واختيارها التركيز على قياس نجاحها بمدى “إنجاز المهمة”. وخلص التقرير في نهاية المطاف إلى أن القيادة لا تواجه مشكلة في الأخلاقيات.

مع انتشار الآلاف من قوات الكوماندوز في عشرات البلدان تآكل الانضباط إلى نقطة لا يمكن تغطية الانتهاكات فيها. وأعلن كلارك بعد إصدار المراجعة الشاملة عمله على تشكيل فريق تنفيذي لمتابعة هذه النتائج والتوصيات وتقييمها وتحسين السياسات المعتمدة وفقا لذلك.

ولكن هل يمكن الاعتماد على منظمة تنتج تقريرا يتجنب الرقابة الخارجية ولا يذكر جميع البلدان التي تعمل فيها القوات، وضمان مصداقيتها؟ وتبقى الفرصة أمام قيادة العمليات الخاصة لضمان الشفافية كما وعد بذلك تقريرها.

7