قنوات لبنانية تغامر بخسارة جمهورها بتشفير إرسالها

الظروف السياسية الراهنة سمحت للقنوات الفضائية اللبنانية بتجاوز القانون من خلال تشفير إرسالها في انتهاك لقانون الإعلام المرئي والمسموع في لبنان.
الجمعة 2020/01/31
أعباء جديدة على اللبنانيين

يرى متابعون أن قرار القنوات اللبنانية بتشفير إرسالها مغامرة غير محسوبة العواقب نظرا للأوضاع المادية المتدهورة للبنانيين في هذه الفترة، إضافة إلى أن محتوى هذه القنوات لا يشجع الجمهور على الدفع من أجل مشاهدتها.

بيروت- قررت عدة قنوات فضائية لبنانية تشفير إرسالها وفرض مقابل شهري على المواطنين لمشاهدة بثها، في خطوة أثارت جدلا واسعا منذ سنوات، ليأتي تطبيقها في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية وسياسية قاسية، مما يدفع للتساؤل حول إمكانية نجاحها في حل مشكلات هذه القنوات.

وبدأ بث الإعلان الترويجي في قنوات “إل.بي.سي.إي” و”الجديد” و”أو.تي.في”، ويجب على المواطنين الراغبين في مشاهدة بثها أن يشتركوا سواء عبر شركة Cablevision أو عبر موزع الكابل في منطقتهم وذلك مقابل بدل شهري يبلغ 4 دولارات أميركية لكل مشترك عن باقة المحطات اللبنانية التي دخلت عصر التشفير وتتوزع كالآتي: دولار ونصف الدولار لكل من “إل.بي.سي.إي” و”الجديد” ودولار واحد لـ”أو.تي.في”.

وبدأ الحديث حول تشفير بث القنوات اللبنانية منذ عامين بين أصحاب المحطات، وقد تم إنشاء شركة (LDN) “إل.دي.إن” التي تجمع الـ”إل.بي.سي.إي” و”الجديد” و”أو.تي.في” و”المستقبل” التي خرجت من الاتفاق نتيجة توقفها.

ومنذ ذلك الوقت اعتبر كثير من المتابعين أن العملية غير قانونية وهي انتهاك لقانون الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، وقال الخبير المحلف في الاتصالات والألياف البصرية سليمان فرح خلال برنامج تلفزيوني على تلفزيون لبنان الرسمي، إنه بحسب التراخيص المعطاة للقنوات اللبنانية، لا يسمح القانون لها أن تقوم بالتشفير.

محمد قواص: عدد الفضائيات في لبنان يتجاوز احتمال السوق الداخلي
محمد قواص: عدد الفضائيات في لبنان يتجاوز احتمال السوق الداخلي

وبدورها لفتت المحامية هيام جعفر إلى أن هذا القطاع تسوده الفوضى كما أنه لا يوجد قانون يرعى عمل أصحاب الكابلات، وأشارت إلى أن هناك بعض الشركات تسعى إلى قيام تكتل من أجل تأسيس شركات للقيام بعمل تجاري في ما بينها، وطالبت الوزارات المختصة بالتحرك فورا لوقف هذا الموضوع إلى حين أن تتم قوننته.

لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني بهذا الخصوص، والتشفير مازال ممنوعا، غير أن الظروف السياسية الراهنة سمحت لأصحاب القنوات الفضائية بتجاوز القانون، بعد وعود سياسية بإصدار مرسوم من مجلس الوزراء يعدّل القانون السابق.

ويعتبر مختصون أن الخيارات أمام القنوات الفضائية اللبنانية أصبحت شبه معدومة في ظل الانهيار الاقتصادي وندرة إيرادات  الإعلانات حيث وصل الأمر بالنسبة إلى قناة “إل.بي.سي.إي” إلى عدم قدرتها على دفع رواتب العاملين لديها بشكل كامل، وهي الآن تدفع ثلث راتب للموظفين فيها باستثناء العاملين في قسم الأخبار الذين لا يزالون يتقاضون نصف راتب، ولا أحد يعلم إلى متى يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه سواء بالنسبة إلى الإدارة ودفع جزء من الراتب أو بالنسبة إلى العاملين بالقبول بهذا الوضع.

ويرى الإعلامي اللبناني محمد قواص أن لجوء بعض الفضائيات إلى تشفير البث، وبالتالي الذهاب إلى خيار المشاهدة المدفوعة، يعبر عن اعتراف لأول مرة بأن عدد الفضائيات في لبنان يتجاوز قدرة السوق الداخلي على تحملها. ويكشف الأمر أن الإعلام اللبناني بشكل عام، والذي يعاني في السنوات الأخيرة من أزمة حقيقية أدت إلى إقفال صحف وضغط ميزانيات صحف أخرى، قد تجاوز مرحلة الاستفادة من المال السياسي العربي الذي كان يتدفق على لبنان في عقود سابقة.

وأضاف قواص في تصريحات لـ”العرب” “لا شك أن رواج الإعلام الخليجي أفقد الفضائيات اللبنانية لزوميتها، كما أن سقوط لبنان تحت هيمنة حزب الله والأجندة الإيرانية جرده من خصوصياته بالنسبة للممولين العرب. وفي ما عدا التمويل الإيراني المباشر لقناة وبعض ‘الفضائيات الصديقة’، فقد بات واضحا أن المال السياسي الخليجي لم يعد مهتما بالمشهد الإعلامي اللبناني وفضائياته”.

وأشار إلى أن “سوق الإعلان الخليجي قد تراجع بدوره في لبنان على نحو يجبر الفضائيات على اللجوء إلى وسائل تفرض على المشتركين تمويل الشاشات التي يتابعونها. ولا توجد معطيات كافية حاليا للتأكد من نجاح هذا الخيار بالنظر إلى أن المنتجات التلفزيونية اللبنانية تواجه منافسة كبرى من قبل فضائيات عربية مازال المشهد الفضائي يتيحها مجانا”.

ومن جهتها، اكتفت قناة “إم.تي.في” بمراقبة الأوضاع بحذر في انتظار ما ستؤول إليه تجربة القنوات التي اتخذت خطوة التشفير، ويعلل متابعون ذلك بعدة أسباب، أولها الأوضاع الاقتصادية السيئة للبنانيين والشك في قدرتهم على دفع مبالغ مقابل مشاهدة بث القنوات المحلية المشفرة.

والسبب الثاني هو أن الخطوة بحد ذاتها مغامرة فما الذي سيدفع المشاهد للدفع من أجل مشاهدة محتوى متوفر في قنوات أخرى، حيث يقول البعض إن برامج القنوات اللبنانية في غالبيتها نسخ مكررة من بعضها البعض، ويعاد عرض المسلسلات الدرامية على قنوات أخرى.

ويعتقد متابعون أن القنوات الأخرى غير المشفرة ومنها “إم.تي.في” قد تجذب المعلنين بشكل أكبر، خصوصا أنها سوف تستقطب جمهور القنوات المشفرة الذي لا يرغب بالدفع مقابل مشاهدة البث.

وذكرت مصادر في “إم.تي.في” أن وضع اللبنانيين اليوم لا يسمح بتحمّل أعباء إضافية وذلك رغم كل ما تعانيه التلفزيونات اللبنانية، ولذلك فستُبقي القناة بثها مجانيا حتى إشعار
آخر.

الخيارات أمام القنوات الفضائية اللبنانية أصبحت شبه معدومة في ظل الانهيار الاقتصادي وندرة إيرادات  الإعلانات

وجاءت ردود فعل اللبنانيين على قرار التشفير سلبية، إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا حول الموضوع وأكدت التعليقات على رفض دفع أي مبلغ إضافي، واعتبرت البرامج التي يتم عرضها على هذه القنوات لا تستحق الدفع لمشاهدتها، كما أن غالبية البرامج مستنسخة عن تلفزيونات عربية متاحة مجانا للمشاهدين.

ومؤخرا انتقلت معظم القنوات اللبنانية من قمر ‘نايل سات’ إلى ‘عربسات’. وأكدت مصادر أنّ أسباب الانتقال مادية بالدرجة الأولى، نظرا لعدم قدرة هذه القنوات على تسديد إيجار الحجوزات على القمر المصري، واعتبار البث عبر “عربسات” أقلّ تكلفة.

وأضافت أنّ “تقديم عربسات عرضا مغريا للقنوات اللبنانية بعدما منحتها فترة بث مجاني، شجّع على تلقّف هذه المبادرة، خصوصا أن لبنان يمرّ بضائقة اقتصادية ومالية غير مسبوقة تنعكس بشكل كبير على المؤسسات الإعلامية التي باتت مهدّدة في مصيرها”.

وأشارت المصادر إلى أنّ الضائقة المالية التي تعاني منها وسائل الإعلام ليست مرتبطة فقط بالأزمة الراهنة والتحرّكات الشعبية، بل تعود في جوانب كثيرة منها إلى ابتعاد المُعلَنين وغياب المال السياسي.

18