قمة مراكش: التغيرات المناخية تلامس أسوأ السيناريوهات

تعيش مدينة مراكش المغربية، في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 نوفمبر الجاري، على وقع فعاليات القمة العالمية للمناخ “كوب 22” التي تهدف إلى تفعيل ما جرى الاتفاق عليه العام الماضي في باريس لتخفيض الغازات المسببة للاحتباس الحراري ووضع تصورات جديدة لمصادر الطاقة النظيفة، التي أضحى المغرب اسما رئيسيا في مجال الاستثمار فيها، مستفيدا من شمس أفريقيا ورياحها التي تساعد على تطوير هذا المجال بما يجعل المغرب ومختلف الدول الأفريقية، التي يتحدث باسمها المغرب في كوب 22، الأكثر تأثرا بالاحترار المناخي من دون أن تكون مسؤولة عنه كما تحظى فقط بـ5 بالمئة من الاعتمادات المالية الدولية المخصصة للمناخ.
الأربعاء 2016/11/09
أمل جديد لمكافحة تغير المناخ

مراكش - يعتبر المغرب بلدا صاعدا في مجال الطاقة المتجددة وموطن أكبر مركب للطاقة الشمسية في العالم. ويعدّ من بين البلدان التي لا تتجاوز مساهمتها نسبة 15 بالمئة من مجمل الانبعاث العالمي الخاص بغاز الاحتباس الحراري. ويتطلع إلى الحد من تداعيات التغيّر المناخي، الذي يؤثر بشكل خاص على موارده المائية، حيث تراجعت نسبتها ثلاث مرات خلال 50 سنة.

ويعول المغرب على الخبرات التي اكتسبها من خلال إعداده لقوانين جديدة لحماية البيئة منذ مؤتمر “ريو 92”، حيث كان من أوائل الدول التي أعلنت عن مساهمتها الجدية في مكافحة تغيّر المناخ.

وأقدم المغرب مبكرا على رفع طموحاته لتأمين 52 بالمئة من قدرته الكهربائية الوطنية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030. وقام بتخصيص أكثر من 15 بالمئة من الاستثمار الوطني في أفق العام 2030 لوضع نموذج اقتصادي جديد في مجال التنمية وتفعيل آليات شراكة بين القطاع العام والخاص من أجل توفير رأسمال وطني واعد في مجال تمويل الطاقة النظيفة.

ومكّنت هذه الإنجازات المغرب من يتسلم مشعل رئاسة قمة المناخ الثانية والعشرين من فرنسا، ويحظى باستضافة قمة “كوب 22” في مدينة مراكش، التي فتحت أبوابها لاستقبال رؤساء عدد من الدول إلى جانب نحو 30 ألف شخص، بينهم 8 آلاف من ممثلي المجتمع المدني و1500 صحافي، سيواكبون فعاليات القمة من 7 إلى 18 نوفمبر الجاري.

ويتجه المغرب بمناسبة رئاسته للقمة الدولية إلى المصادقة على خارطة مالية ملموسة تمكن من تعبئة 100 مليار دولار بحلول العام 2020 لتمويل المشاريع مع إعطاء الأولوية للتكييف بحسب احتياجات كل بلد.

من باريس إلى مراكش

يعتبر لقاء مراكش مكمّلا لاتفاق باريس، وهو أول اتفاق عالمي يبحث عن بلورة الإجراءات التطبيقية لترجمة المبادئ الرئيسية بشأن المناخ، والتي جاءت عقب مفاوضات مضنية جرت خلال مؤتمر الأمم المتحدة عدد 21 للتغيّر المناخي في باريس 2015.

ويهدف هذا الاتفاق الملزم قانونيا إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين، ويسعى إلى حده عمليا في 1.5 درجة، وقد تمت المصادقة عليه من قبل كل الوفود (195) المشاركة في المؤتمر في ديسمبر 2015.

وجدد المشاركون في مؤتمر كوب 22 الدعوة إلى العمل بسرعة من أجل مجابهة التغيرات المناخية ومخاطرها، داعين الحكومات والمجتمع المدني العالمي إلى التعاون والتعامل بشكل جيد وجماعي لتكثيف جهود محاربة التغيرات المناخية، والانخراط في مبادرات إرادية جديّة لتقليص انبعاث الكربون، وربط التنافسية بمؤشر المسؤولية الاجتماعية والبيئية للمقاولة.

وتعرف القمة التي يحتضنها موقع باب إغلي التاريخي، مشاركة 20 ألف مندوب رسمي من 196 دولة، فضلا عن حوالي 40 ألف مشارك من هيئات المجتمع المدني، فيما من المتوقع أن يشرف على أمن القمة العالمية أكثر من 19 ألفا من قوات الأمن والدرك الملكي لتأمين حماية هذا الحدث العالمي.

ويحرص المغرب على استضافة أسماء بارزة من عوالم الرياضة والفن والثقافة والإبداع لحضور هذه القمة، على غرار النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا والنجم الهوليوودي دي كابريو، المعروف بدفاعه عن البيئة، في خطوات تؤكّد وعي الجهات المغربية المنظمة للقمة بأهمية الأدوار التي يمكن أن يلعبها المشاهير في التوعية بالمخاطر البيئية والمناخية.

المغرب يطمح لأن يشكل نموذجا للدول النامية في مجال مكافحة تغيرات المناخ وتحقيق التنمية المستدامة

تهدف قمة مراكش إلى تكثيف الجهود الدولية وإيجاد سبل ترجمة عملية لاتفاقية باريس حول المناخ، بحيث يؤكد منظمو مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ “كوب 22” أنه يرمي إلى تفعيل وترجمة العديد من المحاور المتفق عليها في اتفاق باريس “كوب 21” على أرض الواقع، من ضمنها التكيّف مع الوضع الجديد الخاص بتصاعد مياه البحار والمحيطات حول الأرض، مما ينذر بارتفاع حدة المخاطر من جراء ذوبان الجليد، ووقوع جفاف شديد يتجاوز مرتين ما تم رصده سابقا، حيث بلغ 14 بالمئة سنة 2015 مقابل 8 بالمئة في العام 2014.

وتسعى قمة مراكش إلى بلورة الآليات الدولية للشفافية ونقل التكنولوجيا اللازمة، وتكثيف بناء القدرات في مجال الموارد البشرية، حيث أصبح الاهتمام بالقضايا البيئية من أوليات السياسات العمومية للعديد من البلدان، خاصة في مجال نقل الخبرة من البلدان التي خطت خطوات هامة في درب التحسيس والتوعية بالحفاظ على البيئة، واتخاذ إجراءات قانونية وإدارية صارمة من أجل بيئة نظيفة تصاحبها تنمية مستديمة.

ويأتي ذلك متزامنا مع مساعي دول عربية وأفريقية عديدة إلى تحويل رهان تغيّر المناخ في اتجاه ضبط ميزان الإجراءات المناخية من خلال ربط إجراءات التقليص من كمية الاحتباس الحراري وقضايا التكيّف الضرورية والحيوية لإنعاش اقتصادها، وذلك بدفع المنتظم الدولي إلى توفير الاعتمادات المالية التي تمكنها من رفع التحدي.

وتشمل الاجتماعات مناقشة قضايا رئيسية من قبيل التكييف والتخفيف مع إجراءات الحد من التغيّرات المناخية، فضلا عن تلك المرتبطة بتنفيذ اتفاق باريس.

بالرغم من الاتفاق الحاصل في مجال حماية البيئة والحد من الاحتباس الحراري الذي وقع في باريس، فإن المفاوضات حول الآليات الكفيلة بوضع مسار التطبيق مازالت مثار اختلاف بين الدول الكبرى والنامية بخصوص الأولويات.

ولا يمكن أن تنتظر الدول التي تعاني من تداعيات المناخ إلى غاية سنة 2020، حيث مازالت العديد من الصعوبات تعترض الاتفاق على وسائل العمل ووتيرة تطبيق الإجراءات الخاصة بالاتفاقية الدولية في 12 ديسمبر 2015، حيث أن هناك خمسة ملفات مطروحة بحدة على أعمال قمة مراكش.

وتكمن أكبر مواضيع قمة مراكش في نقطة محورية تخص وضع القواعد الكفيلة بتطبيق اتفاق باريس، خاصة وأن الاتفاق على تحديد موعد يشمل تبني جملة من بنود الاتفاق على هذه القواعد المشتركة لا يزال قيد البحث والتشاور.

وكان الاتفاق في باريس قد شمل تفعيل تطبيق اتفاقية المناخ في أجل أقصاه 2020، حيث ظن المفاوضون بأنه كاف لتوضيح آليات الشفافية للمعلومات المتبادلة بين البلدان، ولعرض مضمون الحصيلة العالمية المبرمجة كل خمس سنوات، إضافة إلى متابعة إجراءات المبادرات الوطنية.

غير أن التوقيع المبكر الذي طرأ على الاتفاقية غيّر المعطيات الحالية المتوفرة، فدخول الاتفاقية حيّز التطبيق في 04 نوفمبر وانعقاد أول اجتماع للأطراف الموقعة في باريس مؤخرا، أديا إلى قرار اجتماع مبكر لـ100 دولة في مراكش في 15 نوفمبر المقبل بحضور عدة رؤساء دول.

ضرورة إيجاد تحالفات عملية وبناءة

أصبح من الضروري الانتهاء من تبني تلك القواعد المشتركة سنة 2018 كنقطة محورية لتتبع المسار المخطط لقمة المناخ وللحد من الأخطار الكبيرة المحدقة.

وتعد المساهمات الوطنية في أجندة محاربة الاحتباس الحراري ووقف تدهور البيئة بمثابة جملة من الالتزامات الإرادية والخاصة التي اتخذتها العديد من الدول للحد من آثار الاحتباس الحراري وانبعاث غاز أكسيد الكربون، وهي في الحقيقة كلها اختبارات لمصداقية ما اتفق عليه في باريس، والتي ستكون محل اهتمام بالغ ومراقبة شديدة.

وترى لورانس توبيانا، السفيرة الفرنسية المكلفة بالمفاوضات حول التغير المناخي، أن “الالتزامات الحالية ضعيفة وتعرف بونا شاسعا بين الفرقاء، بحيث إذا تم تجميع كل المساهمات الوطنية البالغة 189 مساهمة (من أصل 196 دولة) في أفق 2025-2030، فهي لن تتيح التحكم في الاحتباس والحد من حرارة الأرض تحت 2 درجة، والتي تعتبر السقف الضروري لاتفاقية باريس”.

ولذلك فإن قمة مراكش مطالبة بأن أن توجه نداء إلى تبني إجراءات إضافية للرفع من سقف الطموحات، وهنا اقترحت ألمانيا الجمع بين المبادرات الحكومية والمساهمات غير الحكومية، مما يجعل منها رأس حرباء مكمّلة للسياسات العمومية ولدعمها.

وكان وراء نجاح باريس في “كوب 21” إطلاق دينامية بين حكومات الدول وجملة من الفاعلين غير الحكوميين (مدن، مجتمع مدني، مقاولات، مراكز بحوث..)، بحيث تم إطلاق عدة مبادرات هادفة، كالتحالف الدولي للطاقة الشمسية، والمبادرة الأفريقية للطاقات المتجددة، وبعثات الابتكار، والتحالف من أجل سعر الكربون، والتحالف من أجل نقل نظيف، ومبادرة كرويس (نظام إنذار للتحولات المناخية القصوى)، والتحالف الدولي من أجل الطاقة الحرارية الأرضية.

لكن، وأمام صعوبة حصر جميع هذه المبادرات، قامت وزيرة البيئة المغربية حكيمة الحيطي ولورانس توبيانا بتبني مبادرة وذلك باقتراح تكوين لجنة متابعة دولية لدعم هذه التحالفات وجملة من المبادرات الدولية الأخرى في أفق مايو 2017، بحيث تتضمن وضع معايير وتسجيلها بغاية تقويم فعاليتها والوقوف على تقدم مختلف تلك البرامج.

ويتفق الخبراء على أن إجراءات التكيّف في غاية الأهمية، وبالرغم من كونها ليست جديدة، إلا أن المطلوب من الدول النامية هو أن تتكيف أكثر من ذي قبل مع ميزان العمل من أجل الحفاظ على سلامة البيئة وحماية الطبيعة، والتقليص من انبعاث الغاز المسبب للاحتباس الحراري، لكن مساهمتها في مواجهة تداعيات ارتفاع درجات الحرارة أصبحت أيضا من أولويات بلدان الجنوب.

وبناء على ذلك تقدر منظمة التعاون الاقتصادي تكاليف التكيف بين 8 و16 مليار دولار سنويا في أفق 2020.

لكن هذا الرقم الذي يؤشر على ارتفاع ملحوظ، لا يزال دون التكاليف الحقيقية التي يمكن أن تصل إلى 300 مليار دولار في أفق 2030، بحسب خبراء تابعين لمنظمة الأمم المتحدة.

كوب أفريقي

يعتبر المغرب أن قمة مراكش لتغير المناخ هي في الحقيقة “كوب أفريقي” لجهة التأكيد على رهان الاستثمارات المالية ودعم البلدان السائرة في طريق النمو.

ومن المواضيع التي يركز عليها المغرب بشدة في مؤتمر قمة مراكش، دعم الميدان الفلاحي في أفريقيا التي لا يتجاوز فيها حجم انبعاث الغاز 3 بالمئة، حيث سيتم عرض جملة من الإجراءات الخاصة بالتكيف ودعم الزراعة لتأمين الغذاء الكافي لشعوبها من خلال المبادرة المعروفة بـ”ثلاثية أ” (تتضمن الإجراءات اللازمة لمساعدة الفلاحة الأفريقية على التكيف والتأقلم مع الإجراءات المناخية العالمية)، والتي تضم لحد الآن 27 دولة من أفريقيا.

ومن المفترض أن يتم اقتراح تدابير جديدة تخص معالجة التربة، والغابات، وتدبير المياه، ومساعدة صغار الفلاحين.

باحث في جامعة السوربون

6