قمة ليبيا للطاقة تمنح حكومة الدبيبة فسحة للاستمرار

طرابلس- مثّلت النسخة الثانية لقمة ليبيا للطاقة والاقتصاد والتي استمرت ليومين متتاليين في العاصمة طرابلس، فرصة لتشكيل ملامح التحالفات الاقتصادية وخارطة المصالح التي باتت تربط حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبدالحميد الدبيبة بعدد من الدول المؤثرة في المشهد السياسي الليبي العام ببعديه المحلي والإقليمي، سواء من خلال الاتفاقيات الحكومية أو مع الشركات العالمية الكبرى المتحكمة في أسواق النفط والغاز.
وانعقدت القمة يومي السبت والأحد، بحضور أكثر من 1300 مشارك يمثلون أكثر من 30 دولة من بينها تركيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا والجزائر، وعدد من الشركات الرائدة في مجال النفط والغاز والطاقات المتجددة، أبرزها “إيني” الإيطالية و”ريبسول” الإسبانية و”توتال” الفرنسية و”أويل أنفست” المتخصصة في توريد وتجارة وتكرير وبيع المنتجات البترولية في إيطاليا وألمانيا وسويسرا وإسبانيا وهولندا وتقوم بأنشطتها التجارية من قبرص، وسوناطراك الجزائرية، وأشرفت على القمة منصة استثمار الطاقة الرائدة في أفريقيا “إنرجي كابيتال آند باور”.
وأكد الدبيبة في كلمته بمناسبة القمة أن حكومته “سعت لخلـق البرامج المهمة لإنعاش الاقتصاد الوطني وحـل الصعوبات التي تواجـه التنمية في مجال النفط والغاز”، مشيرا إلى أن “ملف الطاقة الكهربائية كان تحديا كبيرا وبذلنا جهودا لاستقرار الشبكة الكهربائية الذي نراه اليوم واقعا لامسه المواطن”.
كما دعا إلى “الاهتمام بالبحث عن مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، بما في ذلك استخدام الطاقة الشمسية عن طريق استغلال إمكانات ليبيا لإقامة أضخم حقول الطاقة الشمسية في المنطقة”.
كما شدد على سعي ليبيا إلى احتلال مرتبة متقدمة بين الدول المتفوقة في مجال الطاقة الشمسية، مع تصدير الفائض منها إلى دول الجوار والقارة الأفريقية ودول البحر المتوسط.
وبحث الدبيبة مع ممثلي عدد من الشركات الأجنبية “تطوير التعاون في استكشاف النفط، واستثمار إمكانات ليبيا في مجال الطاقة”، وناقش مع شركات ممثلة عن تركيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها استثمار إمكانات ليبيا في مجال الطاقة.
وكان الدبيبة أكد “ضرورة مناقشة اتفاقية تطوير الاكتشافات النفطية والغازية، والوقوف على كل الملاحظات”، معتبرا أن “كل الجهات الرقابية والتنفيذية والمهتمين من الخبراء طرف أول يمثلون الدولة الليبية للحفاظ على حقوقها”.
ولوحظ حضور متميز للدول التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع طرابلس، ومن بينها تركيا التي قال وزيرها للطاقة ألب أرسلان بيرقدار إن ليبيا لديها قدرات هائلة من النفط والغاز، مبديا سعادة بلاده بالتعاون والعمل معها، حسب وصفه.
◙ الدبيبة سعى منذ تقلده رئاسة الحكومة إلى تحقيق توازنات في علاقاته الإقليمية والدولية وربط علاقات مصلحية
وأشار بيرقدار إلى أن هناك عدة أسباب لتكون ليبيا مهمة لتركيا والسوق العالمي، موضحا أن ليبيا لديها قدرات كبيرة ليس فقط في النفط والغاز بل أيضا في الطاقة المتجددة.
كما كان الحضور الجزائري لافتا، حيث وقع مجمع سوناطراك والمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، الأحد، بطرابلس الليبية، على ملحق لمذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين في 2022، حسبما أفاد به بيان للمجمع العمومي.
كما وقع من جهة أخرى، فرع مجمع سوناطراك “سيباكس” والمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، خلال ذات المناسبة، على تعديلين يتعلقان بتمديد فترات التنقيب على مستوى الرقعتين التعاقديتين 95/96 و65 الواقعتين بحوض غدامس بليبيا.
وفي أوائل يناير الجاري، رد الدبيبة على الملاحظات الواردة من ديوان المحاسبة، والمذكرة المقدمة من خبراء ليبيين في قطاع النفط والغاز بشأن النقاط التي تحتاج إلى التوضيح والرد، مشددا على أن “كل الجهات أمام مسؤولية وطنية من أجل الاستثمار في مجال النفط والغاز وفق ضوابط قانونية وفنية تضمن حقوق بلادنا”، وعرض فريق المؤسسة الوطنية للنفط تاريخ القطعة المراد تطويرها بحقل “الحمادة”.
وأثارت اتفاقية تطوير الحقل، التي تعتزم حكومة الدبيبة توقيعها أواخر يناير 2024، جدلا واسعا داخل ليبيا، ومعارضة محلية، خاصة من قِبل عدد من الخبراء الوطنيين ومجلس النواب والنيابة العامة وديوان المحاسبة، فيما أوصى ديوان المحاسبة في طرابلس الحكومة بضرورة إيقاف إجراءات توقيع اتفاقية تطوير حقل الحمادة “إلى حين استكمال الديوان أعمال المتابعة، والاطلاع على الدراسات والتقارير الفنية، والتحقق من صحة وسلامة الإجراءات التي قامت بها المؤسسة بخصوص هذا المشروع”.
ويرى مراقبون أن الدبيبة سعى منذ تقلده المنصب، إلى تحقيق توازنات في علاقاته الإقليمية والدولية وربط علاقات مصلحية مع الدول المؤثرة في المشهد الداخلي لبلاده بالاعتماد على صفقات وعقود النفط والغاز، لكن هذا التوجه اصطدم مؤخرا بمواقف وتوجهات بعض حلفائه الداخليين.
ويشيرون إلى أنه لا يخفي ميله إلى الاستفادة من سلطته المالية والاقتصادية وامتياز عقد الصفقات والعقود في تحقيق ضمانات البقاء والاستمرار في الحكم، لاسيما أن أغلب الدول الكبرى تسعى لخدمة مصالحها وتوفير مجالات أوفر للمنافسة الجادة لفائدة شركاتها في مجالات النفط والغاز، وهو ما بات الدبيبة يمتلك آليات التعامل معه بشكل واضح.
وتبرز أوساط ليبية أن الدبيبة نجح خلال العامين الماضين في توطيد علاقاته مع الشركات الكبرى المتخصصة في الطاقة والتي تمتلك تأثيرا كبيرا على حكوماتها.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة في كلمته إن “مؤسسة النفط منذ إنشائها حافظت على العلاقات الإستراتيجية مع شركائها الدوليين لتحقيق الاستقرار في أمن الطاقة العالمي”، لافتا إلى أن “المؤسسة وضعت خططا وإستراتيجيات نهدف من خلالها إلى إعادة ليبيا إلى واجهة قطاع الطاقة من خلال زيادة الإنتاج”، مضيفا أن “المؤسسة هدفها رفع الإنتاج إلى 2 مليون برميل في اليوم وهو مرتبط بتطوير شراكاتنا مع الشركات الأجنبية”.
وقال وزير النفط والغاز محمد عون إن “ليبيا لديها كميات كبيرة من النفط والغاز لم تكتشف بعد ونحو 30 في المئة من الأراضي الليبية لم تستكشف نفطيا، وأن الغاز الصخري والنفط الصخري متوفر لدينا بكميات كبيرة جدا، ومستقبل ليبيا في مجال النفط والغاز لايزال كبيرا”، لافتا إلى أن “هناك بعض الدول الأفريقية بدأت الآن فقط في اكتشاف النفط لديها، وهناك 600 مليون أفريقي لم يروا الكهرباء في حياتهم”.
وكشف عون أن الوزارة وضعت رؤية لخطة عشرية تستهدف زيادة التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، ولإنجاحها نحتاج إلى إسهام الشركات الأجنبية وعلى رأسها الشركات النفطية مثل إيني، داعيا الدول الأوروبية إلى المساعدة في رفع التجميد عن الأموال الليبية في الخارج بغية تطوير قطاع النفط، وبهدف استثمار الأموال في مجالات الطاقات الكربونية والنظيفة.
وتحدث عون عن جهود بلاده في زيادة حجم احتياطاتها من النفط والغاز، بهدف تعزيز قوتها الطاقية ورفع حجم الإيرادات التي تعتمد عليها موازنة الدولة، مبرزا أن “الدولة الليبية بدأت فعليًا الاستقرار ولله الحمد، وبدأت التوجه نحو التنمية مستفيدة من إمكاناتها في النفط والغاز”.
وتجاوز إنتاج ليبيا من النفط في 2023 حاجز 432 مليون برميل، وسط استقرار المعدلات غالبية أشهر العام بالقرب من مستويات 1.2 مليون برميل يوميا.
كما بلغ إنتاجها من الغاز نحو 12 مليارا و391 مليونا و398 ألفا و48 مترا مكعبا، في حين بلغ إنتاج المشتقات النفطية نحو 6.166 مليون طن، والمكثفات نحو 2.4 مليون طن، والبتروكيماويات نحو 682.6 ألف طن.