قمة سوتشي تنجح في التسويق لروسيا الجديدة في أفريقيا

فلاديمير إيشينكوف – كارا آنا
موسكو – نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استثمار قمة سوتشي كما خطط لها، وحوّلها إلى منصة للترويج لروسيا، القوة الصاعدة، التي يمكن أن تلعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، وتزوّد الأنظمة بما تحتاجه من أسلحة ودعم وفيتو مجلس الأمن إن اقتضى الأمر.
خلال الحرب الباردة، قدّم الاتحاد السوفييتي مساعدات اقتصادية وعسكرية للعديد من الدول الأفريقية وسط التنافس مع الولايات المتحدة. ثم تلاشى تأثير موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991، وأصبحت روسيا بعيدة عن الغرب والصين في مجاليْ التجارة والاستثمار في أفريقيا. لكنها عادت للاستفادة من العلاقات المبنية خلال الحقبة السوفييتية لتوسيع دورها في شؤون القارة.
لكن، بدا واضحا، في أول قمة روسية أفريقية تواجد فيها زعماء 43 من 54 دولة أفريقية، أن سياسة روسيا الجديدة تختلف عن السابق في دعم الأنظمة الأفريقية. ففي الماضي كانت روسيا السوفييتية تدعم الحركات الثورية وجماعات التمرد، أما اليوم فروسيا تحتاج إلى التعامل بحكمة مع الأنظمة.
تحتاج روسيا في مواجهتها الحالية مع الغرب إلى جملة من العلاقات البديلة والتكميلية في جميع أنحاء العالم. وفي أفريقيا، يتجلّى هذا التعاون في الفرص الاقتصادية مثل التمتع بأسواق القارة والصفقات لحيازة الموارد الطبيعية ومبيعات الأسلحة، وجمع حلفاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
تحدثت موسكو خلال القمة عن تقديم معونات عسكرية وإنشاء مشاريع اقتصادية. كما عرضت مساعدة مصر وإثيوبيا عبر التوسط في النزاع المتزايد بين اثنين من أبرز قوتين في القارة. في موقف يعكس أيضا منافسة واضحة لواشنطن، التي وجّهت دعوة إلى عقد اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن بشأن سد النهضة.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن بوتين تناول القضية مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في اجتماعات منفصلة على هامش القمة التي استمرت على مدى يومين. ولم يوضح بيسكوف رد مصر وإثيوبيا وإن قبلتا عرض الوساطة الذي قدمته الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة كذلك.
ويأتي هذا التدخل كواحد من أبرز المحاولات الروسية الرامية إلى توسيع نفوذ موسكو في أفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية. كما كان لافتا، خلال القمة، الإغراءات العسكرية السلاح التي قدمتها روسيا، عبر عرض معدّاتها العسكرية على رؤساء الدول المشاركين.
وأكد بوتين على مكانة الهدف المتمثل في تطوير علاقات أقوى مع بلدان القارة، حيث يعدّ من أولويات السياسة الخارجية الروسية. وأشار إلى بروز الدول الأفريقية كركائز مهمة في العالم متعدد الأقطاب.
تضاعفت التجارة السنوية التي تجمع روسيا بالدول الأفريقية في السنوات الخمس الماضية لتتجاوز 20 مليار دولار. وأعرب بوتين عن ثقته في إمكانية مضاعفة هذا العدد مرة أخرى “كحد أدنى” في السنوات الأربع أو الخمس القادمة.
وأكد الرئيس الروسي وجوب توسيع التعاون بين روسيا والدول الأفريقية في مكافحة التطرف، بطرق تشمل تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية. تعدّ روسيا أكبر مورد للأسلحة في أفريقيا، وأشار بوتين إلى تمتع بلاده باتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 30 دولة تابعة للقارة. وأكد على قدرة موسكو على تدريب العسكريين والأمنيين في هذه البلدان.
ولقي بوتين ترحيبا من عدة دول، حيث قال رئيس المجلس الانتقالي العسكري السوداني، عبدالفتاح البرهان، خلال لقائه مع بوتين، “نأمل أن تساعدونا، وخاصة على بناء قواتنا المسلحة”. كما قال مكتب الرئيس النيجيري محمد بوخاري إنه وافق على تجديد اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا والتي من المتوقع أن تمهد لشراء المزيد من المعدات العسكرية، وذلك بصفته رئيس أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.
وقالت المصادر النيجيرية إن البلاد ستعمل على تحسين كفاءة قطاع النفط المهم في أبوجا، من خلال إنشاء إطار لمشروع مشترك بين شركة النفط المملوكة للدولة النيجيرية وشركة لوك أويل الروسية. كما وافقت على توطيد مشروع يجمع بين مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية وشركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم.
وعبّر قادة أفارقة عن استحسانهم لاهتمام روسيا بالقارة. وقال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، عبر المتحدثة باسمه إن مكانة روسيا الجيدة في نظر العديد من الدول الأفريقية تنبع عن غيابها كقوة استعمارية.