قمة بريكس في قازان ما بين سقف الطموح العالي والخشية من الإخفاقات

قازان (روسيا) - تعقد مجموعة بريكس قمتها في قازان عاصمة تتارستان بروسيا في الفترة من 22 وحتى 24 أكتوبر الجاري، وذلك وسط آمال وطموحات مختلفة سواء بالنسبة إلى الدول المؤسسة للمجموعة أو الدول حديثة الانضمام والتي يرتبط انضمامها للمجموعة بقواعد واعتبارات تختلف عن بعضها البعض بشكل واضح.
وقمة قازان تعتبر الأولى بعد المرحلة الثانية من توسعة المجموعة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن المرحلة الأولى للتوسعة كانت في أبريل من عام 2011 عندما انضمت جنوب أفريقيا لها، ويمكن القول صراحة إن هذه المرحلة ربما كانت الأخيرة التي ارتبطت توسعة المجموعة فيها بالقواعد الأساسية المنظمة لعملية الانضمام وهي “تحقيق أكبر معدلات تنمية اقتصادية” في العالم.
وفي المرحلة الثانية يلاحظ أن هناك العديد من الدول انضمت إلى المجموعة رغم أنها لم تحقق معدلات التنمية المطلوبة، وهو ما يعطي الدافع القوي للقول إن أساس التوسعة هذه المرة كان الاعتبارات السياسية أكثر من الاعتبارات الاقتصادية، كما يلاحظ أن كل دولة من الدول حديثة الانضمام لها أهدافها الخاصة بها والتي دفعتها للانضمام، فعلى سبيل المثال سوف نجد أن دافع الأرجنتين للانضمام وقت أن تقدمت أساسا بطلب العضوية وقبل التغييرات الأخيرة في اتجاهاتها كان هو الدافع السياسي والرغبة في الفكاك من سيطرة الدولار، أو بالأحرى محاولة يائسة للفكاك من الهيمنة الأميركية.
من لم يلحق بركب الإنتاج وتعزيز قدراته التصديرية سوف يتحول إلى مجرد سوق لتدفق منتجات الدول الأعضاء
وفيما يخص إيران هناك أسباب أمنية وأخرى سياسية، وتشمل الأسباب الأمنية الإنتاج المشترك لبعض أنواع الأسلحة مثل المسيّرات وبعض القذائف، أما الأسباب السياسية فهي أن إيران ربما تكون إحدى نوافذ توسيع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
وفي ما يتعلق بمصر وإثيوبيا فربما تتماثل مصالحهما في الانضمام لبريكس وإن كانت لا تتلاقى، ذلك أن كلا منهما يمر بضائقات مالية واقتصادية، ويحتاج بشدة إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لتمويل مختلف المشروعات الإنتاجية على أمل مضاعفة الإنتاج ، إلا أن الوضع الجغرافي الفريد الذي تتمتع به مصر إلى جانب الاستقرار السياسي والأمني وغيرها من المميزات النوعية يعطيها ميزة نسبية تفوق إثيوبيا في مجال الجدوى الاستثمارية.
ومن الواضح أن مصر تدرك جيدا هذا الواقع، والأكثر أنها تدرك جيدا أن السوق الروسية والصينية وأسواق بعض الدول الأخرى لم تعد واعدة، ولا يمكن الاعتماد عليها في ما اعتادت تصديره من منتجات تقليدية مثل الخضروات والفاكهة وغيرهما. وإذا تمت متابعة حالة السوق الروسية في السنوات الأخيرة بإمعان، سوف نجد أن روسيا تسير بخطى سريعة للغاية في مجال تنويع الإنتاج ومعدلاته بما في ذلك المنتجات الغذائية، فالتقارير الأخيرة للجهاز الاتحادي للإحصاء في روسيا تشمل أرقاما لمستوى الاكتفاء الذاتي لروسيا في مجال الأمن الغذائي، وهي أرقام لا تعطي الأمل مطلقا لمن يواصل الاعتقاد بأن السوق الروسية هي سوق واعدة للمنتجات الزراعية التقليدية.
غالبية الدول التي انضمت إلى بريكس هي من الدول التي لها تاريخ في الاستثمار، أي أنها دول تمويلية
وينبغي تذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد دشن قبل سنوات برنامجا طموحا في مجال الأمن الغذائي، وهذا البرنامج يقوم على أساس تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من قطاعات المنتجات الزراعية والحيوانية والغذائية، وكافة التقارير الواردة من روسيا تؤكد أنها حققت نتائج كبيرة في هذا المجال، حيث أفاد التقرير الأخير لهيئة الإحصاء أن روسيا تمكنت للعام الثاني على التوالي من تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال البطاطس وصل 101 في المئة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن دولة مثل مصر اعتادت لعقود طويلة على تصدير هذا المنتج لروسيا؛ وهو ما يعني أنه لا يمكن التعويل على ذلك كثيرا، والأمر لا يتوقف عند ذلك فقد تمكنت روسيا في ظل العقوبات الغربية من تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضا في مجال اللحوم بنسبة 101.7 في المئة ومنتجات الألبان بنسبة 84.3 في المئة والأسماك 102.9 في المئة والبيض 98.6 في المئة والخضروات 89.1 في المئة والفاكهة 44.6 في المئة.
والأكثر من ذلك هو أن روسيا حققت نتائج مبهرة في حاصلات زراعية لم تكن تهتم بها من قبل حيث تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال تقاوي الأرز بنسبة 90 – 95 في المئة وهو ما يعني أنها تتجه بقوة لزراعة الأرز لتوفيره في السوق الداخلية والتصدير، وبدأت بالفعل في تجربة زراعة القطن حيث حققت التجربة هذا العام نجاحا مبهرا وفقا لتقديرات أكبر الخبراء في العالم في هذا المجال، وهو ما يعني أيضا أنها في غضون سنوات قليلة سوف تدخل مضمار سوق المنسوجات بقوة شديدة وتصبح من أكبر المنافسين فيه.
إذن ما الذي تعنيه هذه الأرقام؟ بكل بساطة إن من يعتقد بأن الانضمام لبريكس في حد ذاته سوف يحقق له المكاسب فهو مخطئ، وقد يعود ذلك عليه بخسائر كبيرة، فمن لم يلحق بركب الإنتاج وتعزيز قدراته التصديرية سوف يتحول إلى مجرد سوق لتدفق منتجات هذه الدول وإثقال نفسه بالمزيد من الديون إلى الحد الذي يفقد معه جانبا ليس بسيطا من سيادته للوفاء بهذه الديون.
وغالبية الدول التي انضمت إلى بريكس هي من الدول التي لها تاريخ في الاستثمار، أي أنها دول تمويلية، وبما أن المال لا يعرف العواطف، لذلك من لم يواكب المسيرة سوف يبتلعه رأس مال بريكس بكل بساطة ودون هوادة.