قمة الحكومات في دبي تبحث وضع أسس التسامح والتضامن بين الشعوب

الإمارات تدرك جيدا أهمية التعايش السلمي داخل المجتمع في إرساء الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وهو ما كان منطلقا لها لترسيخ نموذج ملهم للتسامح. بهذا المنطق ناقشت جلسة ”التسامح الديني في بناء المدن والمجتمعات”، التي كانت من بين منتديات القمة العالمية للحكومات في دورتها السابعة في دبي، أهمية خطاب التسامح باعتباره سلاحا ضد الكراهية مستعرضة سبل وضع أسس الوفاق بين شعوب العالم، وإيجاد نوع من التضامن في ظل الصراعات والنزاعات التي تشهدها المنطقة والعالم.
دبي- الترويج لخطاب التسامح كمضاد لمفردات الكراهية إلى جانب تجاوز الاعتبارات الدينية والعرقية الضيقة من المسائل التي ناقشتها جلسة تناولت موضوع ”التسامح الديني في بناء المدن والمجتمعات”، والتي كانت من ضمن منتديات منصة السياسة العالمية في القمة العالمية للحكومات التي احتضنتها دبي.
واستعرضت الجلسة الحوارية وضع أسس للتسامح والمحبة والوفاق بين جميع شعوب العالم، وإيجاد نوع من التضامن والتعاون لإسعاد الإنسان وتحسين حياته في ظل الصراعات والنزاعات التي تشهدها المنطقة والعالم.
وأكد محمد سعد أبوبكر سلطان سوكوتو من جمهورية نيجريا الاتحادية، في كلمته، أهمية تحقيق السلام والتسامح بين مجتمعات العالم كونهما يعدان أهم كنز يمتلكه الإنسان. وتطرق إلى ضرورة تعزيز الاحترام المتبادل بين الشعوب وإثراء الحوار والنقاشات بين مختلف الديانات بما يضمن إعلاء خطاب التسامح والوئام على مفردات الحقد والكراهية والاعتبارات الدينية والعرقية الضيقة.
فيما أكد الدكتور جوزيف بول، المدير العام لمكتب وثيقة التسامح والإصلاح في المملكة المتحدة، أن التسامح الديني جزء لا يتجزأ من المجتمعات السلمية كونه يعزز احترام آراء الشعوب والأمم وينشر المحبة بين الجميع من مختلف الديانات والمشارب. كما أشاد بجهود الامارات في تعزيز مفاهيم التسامح والسلام والمحبة والوئام من خلال إنشاء وزارة للتسامح.
بدورها، تطرقت ماريا إيلينا أجويرو، الأمين العام لنادي مدريد في مملكة إسبانيا، إلى أهمية تعزيز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل والتنوع كوسيلة لزيادة القوة والمرونة بين مختلف الأمم لتحقيق مجتمعات سليمة متناغمة ومزدهرة، داعية إلى ضرورة تعزيز الحوار البناء مع الثقافات والديانات الأخرى لتفادي ظهور صراعات مثقلة بالكراهية والتعصب.
وخلال مؤتمر القمة العالمية للحكومات، ألقى الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح في الإمارات كلمة جاء فيها على دور القانون وتعزيزه لوجود النظام العام والاستقرار.
وعرج وزير التسامح الإماراتي على دور الحكومات في دعم نهج التسامح ونبذ الكراهية والتطرف من خلال المبادرات والتشريعات وتأسيس قيم الحوار البناء، إلى جانب ترسيخ الاختلاف الديني أو المذهبي لتشجيع التنوع وتحويله إلى قيمة اجتماعية عليا وثقافة تحقق فائدة مشتركة.
وشدد على أن دولة الإمارات تعتمد منهج احترام اختلاف العقائد الدينية مما ساهم في تحقيق ازدهار البلاد. وختم وزير التسامح الإماراتي كلمته بالتأكيد على “دور الدين في مساعدة المجتمعات على قبول الآخر إذا لم يستغل من قبل قوى التطرف”.
وتدرك الإمارات أهمية التعايش السلمي داخل المجتمع الواحد في إرساء الأمن والاستقرار والسلام إلى جانب دور الإنسان في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة في كافة قطاعات العمل، وهو ما كان الدافع لها والمنطلق لترسيخ نموذج ملهم للتسامح.
وتعد الإمارات نموذجا للدولة التي تستقبل مقيمين من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف والثقافات والعقائد، ليكون تعايشهم السلمي رغم اختلافهم أحد العوامل التي تجعل من الإمارات “واحة سلم وأمان”.
وكانت للإمارات مبادرات عديدة في سياق إيمانها بقيم التسامح والسلم والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة واحترام الآخر، آخرها الزيارة التاريخية المشتركة للقطبين الدينيين الكبيرين البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إلى الإمارات واحتضان العاصمة أبوظبي لقداس تاريخي بحضور البابا فرنسيس هو الأول من نوعه في المنطقة إلى جانب تنظيم مؤتمر “الأخوة الإنسانية”.
المبادرات الإماراتية المكرسة للتسامح والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات المختلفة جاءت في سياق إقليمي ودولي مأزوم بالنزاعات العرقية وتنامي الكراهية والعنصرية، والتي زادت مع ارتفاع موجات الهجرة بسبب الصراعات في مناطق عديدة من العالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط.
ووفق إحصاءات الأمم المتحدة للعام الماضي، تجاوز عدد اللاجئين في العالم 25 مليون لاجئ ونازح داخل وخارج أوطانهم. هذا العدد الهائل يمثل تحديا للدول المستضيفة، خاصة في أوروبا التي استقبلت الملايين من اللاجئين خلال السنوات القليلة الماضية.
وتمثل أوروبا الوجهة الأولى لطالبي اللجوء، حيث تعتمد بلدان أوروبية سياسة انفتاح في معالجتها لأزمة الهجرة ومن بينها ألمانيا وسويسرا، مما جعل من التعامل مع هذه الظاهرة تحديا حقيقا بالنسبة لها.
تبرز أمام هذا التحدي تجارب وحلول مبتكرة نفذتها دول عدة لاستقبال اللاجئين وإدماجهم في مجتمعاتها ليكونوا أفرادا منتجين قادرين على إعالة أنفسهم وعائلاتهم.
وتعرض ألمانيا وسويسرا في “ابتكارات الحكومات الخلاقة”، التي ينظمها مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي في القمة العالمية للحكومات، مبادرتين مبتكرتين لإسكان وتشغيل اللاجئين من أجل دمجهم بشكل إيجابي في مجتمعاتها، اعتمدت من خلالهما على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تطوير الحلول لهذا التحدي الحيوي.
المبادرات الإماراتية المكرسة للتسامح والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات المختلفة جاءت في سياق إقليمي ودولي مأزوم بالنزاعات العرقية وتنامي الكراهية والعنصرية والتي زادت مع ارتفاع موجات الهجرة
وابتكرت مدينة هامبورغ الألمانية نموذج حل للتحديات التي يواجهها اللاجئون يتمثل في مشروع “إسكان اللاجئين” باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث طورته بالتعاون مع جامعة “هافن سيتي” ومختبر الإعلام التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. تسهم المبادرة في إيجاد أماكن لاستقبال اللاجئين وتأمين إقامة لائقة لهم، باستخدام أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا من خوارزميات المحاكاة، ونماذج الواقع الافتراضي المعزز لتحديد الأماكن المتاحة لإسكان اللاجئين، وذلك عبر شراكة تفاعلية مع أفراد المجتمع الألماني.
وبعد سلسلة من الاجتماعات وورش العمل مع صناع القرار وأفراد المجتمع تم تحديد 161 موقعا مناسبا لاستيعاب 24 ألف لاجئ، ما شكل النواة الأولى لدمج اللاجئين في المجتمع وقدم نموذجا عالميا جديدا للحكومات للتعامل مع هذه المسألة الإنسانية الملحة.
أما في سويسرا، فقد عملت الهيئة السويسرية للهجرة على ابتكار نموذج رياضي يضع بمساعدة الذكاء الاصطناعي خوارزمية مبتكرة تسهم في إيجاد فرص عمل للاجئين ودمجهم في المجتمع ليكونوا أفرادا منتجين وفاعلين. وظفت الهيئة تكنولوجيا البيانات في تحديد أفضل المناطق لإقامة وعمل اللاجئ بما يمكنه من الاندماج في المجتمع، واستخدمت خوارزمية مبتكرة لتحديد المناطق التي تتناسب متطلبات سوق العمل فيها مع مهارات اللاجئ وخبراته. ووجد الباحثون أن هذه الخوارزمية ساهمت في رفع معدلات تشغيل اللاجئين بنسبة 73 بالمئة في سويسرا و41 بالمئة في الولايات المتحدة.
هذه الأفكار، التي توفر حلولا مبتكرة لخدمة الإنسان في مدن ومجتمعات المستقبل، تعزز رسالة القمة العالمية للحكومات كمختبر عالمي مفتوح للأفكار وتبادل الخبرات وإبراز القصص الملهمة والمبادرات الحكومية الناجحة من أجل عالم أفضل وغد واعد للإنسان.