قل لي ما تأكل أقول لك في أي عالم تريد أن تحيا

وصفات ومهارات طعام تراعي التنوع البيولوجي.
الثلاثاء 2024/11/05
سفير البيئة

الشيف ماورو كولاغريكو يعتبر واحدا من أبرز الأسماء في عالم الطهي، وهو معروف بفلسفته المبتكرة المعروفة باسم "فن الطهي الدائري"، وتعتمد على مفهوم الاستدامة وتقليل الفاقد من المكونات الغذائية، مما يساهم في الحفاظ على البيئة وتعزيز الوعي بالمسؤولية البيئية في مجال الطهي، وهو اليوم سفير للاستدامة في صناعة الأغذية.

بوساني بافانا

كالي، كولومبيا وبولاوايو، زيمبابوي، يقول الشيف ماورو كولاغريكو “لا ينبغي أن يكون إعداد الطعام وتناوله على حساب التنوع البيولوجي”. وهو في مهمة لتغيير علاقتنا بالطعام وما نختار تناوله.

كولاغريكو، صاحب مطعم ميرازور الفرنسي، الحائز على 3 نجوم ميشلان، ويحتل المطعم المركز الأول ضمن أفضل 50 مطعما في العالم.

ونال كولاغريكو في إصدار 2020 من تصنيف “100 طاه” العالمي لقب أفضل طاه في العالم، وكان شيف العام في 2019.

وشكّل شغف الطهي وحب الطبيعة فلسفة كولاغريكو في فنه.

وقال لـ”إنتر برس” إن “إطعام الآخرين، بالنسبة لي، هو أول لفتة حب… كان أول شيء فعلته زوجتي بعد الولادة هو إطعام ابننا.. أفكر دائما في ذلك”.

الأكل دون تدمير الكوكب

◄ فن الطهي الدائري يهدف إلى إعادة الاتصال بالطبيعة مع التوفيق بين الإتقان المثالي لتقنيات المطبخ والالتزام الحقيقي برفاهية المجتمع
فن الطهي الدائري يهدف إلى إعادة الاتصال بالطبيعة مع التوفيق بين الإتقان المثالي لتقنيات المطبخ والالتزام الحقيقي برفاهية المجتمع

كان كولاغريكو رائد علم فن الطهي الدائري لأكثر من عقدين، وهي حركة أطلقها عندما افتتح مطعمه الشهير في 2006.

ويهدف فن الطهي الدائري إلى إعادة الاتصال بالطبيعة مع التوفيق بين الإتقان المثالي لتقنيات المطبخ والالتزام الحقيقي برفاهية المجتمع.

وتتجسد مبادئ هذا الفن في الجمع بين الطعام والطبيعة والاستدامة، وهو يقترح تغييرا عميقا في علاقتنا بالطعام باعتماد خيارات غذائية تحترم الطبيعة.

وتدعو بعض المبادئ إلى استهلاك المنتجات الطازجة أو المحلية أو الموسمية أو العضوية أو الحيوية المزروعة، مع تركيز خاص على استعادة التربة والطهي الذي يحافظ على التنوع البيولوجي النباتي والحيواني.

وحاز كولاغريكو على لقب سفير اليونسكو للنوايا الحسنة للتنوع البيولوجي في 2022، تقديرا لجهوده. وفي بداية ندوات كوب – 16 في كالي بكولومبيا، التي نوقش خلالها التنوع البيولوجي العالمي، تحدثت خدمة إنتر برس حينها معه حول الغذاء المستدام والمتوافق مع الطبيعة.

وحين سألته إنتر برس حول تعيينه كأول طباخ سفيرا للنوايا الحسنة للتنوع البيولوجي، ولماذا يقبل طاه حائز على 3 نجوم ميشلان دورا كهذا؟

قال كولاغريكو “قبلت التعيين أولا وقبل كل شيء بامتنان عميق وفخر، كنت سعيدا بهذا لأنني منخرط جدا في اعتماد مبدأ الاستدامة في مطعمي. أنخرط في الزراعة المتجددة، ومكافحة استخدام البلاستيك، وإدارة النفايات، وكل ما يمكننا فعله لجعل بصمتنا أكثر استدامة. يمنح هذا الدور الكثير من القوة لرسالتنا وممارساتنا. وتعد هذه فرصة لاتخاذ إجراءات أكبر لتعزيز فن الطهي الأكثر دائرية. أعتقد أن تأثير الطهاة سيكون حقيقيا إذا تمكنا من التعاون”.

ويوضح كولاغريكو أن “مسؤوليتنا كطهاة تنطلق من مطابخنا”. ويبرز كون كل شيء متصلا ببعضه، من التربة إلى الصحن، مؤكدا “قدرتنا على قيادة نقلة نوعية.. أنا ناشط سلمي يومي. لا يمكننا أن نكون صامتين بعد الآن. يجب أن نتخذ إجراءات!”.

وتابع “لهذا السبب قبلت دور سفير النوايا الحسنة. فما الذي يمكنني إحضاره إلى الطاولة؟ يمكنني تقديم معرفتي بصناعة المواد الغذائية. أعرف كيف تعمل، وكيف يمكن إعادة تشكيلها لتكون أفضل. يمكنني تقديم خبرتي لأنني قضيت سنوات في الاختبار والتعلم عن العديد من المواضيع حيث يمكن أن يكون لنا تأثير حقيقي في صناعتنا وفي منطقتنا وفي كوكبنا”.

وأكد قائلا “تكمن مهمتي في إنقاذ التنوع البيولوجي، وإنقاذ تقاليدنا الغذائية، وجعل طعامنا أكثر استدامة. أرى أن الخطة التي يجب اتباعها تكمن في تثقيف الجميع. إن المفتاح هو التعليم”.

◄ وجبة الألوان الزاهية
وجبة الألوان الزاهية

ويعمل كولاغريكو بانتظام مع زملائه الطهاة من خلال جمعية ريلايس وشاتو، التي يشغل منصب نائب رئيسها، مؤكدا أن عليه “تثقيف الطهاة حول تحدي التنوع البيولوجي. وننظم حاليا حملة كبيرة لوقف طبخ الأنواع المهددة بالانقراض مثل الأنقليس في جميع مطاعم الشبكة البالغ عددها 800 مطعم. كما أطلقت برنامجا كبيرا سيحول طهاة ريلايس وشاتو إلى سفراء محليين للتنوع البيولوجي على أساس يومي. وسنعلن عن هذا البرنامج الضخم مع اليونسكو خلال الأسابيع المقبلة”.

قصة الزراعة

يقول الشيف كولاغريكو “تقول قناعتي الشخصية إننا نختار العالم الذي نريد أن نعيش فيه من خلال اختيار ما نأكله وما نطبخه. هذا هو شعاري”.

ويضيف “أرى كلّ شيء مترابطا، فلا يمكننا عزل أي جانب من جوانب الحياة عن الآخر. إذا غيرنا الطريقة التي نزرع بها الغذاء، فسنغير طعامنا الفعلي. نحن نغير الطريقة التي يعمل بها مجتمعنا. نحن نغير قيمنا. هذه هي رؤيتي ورسالتي في الحياة”.

ويؤكد أن مما يحفزه أكثر هو اقتراح بديل حقيقي لحل الوضع المقلق الذي نواجهه، قال “أدركت ذلك عندما افتتحت مطعمي في 2006. كانت بالمطعم مساحة صغيرة جدا، واستغللتها في البستنة، وبدأت حينها أقرأ الكثير عن الزراعة. وكان من الكتب التي طالعتها ثورة القشة الواحدة للمزارع والفيلسوف الياباني ماسانوبو فوكوكا”.

ويروي الشيف قصته مع الزراعة قائلا “أثر الكتاب عليّ وغيّر رأيي. بدأت حينها أفهم العلاقة العميقة بين فن الطهي والبيئة. وفهمت أهمية التنوع البيولوجي لمطبخنا ولكوكبنا. ثم تحولت الأرض الصغيرة التي انطلقت منها إلى خمسة هكتارات من الزراعة المستدامة والحدائق الحيوية، حيث شهدت نمو أكثر من 1500 نوع من الخضراوات”.

وقال “نحن ننتج حوالي 70 في المئة مما نقدمه في المطعم. ونطرح في النهاية فن الطهي من البذور إلى الطبق، لأننا نشارك في كامل العملية”.

وأضاف كولاغريكو “صنع الطعام لم يعد من الممكن أن يكون على حساب الكوكب لأننا نحتاج إلى إعادة الاتصال بالطبيعة وإعادة اكتشاف فرحة إطعام الناس في وئام مع الكوكب”.

ويرى أن المشكلة ليست فن الطهي الراقي الذي يخص شريحة صغيرة جدا من السكان، المشكلة الحقيقية هي الاستهلاك الشامل الذي سنطعم من خلاله 8 مليارات شخص على هذا الكوكب.

◄ الزراعة دليل الطعام
الزراعة دليل الطعام

ويستدرك “لكن لدينا أخبارا رائعة، حيث يمكننا أن نعتمد نفس الأساليب المحترمة التي نستخدمها في فن الطهي الراقي، ونطبقها على المطبخ العادي، ونوسع نطاقها. إنها فن الطهي الدائري الذي اختبرناه، وهو فعال”.

حضر كولاغريكو مؤتمر كوب – 16 لاتفاقية التنوع البيولوجي في كالي بكولومبيا، قائلا “يشرفني أن أكون جزءا من هذا المؤتمر المهم. ستكون جميع البلدان ممثلة فيه، وستكون جميع المنظمات الرئيسية موجودة لإنقاذ تنوعنا البيولوجي”.

ويرى أن العالم يحتاج إلى سياسات أكثر طموحا لإنقاذ المكان الذي نعيش فيه وطعامنا، وتغيير الطريقة التي نستهلك ونعيش بها، ولإعادة تنظيم الطريقة التي يعمل بها مجتمعنا بشكل أساسي.

وكما يقول المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، نبقى بحاجة إلى إستراتيجية مشتركة لأن المسألة تهمنا جميعا، يقول كولاغريكو “يكمن دوري كسفير في تشجيع التغيير وإظهار وجود حلول.. ما أريد فعله حقا هو توجيه نداء رسمي إلى جميع الحكومات والمنظمات الدولية والطهاة وناشري الوعي والمواطنين في جميع أنحاء العالم لتوحيد الجهود وإنشاء وتنفيذ برنامج عالمي للتثقيف الغذائي الجيد لأطفالنا، فهذا أهم إجراء لتغيير النظام الغذائي. التعليم هو المفتاح”.

ويؤكد قائلا “نحتاج إلى خلق جيل يدرك أهمية التنوع البيولوجي ويكون ملتزما باتخاذ الخيارات الغذائية الصحيحة. أعتقد أن هذا النداء مهم، وهذا ما أريد شخصيا تحقيقه في المؤتمر”.

 ويرى كولاغريكو أن الاستمرار في نموذجنا الحالي يشكل جريمة ضد الإنسانية. لكن اختيار فن الطهي الدائري هو اختيار الوعي والقيم، وهو مفيد للجميع. يقول “يسعدني أن أرى جيل الشباب يصبح أكثر وعيا بذلك. عندما أرى أبنائي، أقول لنفسي إننا نفعل ذلك لينقلوا الرسالة الصحيحة”.

ويشكل العمل من أجل الغذاء المستدام خيارا حقيقيا تكون متطلباته أكثر في الغالب، يقول الطاهي العالمي كولاغريكو “ما أجده مثيرا للاهتمام هو أنه مثل الرياضة. يصعب عليك في البداية قطع مسافة ميل لأنك لا تتمتع بالعضلات. ولكنك تتدرب حتى يمكنك الركض بسهولة لمدة ساعة أو أكثر. نفس الشيء ينطبق على الأغذية والأعمال المستدامة. نحتاج إلى البدء وأن نكون أكثر استعدادا بدنيا”.

يُعدّ تغيير العادات خيارا واجبا، ويتطلب الأمر جهدا، فليس من السهل الخروج من منطقة الراحة. ولكن المهم هو الالتزام، كما يعدّ الغذاء المستدام خيارا جيدا في عالم الأعمال.

الكوكب للجميع

◄ قادة الطهي الدائري
قادة الطهي الدائري

كولاغريكو من الأرجنتين، بلد من الجنوب العالمي، ولكن مطاعمه في فرنسا والصين وتايلاند واليابان، ومن المفترض أن يلعب دورا يساعد البلدان النامية وصناعات الضيافة في الجنوب العالمي في الحفاظ على الأغذية والتنوع البيولوجي المستدام.

يقول “دوري كسفير يكمن في أن يجعل مني قدوة يحتذى بها وأضيف صوت التنوع البيولوجي”. يضيف “لي حوالي 30 مطعما في جميع أنحاء العالم، وهو أمر مثير للاهتمام للغاية. فكلما سافرت أكثر، كلما أدركت أن التحديات مختلفة في كل مكان. تختلف الأمور كثيرا إلى درجة أنه لا توجد طريقة واحدة للتعامل معها”.

ويؤكد أن “الوضع ليس نفسه في آسيا أو أميركا الجنوبية أو الولايات المتحدة أو أوروبا أو أفريقيا. تكمن أولويتي الأولى عند الاستقرار في بلد جديد في تحديد المنتج المحلي الملتزم، الذي يمكنني العمل معه والنجاح في فن الطهي الدائري. يبقى هدفي نفسه دائما، وهو طهي أكبر قدر ممكن من المنتجات المحلية والطازجة والمزروعة جيدا. تعدّ هذه مسألة احترام لعملائنا والمجتمعات التي تجتهد لتقديم بديل غذائي أفضل. إنها مسألة احترام كوكبنا”.

ويرى أن على الجميع أن يساهم في مهمة الطعام الدائري. ويؤكد قائلا “لا يكمن دوري في توجيه أصابع الاتهام. ويتمثل دور الحكومات في دعم الزراعة المستدامة، وصناعة صيد الأسماك المستدامة، وحماية إدارة النفايات، وتنظيمها ومكافحة جميع الممارسات غير المستدامة”.

وبحسب كولاغريكو يتمثل دور قادة الضيافة في التحلي بالشجاعة للسماح لفن الطهي الدائري بتحديد المعروض من الأطعمة والمشروبات.

16