قلق ومعاناة على الحدود.. إيرانيون بين نيران القصف وشحّ الغذاء

هواجس الحرب تسبق الحجاج في طريق العودة إلى ديارهم.
الخميس 2025/06/19
قلق من المجهول

يشهد الإيرانيون معاناة إنسانية متفاقمة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، ما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية، وانقطاع الإنترنت، وتزايد المخاوف بين السكان، خاصة قرب المواقع العسكرية. وفيما يسعى الحجاج العائدون للاطمئنان على ذويهم، يواجه المواطنون ظروفًا معيشية صعبة وسط أزمات وقود وخبز وتعطل الأسواق.

بينجوين (العراق) - يعود الإيراني فتّاح (اسم مستعار) إلى بلاده عبر معبر باشماخ الحدودي مع إقليم كردستان شمال العراق، محمّلًا بأكياس من الأرز والسكر والشاي، مشيرًا إلى أن عائلته تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية نتيجة الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة التي تتعرض لها إيران منذ أيام.

ورفض أكثر من 30 إيرانيًا، التقتهم وكالة “فرانس برس” على الطريق الرابط بين محافظة السليمانية في كردستان العراق ومحافظة كردستان الإيرانية، الإدلاء بأي تصريحات أمام الكاميرا خوفًا من العواقب، لاسيما في ظل القصف الإسرائيلي اليومي المستمر منذ يوم الجمعة الماضي.

أما القلة التي وافقت على مشاركة تفاصيل حياتها اليومية وسط التصعيد، فقد اشترطت عدم الكشف عن هوياتها، واختارت استخدام أسماء مستعارة.

وعلى بُعد أمتار قليلة من معبر باشماخ من الجانب العراقي، تصطف العشرات من الشاحنات الإيرانية، أغلبها محمل بالإسفلت، في انتظار السماح لها بالدخول إلى الأراضي الإيرانية.

تفاقم انقطاع الإمدادات على عموم إيران إذ أنّ معظم المواد الأساسية تُورَّد عادة من طهران وتلوح أزمة معيشية في الأفق

فتّاح، البالغ من العمر 40 عامًا، يستعد لقطع مسافة تتجاوز 1700 كيلومتر باتجاه مدينة بندر عباس جنوب إيران لتسليم شحنته، قبل أن يعود إلى قضاء ميروان في محافظة كردستان حيث تقيم أسرته. ويقول بصوت مرتجف “طريقنا يمرّ بالقرب من منشأة نطنز النووية،” مضيفًا وهو يرتدي السروال الكردي الفضفاض والزي التقليدي “نواجه أزمة حادة في تعبئة الوقود والديزل. سابقًا كنا نملأ خزاناتنا بسهولة، أما الآن فهناك ازدحام شديد في محطات الوقود وارتفاع كبير في الأسعار”.

ويغادر فتّاح العراق محمّلًا، شأنه شأن العديد من السائقين، بمؤن أساسية، مؤكدًا وجود نقص حاد في إيران في سلع كالأرز والخبز والسكر والشاي.

قريبًا منه، يقف آرام (28 عامًا) الذي وصل قبل ثلاثة أيام إلى كردستان العراق، وهو يتواصل باستمرار مع زوجته للاطمئنان على عائلته في مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان الإيرانية. يقول، وهو أب لطفلين، “منزلنا قريب من ثكنة عسكرية تعرضت للقصف.” ورغم تأكيده أن العائلة بخير، أشار إلى أنهم انتقلوا للإقامة مؤقتًا لدى أقارب في قرية مجاورة، كما فعلت العديد من الأسر القاطنة قرب المواقع العسكرية.

ويُعزى النقص في المواد الغذائية، بحسب آرام، إلى حالة الهلع التي دفعت المواطنين إلى تخزين كميات كبيرة من السلع الأساسية تحسّبًا لتفاقم الأزمة.

في مدينة بوكان بمحافظة أذربيجان الغربية، قال شوان، تاجر سيارات، في رسالة صوتية بالكاد تمكّن من إرسالها نتيجة انقطاع الإنترنت المتكرر “الطائرات قصفت مواقع عسكرية عدة مرات في منطقتنا. الناس في حالة صدمة وذهول، ولا يعرفون ماذا يفعلون.” وأضاف “الوضع الاقتصادي سيء للغاية، وهناك نقص حاد في الخبز، والناس يتزاحمون أمام المخابز. أحيانًا، يضطر أكثر من أربعة أفراد من الأسرة للذهاب معًا لتأمين كمية كافية من الخبز”.

في انتظار صوت من الوطن
في انتظار صوت من الوطن

وأشار كذلك إلى صعوبة الحصول على مواد أساسية كالأرز والزيت، لافتًا إلى أن الموظفين الحكوميين لم يتسلموا رواتبهم حتى الآن، رغم استحقاقها منذ أيام.

ومن مدينة سقز، قالت أفين (38 عامًا)، وهي خياطة، في رسالة صوتية “اندلاع القتال أثار الرعب بين السكان.” وأضافت أن منطقتها لم تُستهدف حتى الآن “لحسن الحظ،” لكنها أشارت إلى أن كثيرًا من العائلات التي لديها أطفال صغار غادرت نحو القرى المجاورة هربًا من القصف. كما لفتت إلى أن السوق المحلي شبه مشلول، نتيجة صعوبة وصول البضائع، إذ أن أغلب المواد الأساسية تأتي عادة من طهران، وانقطاع الإمدادات فاقم الأزمة المعيشية.

وفي منطقة عين التمر بمحافظة كربلاء، يتكرر المشهد الإنساني ذاته بين الحجاج الإيرانيين العائدين من مكة. آمنة حمودي، سيدة خمسينية، اضطرت إلى التوجه نحو العراق تمهيدًا للعودة إلى إيران، وهي في حالة قلق شديد على أبنائها الذين لم تتمكن من التواصل معهم لمدة يومين، حيث تقول “الجميع هنا قلقون على عائلاتهم وبلادهم ومدنهم”.

وبعد رحلة طويلة عبر حافلات قدمت من معبر عرعر الحدودي مع السعودية، استراح أكثر من 400 حاج في المنطقة قبل مواصلة طريقهم نحو معبر مهران الحدودي. وكان الهمّ الأول لديهم هو الوصول إلى شبكة الإنترنت للاطمئنان على أسرهم.

وبمجرد أن اتصل هاتف إحدى النساء بالشبكة، تلقت خبرًا مفجعًا، فقد الاتصال بابنها إثر قصف على العاصمة طهران، لتتلقى لاحقًا نبأ مقتل صهرها، أحد المسؤولين الذين قضوا في الهجوم الأخير. وبينما كانت ثلاث نساء يواسينها، علت وجوه أخريات ابتسامات باهتة، وهن يطمئنن على أولادهن وأحفادهن عبر مكالمات الفيديو للمرة الأولى منذ مساء الاثنين.

تقول آمنة “لم أتمكن من التواصل مع أولادي وأقاربي طوال يومين بسبب انقطاع الإنترنت وتعطل الاتصالات الهاتفية، إلى أن عادت صباح الثلاثاء”.

يُذكر أن معظم هؤلاء الحجاج ينحدرون من مدينة كرمانشاه شمال غرب إيران، حيث كانت أكثر من عشر حافلات تنتظر لنقلهم نحو معبر مهران، بعد ساعات من الانتظار.

Thumbnail

رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية، الشيخ سامي المسعودي، صرّح بأن نحو 76 ألف حاج إيراني سيعبرون الأراضي العراقية بمعدل 2500 حاج يوميًا، في ظل استمرار القصف وإغلاق عدد من المطارات في إيران.

عزيز يوسف (55 عامًا)، الذي لا يزال في السعودية، تلقى أنباء عن قصف إسرائيلي وقع على بُعد أقل من كيلومتر من منزله في كرمانشاه، مستهدفًا متجر سيارات ومستشفى الفارابي، وفق السلطات الإيرانية. وقال تاجر الأقمشة “الحمد لله، عائلتي بخير حتى الآن،” مناشدًا السلطات العراقية تسريع إجراءات العودة إلى بلاده. وأضافت زوجته “نحن حزينون.. لا أحد يستطيع أن يفرح وأطفاله تحت القصف”.

وتابع يوسف “نحن خائفون عليهم، وهم خائفون علينا. يسألوننا متى سنعود.” وأضاف “نحن لا نحب الحرب. الإسرائيليون هم من جلبوا الحرب، يشنّونها في غزة وسوريا… ولا أحد يردعهم، حتى الأميركيون”.

وفي ختام المشهد، قال قادر أنصاري (70 عامًا)، بعد محاولات عدة للتواصل مع أسرته، إنه تمكّن أخيرًا من سماع أصواتهم، مضيفًا “الخوف يُخيّم على الجميع. الناس ينامون في بيوتهم فيما تتساقط القنابل فوق رؤوسهم. لا جيش هنا، ولا سلاح، ولا شيء… فقط أناس يحاولون مواصلة حياتهم”.

16