قلعة نخل.. إرثٌ عُمانيٌّ ينبضُ بالفنون والتراث

تحوّلت قلعة نخل التاريخية من معلم أثري ساكن إلى منصة نابضة بالحياة، تحتضن الفنون والأنشطة الثقافية والمجتمعية. وتُعد تجربة إدارتها نموذجًا يُحتذى به في إشراك المجتمع، وتمكين الشباب والمرأة، وربط التراث بروح العصر.
نخل (عُمان) – تُعد قلعة نخل التاريخية من أبرز المعالم السياحية في جنوب الباطنة، وقد حظيت خلال السنوات القليلة الماضية باهتمام لافت من الأهالي والزوار، ما أعاد إليها الحياة والحركة الثقافية والسياحية. وقد شكّلت تجربة تشغيل وإدارة القلعة قصة نجاح محلية أسهمت في تمكين الشباب، وإشراك المرأة، ودعم الحرف التقليدية، وتنشيط الحركة السياحية في الولاية.
بدأ تشغيل القلعة منذ منتصف عام 2023، عقب توقيع وزارة التراث والسياحة اتفاقية لإدارتها مع شركة “نخل الأهلية للاستثمار” لمدة 25 عامًا، مُنحت بموجبها الشركة حق تحويل القلعة إلى وجهة سياحية وترفيهية تتناغم مع تضاريسها وهويتها العُمانية. ومنذ ذلك الحين حرص المشغلون على إطلاق برامج وأنشطة متنوعة، تهدف إلى جعل القلعة مزارًا سياحيًا نشطًا على مدار العام.
وقد أسهمت هذه البرامج في تنشيط السياحة الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية، حيث جذبت الفعاليات أعدادًا متزايدة من الزوار، خاصةً من محبي التاريخ والتراث، من داخل السلطنة وخارجها، ووفرت لهم تجربة متكاملة تمزج بين زيارة أثر تاريخي والاستمتاع بعروض ثقافية وترفيهية وتوعوية.
وقال سعود بن خلفان الكندي، نائب الرئيس التنفيذي بشركة “نخل الأهلية للاستثمار”، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إن المشروع حقق نتائج ملموسة تمثلت في ارتفاع عدد زوار القلعة، حيث بلغ عددهم خلال الربع الأول من العام الجاري 11274 زائرًا من داخل السلطنة وخارجها، حتى نهاية شهر مارس الماضي.
وأشار الكندي إلى أن القلعة تحوّلت، بعد توقيع الاتفاقية، إلى فضاء مفتوح للمهرجانات والفعاليات الثقافية والشعبية، حيث احتضنت بعد الانتهاء من أعمال الترميم “ملتقى قلعة نخل الأول”، الذي شمل سوقًا تقليديًا شاركت فيه الأسر المنتجة وجمعية المرأة العُمانية والحرفيون، إلى جانب أركان للألعاب الترفيهية والعروض المسرحية للأطفال والمسابقات الثقافية وركوب الخيل والجمال، فضلاً عن أداء الفنون التقليدية.
كما تم إنشاء معرض دائم داخل القلعة يسلط الضوء على سِيَر أكثر من 100 شخصية بارزة من أعلام ولاية نخل، من ولاة وقضاة وعلماء ونساخ للكتب، ممن أسهموا في خدمة التراث الوطني عبر القرون. ويعرض المعرض آثارهم من مخطوطات ووثائق ومقتنيات قيّمة، باستخدام شاشات تفاعلية وتقنيات عرض حديثة تُقرب الزائر من هذا التاريخ الغني.
وتعاونت القلعة أيضًا مع عدد من المؤسسات الفنية، حيث استضافت المهرجان السينمائي الدولي الخاص بالباطنة، الذي نظمته الجمعية العُمانية للسينما، كما نظمت معارض للفنون التشكيلية بالتعاون مع فنانين محليين وإقليميين، من بينها معرض “ظلال” للفنانة لارا. ويعكس هذا التعاون نهجًا تشاركيًا بين القطاع الخاص والمجتمع المدني والجهات الرسمية لإثراء برامج القلعة وتفعيلها بما يخدم المجتمع.
من جانب آخر كان للمرأة حضور فاعل في مختلف أنشطة القلعة، فقد شاركت جمعية المرأة العُمانية بأركان مخصصة ضمن السوق التراثي، وأسهمت في مهرجانات الأفراح المقامة بالقلعة. ونظمت الجمعية معارض شاركت فيها 23 مجموعة تمثل 23 أسرة منتجة، إضافةً إلى مشاركة 18 امرأة ضمن فريق “عفة” التطوعي التابع لصندوق نخل للزكاة والصدقات، ما وفّر منصة دعم وتمكين للمجتمع المحلي.
وشكلت تلك الفعاليات فرصة أيضًا لإشراك الفرق الفلكلورية والموسيقية، إلى جانب استقطاب الأسر المنتجة لعرض سلعها اليدوية، ما أسهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية والانتماء لدى الأهالي.
وتتألف قلعة نخل من طابقين؛ يضم الطابق الأرضي مسجدًا ومخزنًا لحفظ التمور وبئرًا وغرفًا متعددة، أما الطابق العلوي فكان مخصصًا سابقًا لإقامة الوالي وعائلته، ويحتوي على غرف للوالي وأولاده وبناته، وغرف للمعيشة والضيوف، ومجلس للنساء، واستراحة للوالي، بالإضافة إلى “البرزة” الشتوية والصيفية.
وتضم القلعة ستة أبراج رئيسية، أهمها الأبراج الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، وهي أبراج أسطوانية الشكل ومتصلة بالمبنى الرئيسي، وكانت تُستخدم للحراسة والمراقبة. ويحيط بالقلعة أيضًا حوالي 20 برجًا خارجيًا، وهي أبراج موزعة في أنحاء مختلفة من الولاية، وتُعد بمثابة خط الدفاع الأول عن القلعة.
ومن السمات المعمارية الفريدة لقلعة نخل أنها بنيت فوق جبل ذي انحناءين، وهو ما منحها ميزة جمالية نادرة تُميزها عن غيرها من القلاع في السلطنة، حيث يبدو المبنى وكأنه يحتضن الصخور المحيطة، مندمجًا مع الطبيعة الخلابة. وتمتاز القلعة أيضًا بارتفاعها اللافت، وشكلها الذي يبرزها للزائر كأنها سفينة راسية، إلى جانب طابعها الدفاعي المتمثل في الأسوار والأبراج ومداخل البنادق الموزعة في أرجائها.
ويظهر الطابع المعماري العُماني بوضوح في تصميم المسجد وبرزة الوالي والقاضي، خاصة في الزخارف الجميلة المنقوشة على الأبواب والنوافذ الخشبية.