قلعة حلب.. الزلزال يهز تاريخا يمتد على 5 آلاف عام

القصر المحصّن الذي استعصى على الغزاة على مر التاريخ، تمكن الزلزال الأخير من تحطيم بعض أجزائه.
السبت 2023/02/25
أثر مدمر

حلب (سوريا) - ترك الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا أثرا مدمرا على مواقع تاريخية عدة في سوريا، ومنها قلعة حلب الأثرية التي كانت قد بدأت تتعافى من تداعيات الحرب السورية. وتوصف قلعة حلب التي أدرجت على لائحة التراث العالمي منذ عام 1986، بالقصر المحصن الذي استعصى على الغزاة على مر التاريخ، غير أن الزلزال الأخير تمكن من تحطيم بعض أجزائها.

ووفق المديرية العامة للتراث والمتاحف في سوريا فإن قلعة حلب تضررت في الزلزال المدمر، وأشار المسح الأولي إلى أنها تعرضت لأضرار طفيفة ومتوسطة، منها سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية، وحدوث تشقق وتصدع وسقوط أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية.

كما سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة وسقطت أجزاء من الحجارة، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار.

◙ سقوط أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة وسقطت أجزاء من الحجارة، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي

وتقع مدينة حلب على طول الجزء الشمالي من صدع البحر الميت، وهو عبارة عن فالق يفصل الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية. وظهر تسلسلان عنيفان من الزلازل في المنطقة، من أكتوبر 1138 حتى يوليو 1139، بالإضافة إلى سلسلة أكثر شدة من سبتمبر 1156 إلى مايو 1159.

وأثّر التسلسل الأول على المناطق المحيطة بحلب والجزء الغربي منها حتى منطقة إديسا في تركيا. وخلال السلسلة الثانية تعرضت منطقة شمال غرب سوريا وشمال لبنان ومنطقة أنطاكيا (أنطاكيا الحديثة في جنوب تركيا) لزلزال مدمر.

وتعتبر قلعة حلب إحدى أقدم القلاع في العالم، حيث بنيت في العصور الوسطى، ويعود استخدام التل الذي توجد عليه للألفية الثالثة قبل الميلاد، ورغم أن القلعة تم احتلالها من الإغريق والبيزنطيين والمماليك والأيوبيين إلا أن أغلب البناء الحالي يعود إلى الفترة الأيوبية.

وعلى مر العصور لحقت أضرار بالغة بالقلعة إثر الغزو المغولي الأول، ودمرت مرة أخرى بسبب الغزو المغولي الثاني بقيادة تيمور لنك، ورغم كل شيء بقيت القلعة صامدة في وجه أي محاولات لتدميرها سواء بفعل البشر أو الطبيعة.

ويجمع المعماريون في علم التراث على أن القلعة تمثل واحداً من أبرز نماذج العمارة العسكرية في الشرق الأوسط. ويعود بناؤها إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر ميلادي (القرنين السادس والسابع هجري)، وشارك العديد من المهندسين المعماريين والبنائين والحرفيين في هذا البناء مع توثيق دور رئيسي للمهندس المعماري الرئيسي ثابت بن شقويق في عهد نورالدين الذي قتل أثناء انهيار كتلة المدخل العلوي للقلعة في عام 1204 ميلادي.

أضرار طفيفة ومتوسطة
أضرار طفيفة ومتوسطة

وتشهد قلعة حلب الضخمة التي ترتفع فوق الأسواق والمساجد والمدارس الدينية في المدينة القديمة المسورة، على القوة العسكرية العربية من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر، مع تذكير بالاحتلال السابق للحضارات التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وتضم القلعة بقايا المساجد والقصر والحمامات الحرارية.

والقلعة تحفة من العمارة العسكرية الإسلامية في العصور الوسطى ممتدة على نحو سبعة هكتارات. وتم استخدام التل الذي بُنيت عليه بالفعل لفترة طويلة كمقر للدفاع، وعند عمليات الحفر اكتُشفت بقايا معبد وثني من الألفية الأولى قبل الميلاد.

وفي أوائل القرن الثاني عشر الميلادي أعيدت هيكلة بناء المرافق الداخلية المجزأة للغاية وحصن بقايا المعقل القديم، وتضمن هذا العمل بناء مقام إبراهيم، وهو قبر مهم مرتبط بالنبي إبراهيم، مع العلم أن معظم الأدلة أشارت إلى أن بعض هذا البناء تم في فترة الملك الظاهر غازي، ابن صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم بين عامي 1186 – 1216 ميلادي وقد قام بحفر خنادق عميقة بعرض 22 متراً، وبناء جسر، وأنهار حجرية منيعة، وصولاً إلى توسيع الأبراج مع بناء بوابة المدخل الرائعة التي كانت فخاً لأي عدو حاول الاقتراب منها.

◙ قلعة حلب الضخمة التي ترتفع فوق الأسواق والمساجد والمدارس الدينية في المدينة القديمة المسورة تشهد على القوة العسكرية العربية

وبنى الظاهر غازي مجمع القصر الملكي والحمامات داخل أسوار القلعة، والتي مثلت مرحلة جديدة للعمارة الإسلامية، حيث لم يكن يتم بناء المساكن الفخمة عادة في القلاع، بل تم تجديد القصر من قبل العزيز محمد في عام 1230 ميلادي، ثم هدمه المغول إلى حد كبير.

وغيرت إنجازات الملك الظاهر جذرياً حجم القلعة وطموحاتها ومحيطها، وأعطتها المظهر المبهر الذي احتفظت به حتى يومنا هذا، ولاسيما الرسوم الزخرفية حول أبواب المدخل، ومنها بوابة الأسد وبوابة الأفعى الأكثر شهرة، وكل منهما مزينة بمنحوتات تصويرية بارزة. وخضعت أجزاء من القلعة، وبخاصة كتلة المدخل والجسر، للتجديدات خلال العصر المملوكي في القرن الرابع عشر الميلادي.

وعند المدخل تقف ثلاثة تماثيل ضخمة للآلهة يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وتكتشف من خلال دخول هذا المكان الغارق في التاريخ العديد من الغرف التي تحتوي على الكثير من الأشياء، غرفة حماة، على سبيل المثال، لها رأس أسد، فيما غرفة أوغاريت تضم ألواحاً شهيرة فيها نقوش يعود أصلها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

يذكر أن زلزال حلب الكبير عام 1138 تسبب في تدمير المدينة والمدن المحيطة، فضلاً عن انهيار عدد من أهم الآثار حيث دمرت قلاع وحصون في المدينة ومحيطها، ومنها قلعة حلب وقلعة الأتارب وقلعة بناها الصليبيون في حارم.

لا شيء عصيا عن الكوارث الطبيعية
لا شيء عصيا عن الكوارث الطبيعية 

16