قفزة نوعية في الصناعات الدفاعية التركية تنقلها إلى العالمية

قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا شهد تحولا جذريا على مدى العقود الماضية. وبفضل النجاح غير المسبوق الذي حققته تركيا في هذا القطاع خلال السـنوات الأخيرة أصبحت اليوم تملك إحدى أسرع صناعات الدفاع والطائرات المتطورة في العالم.
أنقرة – تعيش تركيا نهضة غير مسبوقة في مجال إنتاج الصناعات الدفاعية، أكسبتها أهمية كبرى في قطاع صناعة الأسلحة العالمي. وبعد عام قياسي من صادرات الدفاع في عام 2024، تستعد تركيا لمواصلة مسارها التصاعدي، وإن لم يكن ذلك بدون منافسة أو تحديات لحصتها في السوق.
وحققت تركيا قفزة كبيرة في قطاع الصناعات الدفاعية، حيث أصبحت منتجاتها في هذا القطاع، التي غيرت مفاهيم الحروب، خيارا مفضلا للعديد من الدول.
ووفقا لمعطيات نقلتها وكالة الأناضول من مصادر في قطاع الصناعات الدفاعية، شهد القطاع “عصره الذهبي” خلال عام 2024، حيث أصبحت المنتجات العسكرية التركية محط أنظار العديد من جيوش العالم.
وخلال العام الماضي، ارتقت تركيا إلى المركز الحادي عشر عالميا بين الدول المصدرة للصناعات الدفاعية، مستفيدة من خبراتها الواسعة في الإنتاج التسلسلي، والبحث والتطوير، والابتكار، والتكنولوجيا.
وحققت صادرات الصناعات الدفاعية والطيران التركية في عام 2024 رقما قياسيا جديدا، حيث بلغت قيمتها 7 مليارات و154 مليون دولار. وفي نفس الوقت ساهمت المنظومات التي تم تسليمها للقوات الأمنية التركية وحدها بإضافة 40 مليار دولار على الأقل إلى الاقتصاد التركي.
وتواصل تركيا تعزيز صناعاتها الدفاعية مستهلة العام الجديد بمجموعة من الإنجازات التي تعكس قوتها في هذا المجال بين منظومات محلية تدخل للمخزون العسكري لأول مرة وبين إبرام صفقات جديدة مع دول مختلفة في جميع أنحاء العالم، ما يعكس ثقة دولية متزايدة بجودة التكنولوجيا العسكرية التركية.
قفزة نوعية
بلغت موازنة البحث والتطوير في قطاع الصناعات الدفاعية التركية خلال العام الماضي نحو 3 مليارات دولار، فيما تجاوزت نسبة المكون المحلي 80 في المئة وارتفع حجم المشاريع إلى أكثر من 100 مليار دولار، مسجلا زيادة بنسبة 29 في المئة مقارنة بعام 2023.
والعام الماضي تم تصدير نحو 300 منتج دفاعي إلى أكثر من 180 دولة، وجاءت أوروبا في مقدمة المستوردين للمنتجات الدفاعية التركية.
وشملت الواردات الأوروبية من قطاع الصناعات الدفاعية التركي، المسيرات، والصواريخ الذكية، والمركبات البرية، وأبراج الأسلحة، والسفن الحربية، والطائرات والمروحيات، إضافة إلى الرادارات وأجهزة المحاكاة. ويعمل في قطاع الصناعات الدفاعية التركية أكثر من 3 آلاف و500 شركة، وتنفذ أكثر من 1100 مشروع نشط.
وقدمت تركيا خلال العام الماضي أكبر عدد من المشاريع للمشاركة في برامج حلف شمال الأطلسي (ناتو) مقارنة بالسنوات السابقة. أما أبرز إنجازات عام 2024 فتتمثل في تصدير سفن حربية إلى البرتغال.
تركيا ترتقي إلى المركز الحادي عشر عالميا من بين أكبر الدول المصدرة للأسلحة الدفاعية خلال عام 2024
وخلال هذه الفترة، صدرت تركيا 4 آلاف و500 مركبة برية إلى 40 دولة، و3 طرادات حربية إلى 3 دول، و140 منصة بحرية إلى أكثر من 10 دول، وذخائر وصواريخ إلى 42 دولة، و770 مسيرة (استطلاعية وهجومية) إلى أكثر من 50 دولة.
كما صدرت 1200 نظام كهروبصري، ومنظومات أسلحة مثبتة إلى 24 دولة، ومروحيات هجومية إلى 8 دول، ورادارات إلى 10 دول وأسلحة وبنادق ومسدسات بمختلف الأحجام إلى 111 دولة، و1500 مسيرة كاميكازي (انتحارية) إلى 11 دولة، وطائرتين من طراز “حر كوش” إلى دولتين.
وبعد النجاحات التي حققتها خلال عام 2024، تتوقع تركيا تسجيل أرقام قياسية جديدة في الإنتاج والصادرات الدفاعية لعام 2025. ومن المنتظر أن يتم تسليم 3 دبابات من طراز “ألطاي” للقوات المسلحة التركية بعد خروجها من خط الإنتاج التسلسلي.
وتستمر الجهود لتصنيع محرك محلي لدبابة ألطاي، كما تعمل تركيا على تطوير محركات دفع للصواريخ. وكذلك يواصل المهندسون الأتراك جهودهم لتطوير محرك محلي للمقاتلة المحلية “قآان”، فيما يتم التخطيط لتطوير محرك محلي لمروحية غوكباي.
وبدأت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية “توساش” اختبارات نموذج جديد لقمر “غوكتورك – 2” الاصطناعي، الذي أطلقته تركيا إلى الفضاء في وقت سابق. ومن المنتظر أيضا توقيع عقود تتعلق بمشاريع “ميلكار” و”ميلكيد” المتعلقة بأنظمة الاتصالات الفضائية والحرب الإلكترونية خلال العام الجاري.
ويعكس نهج تركيا للدبلوماسية الدفاعية أيضا سعيها إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية. ومن خلال تنويع شراكاتها الدفاعية والحد من الاعتماد على الحلفاء الغربيين التقليديين، يمكن لتركيا أن تبحر في العلاقات الدولية المعقدة بقدر أكبر من الاستقلال.
وهذا الاستقلال أمر بالغ الأهمية، خاصة بالنظر إلى التوترات السابقة مع حلفاء الناتو بشأن قضايا مثل شراء تركيا المثير للجدل لنظام الصواريخ الروسي أس – 400 واستبعادها من برنامج أف – 35. وتؤكد هذه التطورات على التحول الإستراتيجي لتركيا نحو وضع دفاعي أكثر اعتمادا على الذات، والاستفادة من صناعتها الدفاعية لتحقيق أهداف سياسية وطنية وخارجية أوسع خارج الإطار الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي.
الآفاق والتحديات
تشكل المزايا التي تتمتع بها تركيا، مثل الإنتاج الفعال من حيث التكلفة والأداء عالي الجودة، محركات رئيسية للنمو القياسي في صناعة الدفاع لديها. وقد أدى تركيز البلاد على توطين صناعة الدفاع لديها إلى خفض التكاليف والسماح بأسعار تنافسية في سوق الأسلحة العالمية.
وعلاوة على ذلك، فإن موقف السياسة الخارجية المستقل لتركيا، والذي غالبا ما ينحرف عن الحلفاء الغربيين التقليديين وحلف شمال الأطلسي، يمكّنها من التعامل مع مجموعة أوسع من البلدان، بما في ذلك تلك الخاضعة للعقوبات الدولية أو في المناطق الحساسة سياسيا. وقد وضعت هذه المرونة تركيا كشريك مفضل للدول التي تسعى إلى الحصول على تكنولوجيا عسكرية متقدمة دون الشروط التي يفرضها الموردون الغربيون غالبا.
ومع استمرار تركيا في الابتكار وتوسيع عروض منتجاتها، فمن المرجح أن تستحوذ على حصة أكبر من سوق الأسلحة العالمية، وخاصة في مكانتها من دول مجلس التعاون الخليجي الغنية والبلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض إلى المرتفع في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا المسار الإيجابي، لا تزال صناعة الدفاع في تركيا تواجه تحديات. ويرى أرمان سيدو، وهو مدرس وكاتب سياسي أميركي، أن العقوبات الدولية، وخاصة تلك التي تفرضها الدول الغربية، قد تشكل عقبات كبيرة.
وعلى سبيل المثال، لا تزال صناعة الدفاع في تركيا تعتمد على العديد من المكونات أجنبية الصنع لبعض الأنظمة عالية التقنية، والتي يمكن أن تشكل نقطة ضعف في أوقات التوتر الجيوسياسي أو اضطرابات سلسلة التوريد.
ويأتي التحدي الإضافي من المنافسة مع الدول الناشئة الأخرى المصدرة للأسلحة، مثل إيران. إذ إن تركيا وإيران نشطتان بشكل متزايد في الصراعات بالوكالة، وغالبا ما تدعمان الجانبين المتعارضين.