قطع النيجر للعلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة يضرّ بالأمن الهش لمنطقة الساحل

نيامي- أعلنت النيجر ــ الدولة غير الساحلية التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة في واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم ــ مؤخراً أنها ستعلق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.
ولأكثر من عقد من الزمان، كانت النيجر واحدة من حلفاء الولايات المتحدة الأكثر وثوقية في منطقة الساحل.
وتعد منطقة الساحل، التي تمتد عبر أفريقيا من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، واحدة من أكبر المناطق التي تعاني من سوء الإدارة في العالم، حيث تزدهر أعمال الإرهاب واللصوصية والاتجار (بالبشر والأسلحة والمخدرات) وسرقة الماشية والسطو المسلح.
وفي السنوات القليلة الماضية، تعرضت الديمقراطية للتهديد في المنطقة. ووقعت سبعة انقلابات هناك منذ عام 2020، أربعة منها كانت ناجحة. وكان الانقلاب الذي وقع في النيجر في يوليو 2023 هو الأحدث، بعد الانقلابات التي وقعت في غينيا وبوركينا فاسو ومالي.
وقد حددت المجالس العسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو ثلاثة أسباب رئيسية للانقلاب العسكري على السلطة: تزايد انعدام الأمن، والركود الاقتصادي، والفساد.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري في النيجر، لم تصف الولايات المتحدة ما حدث في البداية بأنه انقلاب. وكان ذلك في محاولة للاحتفاظ ببعض عناصر التعاون العسكري مع البلاد، إذ أن تصنيفه على أنه انقلاب من شأنه أن يحد من المساعدة الأمنية التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة.
وفي أكتوبر 2023، وصفت الولايات المتحدة الحدث في نهاية المطاف بأنه انقلاب، مما حد من التعاون الأمني. وكان لدى الولايات المتحدة 650 عسكريًا يعملون في النيجر اعتبارًا من ديسمبر 2023.
ويقول أولاينكا أجالا ، وهو محاضر أول في السياسة والعلاقات الدولية، جامعة ليدز بيكيت، في تقرير نشره موقع ذو كونفرسيشن، إن قرار النيجر بإنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة سيكون له تأثير كبير على الأمن في المنطقة.
وقد تتمثل بعض العواقب في مراقبة محدودة للجماعات المتمردة، وانخفاض في تبادل المعلومات الاستخبارية، وتصعيد محتمل للهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية.
تاريخ العلاقات
منطقة الساحل، التي تمتد عبر أفريقيا من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، تعد واحدة من أكبر المناطق التي تعاني من سوء الإدارة في العالم
كان أول انتشار للقوات الأميركية في النيجر في عام 2013 عندما تم نشر وتشغيل 100 عسكري من قاعدة عسكرية في مطار نيامي المشترك مع فرنسا.
وفي وقت لاحق، قامت واشنطن ببناء واحدة من أكبر قواعد الطائرات دون طيار في أفريقيا في أغاديز بالنيجر. ومكنتها القاعدة من القيام بأنشطة استخباراتية واستطلاعية شملت منطقة الساحل بأكملها تقريبًا.
ومنذ أن تم تشغيل قاعدة الطائرات دون طيار “Air Base 201” في عام 2019، أصبحت بمثابة رصيد عسكري كبير للولايات المتحدة في منطقة الساحل. وكانت المعلومات التي تم جمعها من القاعدة ضرورية في تعقب ومحاربة الجماعات المتمردة العاملة في المنطقة.
وبالإضافة إلى قاعدة الطائرات دون طيار، دعمت الولايات المتحدة النيجر أيضًا بالمساعدات العسكرية قبل الانقلاب العسكري في عام 2023.
لماذا التمزق؟
السبب الأول لإنهاء التعاون العسكري هو توقف الدعم المالي من الولايات المتحدة، إذ تعد النيجر من أفقر دول العالم وتعتمد على المساعدات الخارجية.
وقبل الانقلاب العسكري في يوليو 2023، كانت الولايات المتحدة مساهمًا كبيرًا في المساعدات للبلاد. وفي عام 2018، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 437 مليون دولار للنيجر لتعزيز قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية. كما دعمت الولايات المتحدة حرب البلاد ضد التمرد قبل الانقلاب.
لكن الانقلاب غيّر العلاقة بشكل كبير. وفي أكتوبر 2023 (بعد ثلاثة أشهر من الانقلاب)، قطعت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات للنيجر ما أثر على التمويل الأمني للبلاد.
والسبب الثاني هو أن المجلس العسكري في النيجر توصل إلى وجهة نظر مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد راغبة في العمل معه.
وبعد وقت قصير من الانقلاب، اقتصرت عمليات الطائرات الأميركية دون طيار في النيجر على المراقبة لحماية الأصول الأميركية.
الولايات المتحدة توقفت عن تبادل المعلومات الاستخبارية مع المجلس العسكري في النيجر، مما أدى إلى الضغط عليه للتخلي عن السلطة
وتوقفت الولايات المتحدة عن تبادل المعلومات الاستخبارية مع المجلس العسكري في النيجر، مما أدى إلى الضغط عليه للتخلي عن السلطة.
وقد أعاق هذا عمليات مكافحة الإرهاب في النيجر لأن تبادل المعلومات الاستخبارية ضروري لتتبع وتخطيط الهجمات ضد الجماعات المتمردة.
وقد ارتبطت بهذا مسألة قاعدة الطائرات دون طيار. والقاعدة هي مصدر رئيسي للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية. ومع ذلك، هناك اتفاقية استخدام مدتها 10 سنوات تنتهي هذا العام (2024).
وقد يعتقد المجلس العسكري أن هذا هو الوقت المناسب لقطع العلاقة العسكرية مع الولايات المتحدة حتى لا يتجدد استخدام القاعدة.
ومن غير الواضح ما الذي سيحدث لقاعدة الطائرات دون طيار الآن بعد أن قطعت النيجر علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وقد أدى التخفيض المفاجئ في التعاون العسكري إلى إحباط السلطات النيجرية التي تزعم أن الولايات المتحدة تعمل الآن في البلاد بشكل غير قانوني.
وتحاول الولايات المتحدة الآن إبرام اتفاقيات تعاون أمني جديدة والنظر في دول مثل غانا وكوت ديفوار وبنين لطائرات الاستطلاع الأميركية دون طيار.
وبالإضافة إلى ذلك، كان تعميق العلاقات بين النيجر وروسيا مصدراً رئيسياً لقلق الولايات المتحدة.
وفي يناير 2024، وافقت النيجر على تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا. وكان هذا مقلقاً بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.
وأحد الأسباب التي تدفع النيجر إلى التحول نحو روسيا، بعيداً عن خفض التمويل، هو عدم رغبة الولايات المتحدة في تزويد النيجر بالأسلحة اللازمة لمحاربة التمرد.
الآثار المترتبة على الأمن
قبل الانقلاب العسكري في يوليو 2023، كانت الولايات المتحدة مساهمًا كبيرًا في المساعدات للبلاد
تعتبر منطقة الساحل شاسعة وقد كانت طائرات المراقبة الأميركية دون طيار مفيدة في تحديد مواقع الإرهابيين.
وإذا انقطعت العلاقة بين الولايات المتحدة والنيجر بشكل دائم، فإن عمليات المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية سوف تتأثر بشكل خطير حتى لو انتقلت الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى.
وذلك لأن النيجر تتمتع بموقع إستراتيجي ويمكن للطائرات دون طيار التي تنطلق من البلاد أن تغطي أجزاء كبيرة من منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
وتشير حقيقة حدوث زيادة في الهجمات الإرهابية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو منذ الانقلاب في النيجر عام 2023 إلى أن هذه المخاوف قد تكون مبررة.
ويمكن للجماعات الإرهابية الاستفادة من الوضع وتصبح أكثر جرأة إذ توفر طائرات المراقبة دون طيار ردعًا للجماعات الإرهابية.
واتهمت حكومة النيجر الولايات المتحدة باتباع “موقف متعال” ومحاولة إجبار المجلس العسكري على الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا.
ويرى أجالا أنه مع وجود روسيا قاب قوسين أو أدنى، تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير نهجها حتى لا تفقد هذا الشريك الإستراتيجي.