قطر تستقبل عقيلة صالح وتركيا تستعد لافتتاح قنصليتها في بنغازي

بدأ المحور التركي – القطري في مراجعة علاقاته الإقليمية مع شرق ليبيا بعد فترة من القطيعة، من خلال دعم المسار السياسي والحلول السلمية الكفيلة بتحقيق مصالحة وطنية شاملة بين الفرقاء، تتوّج بإنجاز انتخابات طال انتظارها، وهي خطوة تؤكّد خصوصا على تحول في السياسات القطرية نحو الملف الليبي.
أنهى رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح الأربعاء زيارته إلى الدوحة فيما أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن اتجاه بلاده لافتتاح قنصليتها في بنغازي خلال الفترة القادمة، وهو ما يشير إلى تحولات مهمة في علاقة شرق ليبيا بالدول التي كانت تناصب سلطاته العداء.
وأكد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني دعم بلاده الكامل للمسار السياسي الليبي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وجميع الحلول السلمية التي تحافظ على سيادة ليبيا.
وقالت وكالة الأنباء القطرية إن رئيس الوزراء أكد خلال استقباله عقيلة صالح موقف قطر الثابت تجاه دعم وحدة ليبيا واستقرارها وتحقيق تطلعات شعبها نحو الاستقرار والتنمية.
واجتمع صالح مع حسن بن عبدالله الغانم رئيس مجلس الشورى حيث بحثا معا “جملة من الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الأخوية القائمة بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، لاسيما ما يتعلق منها بعلاقات التعاون البرلماني والتنسيق المشترك، حيث استعرضنا سبل تعزيزها وتنميتها”، وجدد رئيس مجلس الشورى القطري خلال اللقاء ترحيبه بعقيلة والوفد المرافق له في بلده الثاني قطر، معربا عن تطلعه “إلى أن تسهم زيارته في تعزيز روابط الأخوة التي تجمع بلدينا وشعبينا”، وفق البيان القطري.
وضم الوفد المصاحب لعقيلة صالح سفير ليبيا لدى قطر محمد مصطفى الصغير اللافي، وعضو مجلس النواب عن بنغازي رئيس لجنة الصداقة الليبية – القطرية ورئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب عيسى العريبي، ورئيس لجنة متابعة الأجهزة الرقابية عدنان الشعاب، والنائب إدريس المغربي.
وأوضح مجلس الشورى القطري عبر موقعه على الإنترنت أن “عقيلة أشاد من جانبه بالعلاقات الأخوية المتينة بين قطر وليبيا”، مؤكدًا “حرص مجلس النواب الليبي على تعزيزها وتنميتها”.
وكان عقيلة زار دولة قطر في سبتمبر 2022 وبحث مع أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأوضاع في ليبيا، وعددا من القضايا الإقليمية والدولية، إلى جانب بحث تنمية التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي الزيارة التي فتحت باب تطبيع العلاقات بين سلطات شرق ليبيا والدوحة بعد قطيعة مستمرة منذ العام 2014، لاسيما أن بلقاسم حفتر ابن القائد العام للجيش الوطني الجنرال خليفة حفتر كان من بين أعضاء الوفد المرافق لصالح.
ويرى مراقبون أن العلاقات بين الطرفين شهدت انفراجة تأكدت ملامحها من خلال سماح السلطات العسكرية في شرق ليبيا لقناة “الجزيرة ” بالعمل من درنة لتغطية كارثة السيول التي ضربت المدينة في العاشر من أكتوبر الماضي، وللطائرات القطرية بالنزول في مطار بنغازي محملة بمساعدات إنسانية للمتضررين .
وأكدت أوساط ليبية أن هناك تحولا واضحا في السياسات القطرية نحو ليبيا، وخاصة بعد إعادة المياه إلى مجاريها بين الدوحة والقاهرة من جهة، وبين الدوحة وأبوظبي من جهة أخرى، مشيرة إلى أن المرحلة القادمة ستشهد وصول مستثمرين قطريين إلى بنغازي للنظر في إمكانية التعاون في مشاريع عدة تتعلق بخطة إعادة الإعمار.
في الأثناء، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده قررت إعادة افتتاح قنصليتها في مدينة بنغازي، قريبا، وشدد خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره المالطي إيان بورغ في العاصمة فاليتا على أن “تركيا لا ترغب في رؤية اشتباكات بين شرق ليبيا وغربها أو أيّ اشتباكات في جنوبها”، وأكد قائلا “لا نريد للانقسام الحالي بين الشرق والغرب أن يصبح دائما، نعتقد بأنّ هذا الانقسام يجب أن يحل بطريقة سلمية من خلال الحوار وبموافقة الأطراف كافة”، مشيرا إلى وجود تقدم تدريجي في علاقات تركيا مع الشرق الليبي، مردفا “نواصل العمل مع الممثلين هناك، قررنا إعادة فتح قنصليتنا في بنغازي، وسيجرى ذلك قريبا”.
ورأى الباحث في العلاقات الدولية مهند حافظ أوغلو أن “التحركات السياسية والتفاهمات الأمنية ما بين تركيا وبنغازي اختلفت اليوم، وهذا بطبيعة الحال ينعكس إيجابا على الملف الليبي”.
وقال إن “هذا التقارب ينعكس سلبا على من يسعى لعدم الاستقرار في ليبيا باستخدام الكثير من الأدوات التي تقوم بها اليونان من خلال التعبير عن عدم الارتياح تجاه تقارب أنقره وبنغازي”.
وفي أواخر يناير الماضي تحدثت جريدة “كاثميريني” اليونانية عن قلق متنامٍ لدى أثينا بسبب تزايد نفوذ تركيا داخل ليبيا، ولاسيما بعد أن هدأت التوترات نسبيا بين أنقرة وبنغازي في أعقاب العاصفة المدمرة التي ضربت أجزاء واسعة من شرق ليبيا، وسارعت تركيا إثرها إلى إرسال فرق للإنقاذ والإغاثة، وأبرزت الجريدة أن أوجه التقارب بدت واضحة منذ ديسمبر الماضي، حينما استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي كان حتى وقت قريب شديد الانتقاد لإستراتيجية أنقرة للتوسع داخل ليبيا.
وكان سفير تركيا في ليبيا كنعان يلماز كشف عن استكمال إجراءات فتح القنصلية التركية بمدينة بنغازي في الشرق الليبي، ومساهمة الشركات التركية في التنمية والإعمار، مؤكدا أن فرق العمل الميداني التركية تعمل حتى اللحظة بمدينة درنه لدعم ومساندة فرق العمل الليبية في المنطقة الشرقية.
وفي أكتوبر الماضي قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية المهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إنه أعطى «الإذن بفتح القنصلية التركية في بنغازي للشروع في تنفيذ الإجراءات الفنية والإدارية لانطلاق عملها»، وفق ما أعلنه المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية.
ويشير متابعون للعلاقات الإقليمية إلى أن كبار التجار والمستثمرين في شرق ليبيا كان لهم دور مهم في إعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا إلى سالف نشاطها، ولاسيما منذ يونيو الماضي عندما تم افتتاح معرض الصناعات التركية وتدشين الخط الملاحي الجديد بين بنغازي والموانئ التركية.
ويضيف المتابعون أن العلاقات بين الطرفين مرشحة للتطور أكثر بعد الزيارة التي من المنتظر أن يؤديها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير الجاري، والتي سيتم خلالها الاتفاق على جملة من الملفات المهمة من بينها ما يتعلق بالوضع في ليبيا.