قطار لبنان ربط الشرق بالغرب وانتهى خردة من الماضي

بيروت ـ قبل 125 عاما، انطلق أول قطار في لبنان من بيروت نحو دمشق، فأصبحت العاصمة اللبنانية بفضله مركزا اقتصاديا وتجاريا هاما في المنطقة، وأُطلق على البلاد لقب “بوابة الشرق”.
أما اليوم، فعجلات القطار متوقفة، فيما تئن بيروت ألما من واقع اقتصادي أرهقها، وسط طموحات متجددة بإعادة إحياء المشروع لتستعيد دورها الرائد تاريخيا كواحدة من أبرز عواصم المنطقة.
وزاد معاناة العاصمة، الانفجار الكارثي الذي وقع بمرفئها في 4 أغسطس الماضي، وهو ذات اليوم من عام 1895 الذي انطلق فيه القطار الأول من لبنان ومن محطة المرفأ نفسه.
وأُنشئت سكك الحديد في لبنان منذ نهايات عهد السلطنة العثمانية، أي أواخر القرن التاسع عشر 1895، من ثمّ تطورت وازدادت الخطوط الداخلية وأنواع القطارات خلال عهد الانتداب الفرنسي (1920-1943). بعدها انتقلت إدارة مصلحة سكك الحديد إلى السلطات الوطنية، وأمّمت العام 1961. لكن في مرحلة ما بين 1945 و1975، عرف هذا القطاع مشاكل عديدة وسوء إدارة، حتى توقّف العمل به جزئيًا خلال الحرب في لبنان (1975-1990).
وجرت عدة محاولاتٍ بعد انتهاء الحرب لإعادة دوران عجلة القطار ومروره في مختلف المناطق اللبنانية، لكنها فشلت وجرت آخر رحلة بين بيروت وشكا العام 1994، وبعدها اندثر وانتهى خردة لا من يصونها.
وبقيت حركة القطارات بين مختلف المناطق اللبنانية، جنوبا وشرقا وشمالا، إلى أن توقفت عن العمل خلال الحرب الأهلية (1975 – 1990) مع أنه من وسائل المواصلات المهمة على الصعيد السياحي والتجاري والثقافي.
اليوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية ينظر اللبنانيون بحسرة إلى قطارهم المتوقف عن العمل منذ أكثر من 3 عقود، ويأملون أن يعود إلى سكته في أسرع وقت، علّه ينتشلهم من واقعهم المرير.
يقول كارلوس نفاع رئيس جمعية “ترين ترين” (غير حكومية تدعو لإحياء خدمة القطارات في لبنان)، إن “القطار قبل 125 عاماً جعل من مرفأ بيروت بوابة للمشرق، لكن بعد توقفه خسرنا محيطنا الإقليمي وأصبحنا في عزلة اقتصادية واجتماعية تامة”.
ويلفت نفاع، إلى أن القطار كان يجذب السياح من الدول المحيطة للاستمتاع برحلاته، لاسيما بين بيروت والشام، الأمر الذي خلق انتعاشة سياحية للكثير من المدن والبلدات التي كان يمر عبرها.
“كان القطار يربط المناطق ببعضها، معززاً الاقتصاد والروابط الاجتماعية ومن خلال بطاقة سفر واحدة كان يمكن الوصول عبره إلى أوروبا” وفق ما يفيد نفاع.
ويضيف “أما اليوم فكل ذلك تلاشى، ولن يعود الازدهار طالما أن القطار متوقف”، لافتا إلى أنه “في ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، من الضروري جداً أن يكون لدى لبنان رؤية من أجل إعادة تسيير القطار داخلياً، وربط لبنان بالعالم، ليزدهر مجدداً”.
وإلى جانب أهميته الاقتصادية، يُعد القطار حاجة معيشية للبنانيين اليوم، لاسيما بعدما انهارت قدراتهم الشرائية، وبات التنقل في السيارات الخاصة ليس بالأمر اليسير سواء لناحية غلاء أسعار السيارات أو المحروقات على السواء.
وأخيراً، ارتفعت أسعار المحروقات في لبنان بنحو 40 في المئة ما دفع أصحاب سيارات وحافلات الأجرة إلى مضاعفة سعر تعرفة التنقل.
ويقول شادي فرج مدير جمعية “حقوق الركاب” (غير حكومية معنية بتشجيع الناس على استخدام وسائل النقل المشترك)، “نحتاج اليوم إلى نظام نقل مشترك كما كان سابقا؛ فالقطار يصل المناطق ببعضها ويخفف تكلفة التنقل على الناس”.
ويرى، أنه “ثمة حاجة شعبية ملحّة إلى القطار في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية والضائقة المالية التي يعيشها اللبنانيون اليوم، فضلاً عن كونه يخفف من زحمة السير وتأثيراتها السلبية”.
وفكرة النقل العام في لبنان بدأت مع “تراموي” بيروت عام 1892 وبنيت على خطوطه المدن والمرافق العامة مثل المستشفيات والجامعات، قبل أن يتوقف سيره عام 1964 وفق فرج.
والترامواي أو الترام هو أشبه بقطار صغير، وأقرب إلى حافلة تسير على سكة حديد بواسطة الكهرباء.
وكان ترامواي بيروت يصل أحياء بيروت ببعضها، وثمة أغنية لبنانية شهيرة تقول “رزق الله على إيامك يا تراموي بيروت”، في إشارة إلى حنين سكان العاصمة لوسيلة التنقل تلك التي تذكّر اللبنانيين بماضيهم الجميل.
غير أن “عودة انطلاق القطار في لبنان ليست مستحيلة”، وفق المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك (السلطة الحكومية التي تدير النقل العام) زياد نصر.
ويشير نصر في حديث للأناضول، إلى “وجود دراسات جاهزة لإعادة إحياء بعض خطوط سكك الحديد داخل البلاد”.
ويقول، “وضعت أخيرا دراسة متكاملة لإعادة أحد خطوط سكك الحديد الذي يربط بين مدينتي بيروت وطرابلس (شمال)، وصولاً إلى الحدود الشمالية مع سوريا”.
ووفق الدراسة، فإن هذا المسار خصص لنقل الركاب والبضائع، لكن الوضع المالي المتعثر في البلاد حال دون تمويل هذا المشروع، بحسب نصر الذي يرى أن الأمر يحتاج إلى تعاون خارجي.
ويطالب نصر الحكومة “بوضع هذه المشاريع على سلّم أولوياتها وأن يكون هناك سعي جدي لتنفيذ هذا المشروع الحيوي”.
ورغم مرور أكثر من قرن وربع على إنشائها، لا تزال خطوط سكك الحديد اللبنانية قائمة حتى اليوم، بطول أكثر من 400 كيلومتر على امتداد الساحل ونحو شرق البلاد، فضلاً عن مسارين يعبران الحدود باتجاه سوريا.