قضايا الفساد تدفع المواطن التركي إلى العنف والجريمة

أنقرة - فقد الأتراك الذين راهنوا على الحكم الإسلامي لحزب العدالة والتنمية الصورة التي رسخت في أذهانهم عن الحكم بطريقة الإسلاميين ووجدوا أنفسهم يطاردون مبادئ العدالة والتنمية في ظل حكم العدالة والتنمية ولا ريب أن فئات واسعة من مساندي هذا الحكم ومن مؤيدي أردوغان قد صدموا في صورة الزعيم الذي، إلى جانب وعوده بالسهر على توفير الحياة المرفهة للشعب التركي، قدم لنفسه ولعائلته ولزملائه في الحزب ولحكومته صورة الإدارة الحكيمة والرجال الشرفاء إلا أن واقع الحال أماط اللثام عن تورط عدد من الوزراء السابقين وأبنائهم وبعض قيادات الحزب الحاكم في تهم الفساد والرشوة.
وما لبثت دائرة المتهمين بالفساد أن اتسعت لتطال عائلة أردوغان نفسه فإذا بنجله بلال تلاحقه منذ عام 2013 تهم بالفساد بممارسة أنشطة غير قانونية منها غسيل الأموال والمتاجرة في النفط مع عصابات التهريب والجماعات الإرهابية ممثلة في داعش وإن ثبت تورطه فهو يعد من داعمي الإرهاب. كما طالت تهم أخرى ابنة الرئيس سمية وأتى رد أردوغان متشنجا في أحد لقاءاته التلفزيونية عندما قال “إن هناك افتراءات بحق ابنتي وابني… لا علاقة لابني بنفط داعش. فهو يمارس مهاما بسيطة في قطاع الغذاء. ويقولون إن ابنتي تعالج جرحى داعش في تركيا ثم تعيدهم إلى سوريا. وهذا افتراء كاذب بل إهانة”.
تواتر أخبار الفساد تفقد أعدادا هامة من الأتراك الثقة في الطبقة السياسية وتنمي لديهم مشاعر الإحباط والغضب خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد بدءا من انكماش الاستثمار الأجنبي والتضخم وصولا إلى ارتفاع نسب البطالة فالذين عولوا على التعليم للظفر بعمل يؤمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم قد وجدوا أنفسهم في مواجهة اليأس من إيجاد عمل يحققون من خلاله البعض من طموحاتهم دون اتباع مسالك الفساد والرشوة.
وبحسب وكالة جيهان التركية فإن التغيير الرئيسي حدث في دخل الفرد الذي يعكس رفاهية البلد ففي ختام عام 2013 كان نصيب الفرد من الدخل القومي 10 آلاف و786 دولارا وتراجع هذا الرقم مؤخرا إلى 9 آلاف و560 دولارا، حيث فقد دخل الفرد خلال العامين الماضيين 1226 دولارا أي أن الفرد صار أفقر بنسبة 11.3 بالمئة.
45 بالمئة زيادة معدل الطلاق في تركيا حيث ارتفع عدد المطلقين في عام 2014 بنسبة 4.5 بالمئة
ولا ننسى مؤشرات البطالة حيث ارتفع عدد العاطلين من 2.7 مليون عام 2013 إلى 3.1 مليون عاطل. كما أن معدل التضخم السنوي، الذي يظهر غلاء المعيشة وهي أكثر الأمور التي يشتكي منها المواطنون وصل إلى 8.1 بالمئة بعدما كان 7.4 بالمئة. انعكاسات الوضع الاقتصادي المباشرة على الحياة اليومية للأتراك إلى جانب تواتر مستجدات الفساد وارتفاع حصيلة المتهمين بالتورط فيه التي تدل على تغلغل الفساد وتكاثر العصابات الإجرامية في المجتمع التركي، وكذلك المخاوف التي أثارتها مساعي الحكومة لقمع الحريات وعلى رأسها حرية التعبير جعلت معاناة الأتراك من الأزمة الاقتصادية تتضاعف.
ولفتت دراسات سوسيولوجية ونفسية إلى تصاعد مظاهر اجتماعية مثل العنف والجريمة والانحراف حيث كشف تقرير في شهر يونيو الماضي بشأن الجرائم مجهولة الفاعل التي شهدتها تركيا في الفترة من شهر يناير 2003 حتى العام الجاري أن 208 جرائم قتل مجهولة الفاعل وقعت خلال حكم العدالة والتنمية. بالإضافة إلى تزايد حالات العنف الأسري وخاصة الاعتداء وقتل النساء حيث نشر موقع “الجرائم ضد المرأة” إحصاءات تظهر أن 1134 امرأة على الأقل لقين مصرعهن في تركيا على يد الرجال خلال السنوات الخمس الأخيرة، وذكر الموقع أن أعذار الجناة كانت تافهة وأنهم من أقرب الناس للضحايا كالزوج أو الأب أو الابن أو الصديق أو الحبيب.
هذا إلى جانب ارتفاع نسب الطلاق وفقًا لتقرير نشرته هيئة الإحصاء التركية يبين أن معدل الطلاق في البلاد زاد بنسبة 45 بالمئة. وزاد عدد المطلقين في عام 2014 بنسبة 4.5 بالمئة مقارنة بعام 2013 فيما زاد معدل المتزوجين حديثًا بنسبة 0.1 بالمئة. هذا دون أن ننسى ارتفاع نسبة مؤيدي داعش في تركيا إلى ما يقرب 8 بالمئة وفق دراسة أجراها موقع بيو الأميركي لاستطلاعات الرأي.
وأكّد البروفيسور خلوق صواش رئيس قسم الأمراض النفسية بكلية الطب في جامعة غازي عنتاب التركية أن لغة العنف والإهانة التي يستخدمها السياسيون في خطاباتهم لها تأثير على الحالة النفسية للمجتمع. وقال “الجماهير الـمهمشة تشعر بأنها غريبة ومستبعدة في بلدها. ولهذا السبب لا يطيق الناس بعضهم بعضًا”. وقال الأخصائي النفسي أوزجور دوران يورت سيفر إن حالة العنف والكراهية تظهر لدى المجتمعات التي تعاني حالة من اليأس بشأن المستقبل وتشهد حالة من عدم التكافؤ اقتصاديا”.
الوضع الاجتماعي في تركيا يزداد سوءا يوما بعد يوم والظروف الاقتصادية الصعبة التي خنقت المواطنين بسبب استشراء الفساد في مختلف المجالات أثرت على مستواهم المعيشي وضربت المنظومة القيمية والثوابت التي كرستها المدرسة الأتاتوركية في المجتمع، في المقابل يواصل السلطان أردوغان التظلم من تهم الفساد الموجهة إليه ولعائلته ويقدم “البراهين” على أنه يتقاسم مع شعبه المعاناة من تدهور الاقتصاد بسبب الفساد بانتقاله للإقامة مع أسرته في القصر الأبيض بالعاصمة أنقرة والذي يضم 1150 غرفة أضاف لها سكنا يضم 250 غرفة من بينها غرفة خزانة للأموال بحجم حجرة مكتب إلى جوار القصر.