قصف قنصلية إيران يعيد تذكير سكان دمشق بأجواء الحرب

دمشق - يتابع سكان ما زالوا تحت وقع الصدمة رجال الإنقاذ وهم يزيلون أنقاض القنصلية الإيرانية التي استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة المزّة السكنية بوسط دمشق، والتي أعادت إلى أذهانهم ذكرى سنوات الحرب المظلمة.
ويقول محمود بدوي البالغ من العمر 42 عاما والمقيم في مبنى ملاصق لمبنى القنصلية “سمعت صوتين متتاليين ثم صوت انفجار قوي جدا دفعني إلى الحائط”.
ويضيف “بعدها، لم أعد أرى شيئا وامتلأ المنزل بالغبار وبدأنا نسمع أصوات الصراخ والاستغاثة”.
ودمّر قصف جوي نُسب إلى إسرائيل مقرّ القنصلية الإيرانية في دمشق الاثنين بحسب مسؤولين سوريين وإيرانيين، ما تسبّب في مقتل قياديين أحدهما أكبر مسؤول عسكري إيراني في سوريا وعناصر في الحرس الثوري الإيراني.
وأعلن التلفزيون الرسمي الإيراني الثلاثاء أن حصيلة القتلى في الضربة بلغت 13 شخصا هم سبعة عناصر في الحرس الثوري الإيراني وستة سوريين.
من الشرفات المجاورة، يتابع السكان ما يجري ويلتقط بعضهم صورا فيما تحاول الشرطة إبعاد الفضوليين عن المكان
وتضررت واجهة المبنى الذي يقيم فيه بدوي والمؤلف من عشرة طوابق بالكامل فيما تحطّم زجاج سيارات مجاورة.
وفي بلد يشهد نزاعا داميا منذ العام 2011، ظلت العاصمة السورية دمشق بمنأى نسبيا عن القتال المدمر، على عكس مدينة حلب التي تتحدّر منها رشا صالح. وتقول الشابة التي تبلغ 33 عاما والتي انتقلت إلى منطقة المزة في العام 2022 “عادت لي كل ذكريات الحرب الصعبة والسيئة، وعندما حلّ الليل صرت أبكي بشكل لا إرادي”. وتضيف “اعتقدت أن الحرب انتهت، لكن لا يبدو ذلك”.
واستمرت الثلاثاء أعمال رفع الأنقاض من مبنى القنصلية من حيث سحبت فرق الإنقاذ جثتين إحداهما لامرأة خمسينية.
وقال مصدر في الدفاع الوطني فضل عدم الكشف عن هويته “ما زالت جثة واحدة تحت الأنقاض على الأقل. نقلنا شهداء وجرحى من البناء السكني المجاور أحدهم يعمل حارسا للمبنى وآخر تزامن مروره لحظة وقوع الانفجار”.
ومن الشرفات المجاورة، يتابع السكان ما يجري ويلتقط بعضهم صورا فيما تحاول الشرطة إبعاد الفضوليين عن المكان لتسهيل عمل فرق الطوارئ.
ويتابع محمود بدوي “كنت أشعر دائما أن هناك أملا في أن تنتهي الحرب، لكن بعد هذه الحادثة ليس لدي أي أمل وسأسافر بحثا عن مستقبل أفضل وعن الأمان لي ولأولادي”.
وأغلقت الشوارع المؤدية إلى السفارة الإيرانية التي نكّست علمها الثلاثاء حدادا على الضحايا، ما تسبب في زحمة سير خانقة في المنطقة السكنية التي تضمّ عدة سفارات ومقار بعثات دبلوماسية وهيئات أممية ومنظمات إنسانية.
إسرائيل شنّت خلال الأعوام الماضية المئات من الضربات الجوّية في سوريا طالت بشكل رئيسي أهدافا إيرانيّة وأخرى لحزب الله
ويقول عدي إبراهيم (52 عاما) الذي يملك مكتبا عقاريا في المنطقة “صارت أصوات الانفجارات جزءا روتينيا من حياتنا، لكن العدوان الذي حصل يوم أمس (الاثنين) كان مختلفا”.
ويضيف “رأيت الخوف في عيون الناس، وهذا ذكرني بسنوات الحرب كلها دفعة واحدة”.
بدوره، يقول أبومحمد الذي يعمل ناطورا في مبنى مجاور والذي أُصيبت حفيدته في القصف، “ظننا أن الحرب انتهت، لكنني أُصبت بالجنون بعد هذه الضربة”. وخلّفت الضربة حفرة كبيرة بعمق خمسة أمتار على الأقل وبعرض يزيد عن عشرة أمتار. وتحوّل مبنى القنصلية إلى ركام بعد أن سوّي بالأرض.
ويقول أحمد السيد مالك المبنى الذي تستأجره القنصلية الإيرانية “أخبرونا بالضربة عندما حدثت وقالوا لنا: تعالوا وشاهدوا ما حدث ببيتكم”. ويتابع “أشعر أن الحرب لم تنته ولن تنتهي”.
وشنّت إسرائيل خلال الأعوام الماضية المئات من الضربات الجوّية في سوريا طالت بشكل رئيسي أهدافا إيرانيّة وأخرى لحزب الله، بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، لكن أيضا مواقع للجيش السوري.
ونادرا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات، لكنها تكرر أنها ستتصدى لما تصفه بأنه محاولات طهران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، كثّفت الدولة العبرية استهداف مواقع في سوريا، ما أدى إلى مقتل العشرات من الإيرانيين بينهم قيادات في الصفوف الأولى من الحرس الثوري.