قصص مؤلمة وراء روائع فن الباليه العالمي

بعد انتشار تجارب صادمة تعرضت لها راقصات الباليه أثناء التدريب، أصبحت معظم مدارس تعليم هذا الفن تدرك أنه يجب أن تتقبل أشكالا أخرى من أجسام التلميذات والعمل على تدريبهن.
بازل - بينما يستمتع الجمهور بعروض الباليه ويصفق طويلا للراقصات والراقصين، وتسجل أعمال مثل بحيرة البجع وكسارة البندق وروميو وجوليت وجزيل في قوائم روائع فن الباليه العالمي، تتسرب من وراء الكواليس قصص محزنة ومؤلمة عن معاناة الراقصات في حصص التدريب، وما يتعرضن له من أوامر صارمة للتحكم في الوزن، وكيفية السير بخفة ورشاقة لانتزاع صيحات الإعجاب من المشاهدين.
ومؤخرا كشفت المتدربات في مركزي تدريب الراقصات المحترفات بمدينة زيوريخ وبازل السويسريتين عن تجارب صادمة تعرضن لها أثناء التدريب، مما عرضهن للإصابة باضطرابات القلق وفقدان الشهية، إلى جانب ممارسة الإيذاء النفسي معهن، وذكرت إحدى الطالبات أنهم أطلقوا عليها في المركز وصف “الهامبرغر الراقصة”، عندما وصل وزنها إلى أكثر قليلا من 40 كيلوغراما. وتم التقليل من شأن متدربة أخرى تبلغ من العمر 15 عاما، لأن حركاتها لم تكن “مثيرة بما فيه الكفاية”، بينما اضطرت بعض المتدربات إلى الرقص رغم ما يشعرن به من آلام.
وفي أعقاب فضائح مماثلة في مدارس الباليه الشهيرة الأخرى في أوروبا، تتسلط الأضواء هذه المرة على ما يتردد من حدوث انتهاكات في تدريب راقصات الباليه في سويسرا.
ويجرى حاليا تحقيق في أكاديمية زيوريخ للرقص، حيث تم إيقاف مديريها اللذين كان يقومان بالتدريب في مدرسة الباليه، التابعة للدولة ببرلين في العهد الشيوعي، عن العمل.
كما فصل مسرح الباليه بمدينة بازل مديره، ويقوم المسرح حاليا بإغلاق منطقة التدريب الاحترافي بكاملها، لأنه لم يعد يستطيع الحصول على تمويل من الأموال العامة، بسبب تدهور سمعته.
أكاديميات الرقص التي تتبنى مفهوما تقدميا في التدريب تقدم نصائح تتعلق بالغذاء السليم والعلاج الطبيعي
وهزت فضيحة مماثلة أكاديمية فيينا للباليه عام 2019، كما تركزت عناوين الصحف عام 2020 على مدرسة برلين الحكومية للباليه، بسبب معاملتها للراقصات، وسط اتهامات بنشر “ثقافة الخوف” بينهن.
وقالت آنا بيكه وهي محاضرة في تاريخ الرقص بأكاديمية الباليه بميونخ “إنه لأمر مثير للدهشة أننا جميعا الذين نعمل في مجال تعليم الرقص الكلاسيكي، قد تحملنا هذا الأسلوب لفترة طويلة وتسامحنا معه، وهذه هي الفرصة الأخيرة لتعديل المسار، ويجب أن يحدث شيء ما، وإلا فستتقوض الثقة في هذا الشكل الفني بدرجة أكبر”.
وتتركز المشكلات حول نقطتين، الأولى هي الأسلوب التعليمي المثير للتساؤلات لبعض المدرسين، والثانية تتعلق بالصورة الجسدية التي يتم نقلها للفتيات الصغيرات وللجمهور، باعتبارها الشكل الجمالي المثالي للباليرينا.
بينما تقول كاثلين ماكنورني رئيسة رابطة “دانس سويس” السويسرية للرقص “نحن لم نعد نستطيع أن نعلم بنفس الطريقة التي كان يتم التدريس بها منذ نحو 100 عام، بل منذ 20 عاما أو حتى عشرة أعوام، في الماضي كان من المعتاد أن يكون هناك أساتذة ومتدربون، وكان من الطبيعي بشكل مثالي أن تصبح نجمة في مجال الرقص معلمة في وقت لاحق، حتى دون أن تحصل على تدريب على طرق التدريس، ولكن ذلك الاتجاه لم يعد من الممكن تطبيقه حاليا”.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا يتم حاليا التشكيك في طرق التدريس التي تثير الفضائح في الوقت الحالي فقط؟
ويجيب على السؤال ديفيد روسو، وهو راقص ومصمم رقصات ومحاضر بأكاديمية الباليه في ميونخ، فيقول “إنها ظاهرة تتعلق بالأجيال”، حيث أن عدم التوازن ساد لفترة طويلة، ويضيف “إن الخطاب المجتمعي لم يكن قد تطور بعد مثلما هو حادث الآن، طلابنا اليوم من جيل الألفية، الذين ولدوا في مطلع هذا القرن، إنه الجيل الذي ينظم حملات من أجل حماية كوكب الأرض من التغير المناخي، إنهم الأشخاص الذين لديهم رأي خاص بهم ويريدون التعبير عنه”.
لماذا يتم حاليا التشكيك في طرق التدريس التي تثير الفضائح في الوقت الحالي فقط؟
ويؤكد روسو الذي تتبنى أكاديميته مفهوما تعليميا يركز على الاهتمام بصحة الراقصين أنه “يمكن تحقيق التميز الرياضي دون اللجوء إلى أساليب التدريب القاسية”، ويلاحظ أن هذا المفهوم بدأ في الانتشار في دول أوروبية، وعلى سبيل المثال ناقشت ندوة “تعليم الرقص في مرحلته الانتقالية”، التي تم تنظيمها في ميونخ في نوفمبر الماضي التغييرات المطلوبة بشكل عاجل في تدريب راقصي الباليه.
ومن ناحية أخرى تقدم الآن أكاديميات الرقص، التي تتبنى مفهوما تقدميا في التدريب، نصائح تتعلق بالغذاء السليم والعلاج الطبيعي، ولديها أخصائيون محل ثقة، يمكن للطلاب اللجوء إليهم في حالة تعرضهم لمشكلات.
وأحد أمثلة التغيير الجاري في مفهوم تعليم الرقص، ما تقوله مارتينا راتر مديرة مدرسة برلين للرقص بالإنابة، بأن “الحفاظ على صحة جسم الراقصين أصبح الآن أكثر أهمية بالنسبة إلينا من التدريب”، وبعد مرور عامين ونصف العام على تفجر فضيحة التدريب بالمدرسة، تم تبني مفهوم لحماية المتدربين الأطفال، ومن المقرر تطبيق مدونة لقواعد السلوك.
ومع ذلك فإن المثل الأعلى لراقصة الباليه التي تطفو بلا وزن على طول خشبة المسرح، لا يزال متأصلا في مفاهيم الجمهور عن فن الباليه، ومع تجذر هذه الصورة في العقل، تضع التلميذات الصغيرات أنفسهن تحت ضغط، من أجل تحقيق هذه الصورة المثالية للراقصة، فيمارسن التدريب لعدة ساعات يوميا.
ويبدو أن معظم مدارس تعليم رقص الباليه أصبحت تدرك الآن أنه يجب أن تتقبل أشكالا أخرى من أجسام التلميذات.