قسوة الجفاف والحرب تهددان موسم زراعة الحنطة في العراق

نقص المياه والتكاليف الباهظة لإنتاج المحاصيل يقوّضان الأمن الغذائي.
الاثنين 2022/05/09
لا تفرّطوا في أي حبة فالقادم أسوأ

فاقمت موجة الجفاف القاسية وتداعيات الحرب في شرق أوروبا قلق مزارعي الحنطة في العراق من الدخول في مسار أكثر تعقيدا جراء نقص المياه والتكاليف الباهظة لمدخلات الإنتاج، ما يهدد الأمن الغذائي للسكان ويسرّع من وتيرة النزوح من الأرياف إلى المدن بحثا عن وظائف تعوض فقدانهم لأعمالهم في إنتاج المحاصيل.

جليحة (العراق) - تمتد حقول مزروعة بالحنطة في مناطق كثيرة من العراق غير أن الكميات غير كافية لإطعام سكان البلد الذي يشهد وضعا مناخيا قاسيا، بينما يتخوف المزارعون من أن تتعمق التأثيرات على نشاطهم بسبب النزاع في أوكرانيا.

وينظر المزارع كامل حامد كغيره من المزارعين في البلد النفطي بخشية وقلق إلى حقول الحنطة الذهبية المتمايلة وسط العراق، فهذا العام تراجع محصول الرجل الخمسيني إلى النصف بسبب الجفاف ونقص المياه.

وكأنّ الجفاف وحده لا يكفي إذ جاءت الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الوقود والبذور والأسمدة لتلقي بظلالها منذ فبراير الماضي على القطاع الزراعي في العراق مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.

حميد النايف: إنتاج 3 ملايين طن لا يكفي سنة ونحتاج إلى الاستيراد

وقال الرجل الذي يمتلك حقلا بالقرب من قرية جليحة لوكالة الصحافة الفرنسية “حاليا يوجد جفاف غير طبيعي، حتى الآبار غير موجودة، وإن وجدت تخرج منها مياه مالحة”.

وكما كل المزارعين في العراق يتبع حامد توجيهات السلطات التي تشتري حبوبهم. وهي تحدّد المساحات التي ستتم زراعتها في كل محافظة ونسب الريّ استناداً إلى كمية الاحتياطات المائية والأمطار.

وهذا العام بسبب النقص في المياه قررت الحكومة تخفيض مساحاته المزروعة إلى النصف وبالتالي تراجعت كمية المحاصيل.

وزرع حامد ربع المئة دونم من الأرض التي يملكها في حقله حيث تجول آلة الحصاد ذهابا وإيابا لقطع النباتات الناضجة، ثم تُجري الحبوب في ظهر شاحنة.

ويقول المزارع البالغ من العمر 53 عاما “هذه السنة لم يوفر الدونم حتى 500 كيلوغرام” من الحنطة، فيما كان في المواسم السابقة يوفر طناً واحداً.

ويدرك الرجل أيضا مدى تأثير الحرب في أوكرانيا على وضع المزارعين العراقيين. ويقول إنها “أدّت إلى ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق المحلية، وهذا ما أثقل كاهل  المزارعين بعبء ماليّ آخر”.

وكل هذه العوامل تجعل الرجل محتارا. ويقول “لا أعرف كيف سأؤمّن قوت عائلتي. ليس عندي راتب أو عمل. أين أذهب؟”.

ويظل شح المياه السبب الرئيسي في إرهاق القطاع الزراعي في بلد يبلغ تعداد سكانه أكثر بقليل من 41 مليونا.

ويشعر العراقيون منذ سنوات بتأثير التغير المناخي على حياتهم بدءا من التصحر والعواصف الترابية المتكررة وليس انتهاء بانحباس الأمطار وانخفاض منسوب مياه الأنهار.

وتعد قضية المياه أيضا مسألة استراتيجية هامة؛ فالعراق يتشارك مياه نهريه التاريخيين، دجلة والفرات، مع كل من تركيا وسوريا وإيران. وتندّد بغداد مراراً بتعمير جيرانها للسدود ما يخفّض من حصتها.

ويمرّ نهر الفرات بمحافظة الديوانية حيث تقع قرية جليحة، ويغذّيها بنحو 180 مترا مكعبا من المياه في الثانية. لكن هذا الموسم، كما يوضح رئيس جمعيات مستخدمي المياه هاني شعير، “وصلت إلى 80 مترا مكعبا في الثانية”.

ويتجلّى هذا الجفاف في تراجع مياه مشروع الثريمة الإروائي الذي يغذّي مساحة تقدر بنحو 200 ألف دونم زراعي. وبعض جداول المياه جفّت بالكامل.

ويندّد شعير بغياب الحلول من الدولة، فوزارة الزراعة لم توفر هذا العام سوى خمسة كيلوغرامات من السماد مقابل 40 كيلوغراما في السنوات السابقة.

ويضيف أن المزارع في ظل هذه الظروف القاسية “سيهاجر، سيترك الأرض ويذهب إلى المدينة بحثاً عن أي عمل”.

ويتحدث من جهته المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف عن رفع السلطات أسعارَ بيع الحنطة لتدفع إلى المزارعين نحو 500 دولار مقابل الطن.

ويشرح مدير زراعة الديوانية حسن الوائلي لوكالة الصحافة الفرنسية أنه خلال العاميْن 2019 و2020 وصلت كمية الحنطة التي جرى إنتاجها إلى 5 ملايين طن، ما ضمن “الاكتفاء” الذاتي للعراق من هذا المنتج الحيوي.

لكن هذا الموسم يقول الوائلي إن “هذه التغيرات وشح المياه والتغيرات المناخية أدت تخفيض الخطة الزراعية بنسبة 50 في المئة”.

ومن المتوقع أن تنتج البلاد بين 2.5 و3 ملايين طن من الحنطة هذا العام فقط. ويقول النايف إن “إنتاج ثلاثة ملايين طن لا يكفي سنة كاملة للعراقيين”، مضيفاً “سنحتاج إلى الاستيراد”.

50 في المئة نسبة تراجع إنتاج المزارعين للمحاصيل لعدم قدرتهم على مواجهة الأزمات

وسيتأثر العراق كذلك بتقلبات السوق العالمية وارتفاع الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا، على الرغم من أن بغداد تستورد الحنطة من كندا وأستراليا والولايات المتحدة.

ويشرح النايف “مع تسارع الحرب الروسية – الأوكرانية، ترتفع الأسعار حتى في الولايات المتحدة والدول الأخرى، على خلفية العرض والطلب”؛ فالدول التي كانت تشتري حنطتها عادة من روسيا وأوكرانيا تتجه إلى الاستيراد من الدول الأخرى.

وفي حقله في جليحة يتساءل أحمد الجليحاوي عما إذا اتخذ القرار الصحيح بامتهان الزراعة وترك الدراسة؟ ويقول المزارع الثلاثيني “تركت الدراسة وتوجهت إلى الفلاحة”، لكن “هذا العام الزراعة كانت صفرا”.

وسوّق الجليحاوي العام الماضي 500 طن من الحنطة، أما هذا العام فلن يتجاوز إنتاجه ما بين 50 إلى 75 طنا.

وأحدثت الحرب في أوكرانيا هزة في الأسواق المحلية العراقية على غرار معظم دول العالم بارتفاع ملحوظ لأسعار السلع الغذائية الأساسية، ما دفع الحكومة إلى إقرار حزمة من الإجراءات لتُخفّف عن الشرائح الهشة وطأة الأزمة.

وجاء ذلك بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة ومضادات الحشرات. ويضيف الجليحاوي “مع قلة إنتاج هذا العام من المحتمل ألا نتمكن من الزراعة في العام القادم والمواسم التي تليه، لاسيما بسبب ارتفاع الأسعار”.

وبالنسبة إلى العراق لم تكن الأزمة نقمة في المجمل، بل حملت جانبا إيجابيا بارتفاع أسعار النفط ووصول سعر البرميل الواحد إلى نحو 110 دولارات في المتوسط.

10